أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ، للدكتور محروس حفظي

مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ بتاريخ 9 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 31 أكتوبر 2025م

 

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م بعنوان : مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 9 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 31 أكتوبر 2025م.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان :مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ .

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

عناصر خطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م بعنوان: مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) نَحْنُ أُمَّةُ “الْوَسَطِ” لَا التَّشَدُّدِ وَالشَّطَطِ.
(2) الْإِسْلَامُ يُحَقِّقُ السَّعَادَةَ لِلْإِنْسَانِ لَا الشَّقَاءَ وَالتَّعَاسَةَ.
(3) آثَارُ “التَّشَدُّدِ” عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ.
(4) النَّهْيُ عَنِ التَّشَدُّدِ فِي الدَّعْوَةِ.
(5) الْجَهْلُ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ، وَعَدَمُ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ.
(6) خُطُوَاتٌ عَمَلِيَّةٌ لِمُوَاجَهَةِ “الْفِكْرِ الْمُتَشَدِّدِ”.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 31 أكتوبر 2025م بعنوان: مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

خُطْبَةٌ بِعُنْوَانِ:

«طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى»
بِتَارِيخِ 9 جُمَادَى الأَوَّل 1447 ه‍ = الْمُوَافِق 31 أُكْتُوبَر 2025 م

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ، وَيُكَافِىءُ مَزِيدَهُ، لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ، وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ الْأَكْمَلَانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ ،،،

(1) نَحْنُ أُمَّةُ “الْوَسَطِ” لَا التَّشَدُّدِ وَالشَّطَطِ:

“الْوَسَطِيَّةُ” أَعْظَمُ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَتَّى صَارَتْ مَضْرِبَ الْأَمْثَالِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: «سَأَلَ رَجُلٌ الْحُسَيْنَ بْنَ الْفَضْلِ فَقَالَ: إِنَّكَ تُخْرِجُ أَمْثَالَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مِنَ الْقُرْآنِ، فَهَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ: “خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا”؟، قَالَ: نَعَمْ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: قَوْلُهُ: ﴿لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾» أ.ه.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [الْبَقَرَةِ: 143]: (وَأَرَى أَنَّ اللَّهَ – تَعَالَى – ذِكْرُهُ إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ “وَسَطٌ”؛ لِتَوَسُّطِهِمْ فِي الدِّينِ، فَلَا هُم أَهْلُ غُلُوٍّ فِيهِ، وَلَا هُم أَهْلُ تَقْصِيرٍ فِيهِ، تَقْصِيرَ الْيَهُودِ الَّذِينَ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ، وَكَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، وَكَفَرُوا بِهِ؛ وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ تَوَسُّطٍ وَاعْتِدَالٍ فِيهِ؛ فَوَصَفَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ؛ إِذْ كَانَ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ أَوْسَطُهَا) أ.ه. [جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ].

خَاطَبَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هُود: 112].
قَالَ الْإِمَامُ الْبِقَاعِيُّ: (وَالِاسْتِقَامَةُ: الِاسْتِمْرَارُ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَلَمَّا كَانَتْ وَسَطًا بَيْنَ إِفْرَاطٍ وَتَفْرِيطٍ، وَكَانَ التَّفْرِيطُ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ إِلَّا الْفَرْدُ النَّادِرُ، وَهُوَ فِي الْأَغْلَبِ يُورِثُ انْكِسَارَ النَّفْسِ، وَاحْتِقَارَهَا، وَالْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ، وَكَانَ الْإِفْرَاطُ يُورِثُ إِعْجَابًا، وَرُبَّمَا أَفْضَى بِالْإِنْسَانِ إِلَى ظَنٍّ أَنَّهُ شَارِعٌ، فَيَنْسَلِخُ لِذَلِكَ مِنَ الدِّينِ، طَوَى التَّفْرِيطَ، وَنَهَى عَنِ الْإِفْرَاطِ فَقَالَ: {وَلَا تَطْغَوْا} أَيْ تَتَجَاوَزُوا الْحَدَّ فِيمَا أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْ نُهِيتُمْ عَنْهُ بِالزِّيَادَةِ إِفْرَاطًا، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ؛ لِتَهْذِيبِ نُفُوسِكُمْ لَا لِحَاجَتِهِ إِلَى ذَلِكَ، وَلَنْ تُطِيقُوا أَنْ تُقَدِّرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالدِّينُ مَتِينٌ لَنْ يُشَادَّهُ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَقَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ – سُبْحَانَهُ – الِاقْتِصَادَ فِي الْعَمَلِ مَعَ حُسْنِ الْمَقَاصِدِ) أ.ه. [نَظْمُ الدُّرَرِ فِي تَنَاسُبِ الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ].

عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: (فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ مَا عَسُرَ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَتَرْكُ الْإِلْحَاحِ فِيهِ إِذَا لَمْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ، وَالْمَيْلُ إِلَى الْيُسْرِ أَبَدًا؛ فَإِنَّ الْيُسْرَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، قَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [الْبَقَرَةِ: 185]، وَفِي مَعْنَى هَذَا الْأَخْذُ بِرُخَصِ اللَّهِ، وَرُخَصِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَخْذُ بِرُخَصِ الْعُلَمَاءِ مَا لَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ خَطَأً بَيِّنًا) أ.ه. [التَّمْهِيدُ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ مِنَ الْمَعَانِي وَالْأَسَانِيدِ].

مَنْ الْتَزَمَ “الْوَسَطِيَّةَ” ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ، وَاسْتَشْعَرَ حَلَاوَتَهُ؛ فَيَنْطَلِقُ يَعْمُرُ هَذِهِ الْحَيَاةَ بِرُوحٍ يَمْلَؤُهَا التَّفَاؤُلُ، بَعِيدًا عَنِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ، يُثَابِرُ عَلَى الصَّالِحَاتِ دُونَ كَلَلٍ أَوْ مَلَلٍ، مِمَّا يَتَوَلَّدُ لَدَيْهِ الِاسْتِقْرَارُ النَّفْسِيُّ فِي التَّعَامُلِ مَعَ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، فَيَصْبِرُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، وَيَشْكُرُ عِنْدَ زِحَامِ النِّعَمِ، وَبِالتَّالِي يَقِلُّ خَطَؤُهُ، وَيَكْثُرُ صَوَابُهُ، وَيَرْتَقِي نَحْوَ مَعَالِي الْأُمُورِ.
(2) الْإِسْلَامُ يُحَقِّقُ السَّعَادَةَ لِلْإِنْسَانِ لَا الشَّقَاءَ وَالتَّعَاسَةَ:

قَالَ تَعَالَى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1-2].

قَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ: (وَأَصْلُ “الشَّقَاءِ” فِي اللُّغَةِ: الْعَنَاءُ وَالتَّعَبُ…، وَرُوِيَ “أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى بِاللَّيْلِ حَتَّى اسْمَغَدَّتْ قَدَمَاهُ – أَيْ: تَوَرَّمَتَا وَانْتَفَخَتَا – فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَبْقِ عَلَى نَفْسِكَ، فَإِنَّ لَهَا عَلَيْكَ حَقًّا”، أَيْ: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ؛ لِتُنْهِكَ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ، وَتُذِيقَهَا الْمَشَقَّةَ الْفَادِحَةَ، وَمَا بُعِثْتَ إِلَّا بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ). أ.ه. [الْجَامِعُ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ].

وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ: (افْتُتِحَتِ السُّورَةُ بِمُلَاطَفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ مِنْ إِرْسَالِهِ، وَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ أَنْ يَشْقَى بِذَلِكَ، أَيْ: تُصِيبَهُ الْمَشَقَّةُ، وَيَشُدَّهُ التَّعَبُ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُذَكِّرَ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدَهُ.
…، وَوُقُوعُ فِعْلِ {أَنْزَلْنَا} فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يَقْتَضِي عُمُومَ مَدْلُولِهِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِهِ، وَعُمُومُ الْفِعْلِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ مُتَعَلَّقَاتِهِ مِنْ مَفْعُولٍ وَمَجْرُورٍ، فَيَعُمَّ نَفْيَ جَمِيعِ كُلِّ إِنْزَالٍ لِلْقُرْآنِ فِيهِ شَقَاءٌ لَهُ، وَنَفْيَ كُلِّ شَقَاءٍ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْإِنْزَالِ، أَيْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الشَّقَاءِ، فَلَا يَكُونُ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ سَبَبًا فِي شَيْءٍ مِنَ الشَّقَاءِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). [التَّحْرِيرُ وَالتَّنْوِيرُ].

دِينٌ يُوَازِنُ بَيْنَ مُتَطَلَّبَاتِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ؛ لِيُؤَدِّيَ الْإِنْسَانُ الْغَايَةَ الَّتِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهَا: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [الْقَصَصِ: 77].

رَفْعُ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ: قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الْحَجِّ: 78]، {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الْأَعْرَافِ: 157].

وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ يُحِبُّ الْأَمْرَ، وَلَكِنَّهُ يَخْشَى الْفِتْنَةَ عَلَى الْأُمَّةِ، فَلَمْ يُؤَخِّرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، وَامْتَنَعَ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى “التَّهَجُّدِ” فِي رَمَضَانَ مَخَافَةَ أَنْ يُفْرَضَ، وَتَأَخَّرَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ سَأَلَ عَنْ تَكْرَارِ الْحَجِّ فِي كُلِّ عَامٍ خَشْيَةَ فَرْضِيَّتِهِ، فَكَانَ رَفِيقًا بِالْأُمَّةِ.

عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَفِي مَوْقِفٍ عَمَلِيٍّ يَرْفُضُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمَنْهَجَ الَّذِي يُتْعِبُ النَّفْسَ، وَيَجْلِبُ لَهَا الضَّرَرَ آجِلًا أَوْ عَاجِلًا؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ بَطَّالٍ: (إِنَّمَا أَفْطَرَ؛ لِيَرَاهُ النَّاسُ فَيَقْتَدُوا بِهِ، وَيُفْطِرُوا؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ قَدْ نَهَكَهُمْ، وَأَضَرَّ بِهِمْ، فَأَرَادَ الرِّفْقَ بِهِمْ، وَالتَّيْسِيرَ عَلَيْهِمْ أَخْذًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [الْبَقَرَةِ: 185]). أ.ه. [شَرْحُ صَحِيحِ الْبُخَارِي].
(3) آثَارُ “التَّشَدُّدِ” عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ:

التَّشَدُّدُ مَسْلَكٌ مِنْ مَسَالِكِ الشَّيْطَانِ، فَهُوَ إِمَّا أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَيُفَرِّطَ فِي دِينِهِ حَتَّى يُضَيِّعَ عَلَيْهِ الْوَاجِبَاتِ، أَوْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الْإِفْرَاطِ، فَيُوقِعَهُ فِي الْغُلُوِّ فِي فَهْمِ النُّصُوصِ، وَالتَّطَرُّفِ فِي تَطْبِيقِهَا، وَيَصْرِفَهُ عَنِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الْكَهْفِ: 103: 104].

التَّشَدُّدُ يُوَلِّدُ فِي النَّفْسِ الْكِبْرَ وَالْغُرُورَ، وَالتَّعَالِي عَلَى الْخَلْقِ، وَوَصْفَهُمْ بِالْفِسْقِ، بَلْ وَرَمْيِهِمْ بِالْكُفْرِ غَالِبًا.

تَشْوِيهُ صُورَةِ الدِّينِ النَّاصِعَةِ، وَتُقَدِّمُ مَفَاهِيمَ مَغْلُوطَةً عَنْهُ فِي عُيُونِ الْآخَرِينَ، وَإِسْقَاطُ الْقِيَمِ الْجَمَالِيَّةِ وَالْحَضَارِيَّةِ لِلْإِسْلَامِ.

قَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ –: “أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تُبَغِّضُوا اللَّهَ إِلَى عِبَادِهِ، قَالُوا: وَكَيْفَ ذَاكَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟، قَالَ: يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِمَامًا، فَيُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ مَا هُوَ فِيهِ، وَيَقْعُدُ أَحَدُكُمْ قَاصًّا فَيُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ”. [رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي “شُعَبِ الْإِيمَانِ”، وَصَحَّحَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي “فَتْحِ الْبَارِي”].

قَالَ الْإِمَامُ الذَّهَبِيُّ: (…، وَأَوْقَعَهُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ إِلَى تَكْفِيرِ الْعُصَاةِ بِالذُّنُوبِ، وَإِلَى قَتْلِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، إِلَّا مَنْ اعْتَرَفَ لَهُمْ بِالْكُفْرِ وَجَدَّدَ إِسْلَامَهُ) أ.ه. [سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ].

“الْفِكْرُ الْمُتَشَدِّدُ”: انْسِلَاخٌ عَنِ الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَخَرْقٌ لِفِطْرَةِ اللَّهِ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الرُّومِ: 30]، وَإِنْ تَحَمَّلَهُ الْبَعْضُ؛ لِانْتِكَاسِ فِطْرَتِهِمْ، فَلَنْ يُطِيقَهُ غَالِبِيَّةُ الْبَشَرِ.

“الْفِكْرُ الْمُتَشَدِّدُ” يُبَعْثِرُ الْجُهُودَ وَيُشَتِّتُ الطَّاقَاتِ: حَيْثُ يَنْعَدِمُ الِاسْتِقْرَارُ وَالْأَمَانُ، وَيَخْتَلُّ أَمْنُ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَتَفْقِدُ اسْتِقْرَارَهَا، وَيَتَرَاجَعُ اقْتِصَادُهَا، وَمِنْ ثَمَّ تَشِيعُ الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابَاتُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حَلَّ حَيَاةَ الْمُسْلِمِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: أَوَّلُهُمَا: الِانْقِطَاعُ عَنِ الْعَمَلِ بِسَبَبِ تَزَاحُمِ الْأَعْبَاءِ، مِمَّا تَضِيعُ الْحُقُوقُ مَعَهُ؛ وَحِينَمَا رَأَى سَلْمَانُ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا؛ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ وَلِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ»، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ سَلْمَانُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ بَطَّالٍ: (وَفِيهِ: كَرَاهِيَةُ التَّشَدُّدِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالْغُلُوِّ فِيهَا خَشْيَةَ مَا يُخَافُ مِنْ عَاقِبَةِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْعِبَادَةِ الْقَصْدُ وَالتَّوَسُّطُ فَهُوَ أَحْرَى بِالدَّوَامِ) أ.ه. [شَرْحُ صَحِيحِ الْبُخَارِي].

وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

قَالَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ – رَحِمَهُ اللَّهُ –: (رَأَيْنَا وَرَأَى النَّاسُ قَبْلَنَا أَنَّ كُلَّ مُتَنَطِّعٍ فِي الدِّينِ يَنْقَطِعُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْعَ طَلَبِ الْأَكْمَلِ فِي الْعِبَادَةِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ الْمَحْمُودَةِ، بَلْ مَنْعُ الْإِفْرَاطِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَلَلِ، أَوِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّطَوُّعِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ، أَوْ إِخْرَاجِ الْفَرْضِ عَنْ وَقْتِهِ) أ.ه.

قَالَ الْإِمَامُ الشَّاطِبِيُّ: (إِنَّ الشَّرِيعَةَ جَارِيَةٌ فِي التَّكْلِيفِ لِمُقْتَضَاهَا عَلَى الطَّرِيقِ الْوَسَطِ الْعَدْلِ، الْآخِذِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ بِقِسْطٍ لَا مَيْلَ فِيهِ، فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى كُلِّيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، فَتَأَمَّلْهَا تَجِدْهَا حَامِلَةً عَلَى التَّوَسُّطِ وَالِاعْتِدَالِ، وَرَأَيْتَ التَّوَسُّطَ فِيهَا لَائِحًا، وَمَسْلَكَ الِاعْتِدَالِ وَاضِحًا، وَهُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَالْمَعْقِلُ الَّذِي يُلْجَأُ إِلَيْهِ) أ.ه. [الْمُوَافَقَاتِ].

ثَانِيْهُمَا: وُقُوعُ الْخَلَلِ فِي الْعَمَلِ حَيْثُ يَدْخُلُ السَّآمَةُ وَالْمَلَلُ فِي الْعِبَادَةِ، قَالَ الْإِمَامُ الْأَوْزَاعِيُّ: “مَا مِنْ أَمْرٍ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ إِلَّا عَارَضَ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِخَصْلَتَيْنِ، وَلَا يُبَالِيَ أَيُّهُمَا أَصَابَ: الْغُلُوَّ، أَوِ التَّقْصِيرَ”. [الْمَقَاصِدُ الْحَسَنَةُ لِلسَّخَاوِيِّ].
(4) النَّهْيُ عَنِ التَّشَدُّدِ فِي الدَّعْوَةِ:

الغِلْظَةُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ تُوجِبُ نُفُورَ الطِّبَاعِ، وَتُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَالٍ فِي الْعَلَاقَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ؛ وَلِذَا نَهَى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فَقَالَ تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ} [آلِ عِمْرَانَ: 159].

قَالَ الْإِمَامُ الْبِقَاعِيُّ: ({وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا} أَيْ: سَيِّىءَ الْخُلُقِ، جَافِيًا فِي الْقَوْلِ {غَلِيظَ الْقَلْبِ} أَيْ: قَاسِيَةً لَا تَتَأَثَّرُ بِشَيْءٍ، تُعَامِلُهُمْ بِالْعُنْفِ وَالْجَفَاءِ {لَانْفَضُّوا} أَيْ: تَفَرَّقُوا تَفَرُّقًا قَبِيحًا لَا اجْتِمَاعَ مَعَهُ {مِنْ حَوْلِكَ} أَيْ: فَفَاتَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَعْثَةِ) أ.ه. [نَظْمُ الدُّرَرِ].

نَفَى اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “الْقَسْوَةَ وَالْغِلْظَةَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ؛ إِذِ الْقَسْوَةُ الظَّاهِرِيَّةُ تَبْدُو أَكْثَرَ مَا تَبْدُو فِي الْفَظَاظَةِ الَّتِي هِيَ خُشُونَةُ الْجَانِبِ، وَجَفَاءُ الطَّبْعِ، وَالْقَسْوَةُ الْبَاطِنِيَّةُ تَكُونُ بِسَبَبِ يُبُوسَةِ الْقَلْبِ، وَغِلَظِ النَّفْسِ وَعَدَمِ تَأَثُّرِهَا بِمَا يُصِيبُ غَيْرَهَا. وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ ذَلِكَ” {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التَّوْبَةِ: 128]، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الْأَحْزَابِ: 43]. [التَّفْسِيرُ الْوَسِيطُ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ].

عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الْأَحْزَابِ: 45]، …، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

بَعْضُ النَّاسِ يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ الْمُجْتَمَعَ إِلَى مُجْتَمَعٍ رَبَّانِيٍّ مَلَائِكِيٍّ، أَنْتَ لَسْتَ سَيْفًا مُسَلَّطًا عَلَى رِقَابِ الْخَلْقِ: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الْغَاشِيَةِ: 22]، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يُوسُفَ: 103].

عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوا هَذَا الْأَمْرَ بِالْمُغَالَبَةِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ].

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ – رَحِمَهُ اللَّهُ –: «لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ إِلَّا مَنْ كَانَ فِيهِ خِصَالٌ ثَلَاثٌ: رَفِيقٌ بِمَا يَنْهَى، عَدْلٌ بِمَا يَأْمُرُ، عَدْلٌ بِمَا يَنْهَى، عَالِمٌ بِمَا يَأْمُرُ، عَالِمٌ بِمَا يَنْهَى» [الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لِابْنِ يَزِيدَ الْخَلَّالِ].

وَلِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ دُعَاتَهُ وَرُسُلَهُ بِالْيُسْرِ وَالتَّيْسِيرِ {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44].

وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: (إِنَّمَا جَمَعَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَيْنَ الشَّيْءِ وَضِدِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُهُمَا فِي وَقْتَيْنِ؛ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى “يَسِّرُوا”؛ لَصَدَقَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَسَّرَ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ، وَعَسَّرَ فِي مُعْظَمِ الْحَالَاتِ، فَإِذَا قَالَ: “وَلَا تُعَسِّرُوا”، انْتَفَى التَّعْسِيرُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي: “وَلَا تُعَسِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا”؛ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالتَّبْشِيرِ بِفَضْلِ اللَّهِ، وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ، وَجَزِيلِ عَطَائِهِ، وَسِعَةِ رَحْمَتِهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ التَّنْفِيرِ بِذِكْرِ التَّخْوِيفِ، وَأَنْوَاعِ الْوَعِيدِ مَحْضَةً مِنْ غَيْرِ ضَمِّهَا إِلَى التَّبْشِيرِ، وَمَتَى يُسِّرَ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الطَّاعَةِ أَوِ الْمُرِيدِ لِلدُّخُولِ فِيهَا، سَهُلَتْ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ غَالِبًا التَّزَايُدَ مِنْهَا، وَمَتَى عُسِّرَتْ عَلَيْهِ أَوْ شُكَّ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهَا، وَإِنْ دَخَلَ أَوْ شُكَّ أَنْ لَا يَدُومَ أَوْ لَا يَسْتَحْلِيَهَا) أ.ه. [شَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ].
(5) مِنْ أَعْظَمِ فُشُوِّ “الْفِكْرِ الْمُتَشَدِّدِ”: الْجَهْلُ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ، وَعَدَمُ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ:

صَدَقَ الْإِمَامُ ابْنُ حَجَرٍ حِينَ قَالَ: «إِذَا تَكَلَّمَ الْمَرْءُ فِي غَيْرِ فَنِّهِ أَتَى بِهَذِهِ الْعَجَائِبِ» [فَتْحُ الْبَارِي شَرْحُ صَحِيحِ الْبُخَارِي].

عَدَمُ الْإِحَاطَةِ بِمَقَاصِدِ الْإِسْلَامِ، وَجَوْهَرِهِ الصَّافِي، السَّهْلِ اللَّيِّنِ، وَجَعْلُ الْمَقِيسِ الْوَحِيدِ لِلتَّدَيُّنِ هُوَ “التَّمَسُّكُ بِالْمَظَاهِرِ وَالسَّمْتِ الْخَارِجِيِّ”، أَسَاسُ كُلِّ بَلِيَّةٍ، وَأَصْلُ كُلِّ رَزِيَّةٍ، حَيْثُ تَتَوَلَّدُ مَشَاعِرُ الْكَرَاهِيَةِ، وَيَسُودُ التَّعَصُّبُ تُجَاهَ الْآخَرِينَ، وَتَنْعَدِمُ الثِّقَةُ، مِمَّا يُهَدِّدُ وَحْدَةَ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَتَفَكُّكُ الرَّوَابِطِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: “لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ وَعَنْ عُلَمَائِهِمْ وَأُمَنَائِهِمْ، فَإِذَا أَخَذُوهُ مِنْ أَصَاغِرِهِمْ، وَشِرَارِهِمْ هَلَكُوا”. [رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي “حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ”].

نَجِدُهُمْ يَأْخُذُونَ بِالْأَشَدِّ مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ، وَيُشَدِّدُونَ عَلَى الْخَلْقِ مَعَ تَضَافُرِ أَسْبَابِ التَّيْسِيرِ وَالرِّفْقِ؛ قَالَ الْإِمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: “إِنَّمَا الْفِقْهُ الرُّخْصَةُ مِنْ ثِقَةٍ، أَمَّا التَّشَدُّدُ فَيُحْسِنُهُ كُلُّ أَحَدٍ” أ.ه.

وَقَدْ نَبَّهَ الْإِمَامُ الشَّاطِبِيُّ إِلَى هَذَا الصِّنْفِ، وَبَيَّنَ خَطَرَهُ، فَقَالَ – فِي سِيَاقِ ذِكْرِهِ لِأَسْبَابِ “الِابْتِدَاعِ الْمُفْضِي لِلتَّفَرُّقِ” –: (أَنْ يَعْتَقِدَ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ، أَوْ يَعْتَقِدَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ لَمْ يَبْلُغْ تِلْكَ الدَّرَجَةَ، فَيَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَعُدُّ رَأْيَهُ رَأْيًا، وَخِلَافَهُ خِلَافًا) أ.ه. [الْمُوَافَقَات].

التَّشَدُّدُ فِي الْكَلَامِ، وَالْمُنَاقَشَاتِ؛ لِيُلْفِتَ الْأَنْظَارَ إِلَيْهِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ»، قَالَهَا ثَلَاثًا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

أَيْ: “الْمُتَعَمِّقُونَ، الْغَالُونَ، الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُودَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ”. [شَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ، 16/220].

قَالَ الْهَرَوِيُّ: (إِنَّمَا رَدَّدَ الْقَوْلَ ثَلَاثًا؛ تَهْوِيلًا وَتَنْبِيهًا عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْغَائِلَةِ، وَتَحْرِيضًا عَلَى التَّيَقُّظِ وَالتَّبَصُّرِ دُونَهُ، وَكَمْ تَحْتَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ مُصِيبَةٍ تَعُودُ عَلَى أَهْلِ اللِّسَانِ وَالْمُتَكَلِّفِينَ فِي الْقَوْلِ، الَّذِينَ يَرُومُونَ بِسَبْكِ الْكَلَامِ سَبْيَ قُلُوبِ الرِّجَالِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنَ الدُّخُولِ فِي الْأَوْحَالِ) أ.ه. [مِرْقَاةُ الْمَفَاتِيحِ شَرْحُ مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ، 7/3012].

قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ – مُعَدِّدًا آفَاتِ اللِّسَانِ –: (التَّقَعُّرُ فِي الْكَلَامِ بِالتَّشَدُّقِ، وَتَكَلُّفُ السَّجْعِ وَالْفَصَاحَةِ، وَالتَّصَنُّعُ فِيهِ…، وَمَا جَرَى بِهِ عَادَةُ الْمُتَفَاصِحِينَ الْمُدَّعِينَ لِلْخِطَابَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ التَّصَنُّعِ الْمَذْمُومِ، وَمِنَ التَّكَلُّفِ الْمَمْقُوتِ، وَكَذَلِكَ التَّكَلُّفُ بِالسَّجْعِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى مَقْصُودِهِ، وَمَقْصُودُ الْكَلَامِ التَّفْهِيمُ؛ لِلْغَرَضِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ تَصَنُّعٌ مَذْمُومٌ، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ تَحْسِينُ أَلْفَاظِ الْخِطَابَةِ وَالتَّذْكِيرِ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَإِغْرَابٍ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَحْرِيكُ الْقُلُوبِ وَتَشْوِيقُهَا وَقَبْضُهَا وَبَسْطُهَا؛ فَلِرَشَاقَةِ اللَّفْظِ تَأْثِيرٌ فِيهِ فَهُوَ لَائِقٌ بِهِ، فَأَمَّا الْمُحَاوَرَاتُ الَّتِي تَجْرِي لِقَضَاءِ الْحَاجَاتِ، فَلَا يَلِيقُ بِهَا السَّجْعُ وَالتَّشَدُّقُ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ مِنَ التَّكَلُّفِ الْمَذْمُومِ، وَلَا بَاعِثَ عَلَيْهِ إِلَّا الرِّيَاءُ، وَإِظْهَارُ الْفَصَاحَةِ، وَالتَّمَيُّزُ بِالْبَرَاعَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْمُومٌ يَكْرَهُهُ الشَّرْعُ، وَيَزْجُرُ عَنْهُ) أ.ه. [إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ].
(6) خُطُوَاتٌ عَمَلِيَّةٌ لِمُوَاجَهَةِ “الْفِكْرِ الْمُتَشَدِّدِ”:

أَوَّلًا: أَخْذُ الْعِلْمِ عَلَى أَيْدِي الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ: مِنْ أَبْرَزِ عَوَامِلِ “الْفِكْرِ الْمُتَشَدِّدِ” فِي هٰذَا الْعَصْرِ “الِاكْتِفَاءُ بِالتَّثْقِيفِ الذَّاتِيِّ” دُونَ الْإِلْمَامِ بِ”دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ”: وَقَدْ ضَعَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ قَاعِدَةً عَظِيمَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحَصِّلَ عِلْمًا مَا، وَهُوَ أَنْ يَسْتَقِيَهُ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النَّحْلِ: 43].
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ: سُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ، فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ، فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي “مُسْنَدِهِ”].
قَدِيمًا قَالُوا: “لَا تَأْخُذِ الْعِلْمَ مِنْ صُحُفِيٍّ، وَلَا الْقُرْآنَ مِنْ مُصْحَفِيٍّ”.

ثَانِيًا: تَحْدِيدُ الْمَفَاهِيمِ، وَتَحْرِيرُ الْمُصْطَلَحَاتِ: مِنَ الْمُتَخَصِّصِينَ الْقَائِمِينَ عَلَى الدَّعْوَةِ: مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي جَرَتْ عَلَى أَلْسِنَةِ هَؤُلَاءِ الْمُتَطَرِّفِينَ “الْبِدْعَةُ”، وَوَسْمُ كُلِّ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا أَيَّامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، فَقَسَّمُوا الْمُسْلِمِينَ شِيَعًا وَأَحْزَابًا، وَرَمَوْهُمْ بِالْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الْإِسْرَاءِ: 36].
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ” [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ: (لَعْنُ أَوْصَافِ الْمُبْتَدِعَةِ خَطَرٌ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْبِدْعَةِ غَامِضَةٌ، وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ لَفْظٌ مَأْثُورٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ الْعَوَامُّ؛ لِأَنَّ ذٰلِكَ يَسْتَدْعِي الْمُعَارَضَةَ بِمِثْلِهِ، وَيُثِيرُ نِزَاعًا بَيْنَ النَّاسِ وَفَسَادًا) أ.ه. [إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ، 3/123].

**ثَالِثًا: الْإِغْرَاقُ التَّامُّ لِكُلِّ مَنَصَّاتِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ بِالْوَعْيِ، وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ، وَتَفْنِيدُ شُبُهَاتِ هٰذَا الْفِكْرِ، وَتَقْدِيمُ صُورَةٍ صَحِيحَةٍ عَنِ الْإِسْلَامِ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 107]، وَإِعَادَةُ تَشْغِيلِ مَصَانِعِ الْحَضَارَةِ فِي عَقْلِ الْإِنْسَانِ الْمُسْلِمِ بِحَيْثُ يُحَوِّلُ آيَاتِ الْقُرْآنِ إِلَى مَرَاصِدَ فَلَكِيَّةٍ، وَمَدَارِسَ تَعْلِيمٍ لِرِعَايَةِ الْإِنْسَانِ، فَهَؤُلَاءِ يَسْتَعْمِلُونَ نُصُوصَ الْوَحْيَيْنِ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِمَا خَاصَّةً مَعَ السُّذَّجِ مِنَ الْعَوَامِّ.

رَابِعًا: تَجْفِيفُ مَنَابِعِ الْفِكْرِ الْمُتَشَدِّدِ، وَمُحَارَبَةُ الْفَقْرِ وَالْجَهْلِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ، وَتَقْوِيَةُ النَّزْعَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ لَدَى الشَّبَابِ، وَتَزْوِيدُهُمْ بِمَهَارَةِ التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ، وَتَقْوِيَةُ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ، وَإِطْلَاقُ حَمَلَاتٍ تَوْعَوِيَّةٍ يُشَارِكُ فِيهَا جَمِيعُ نُخَبِ الْمُجْتَمَعِ، وَاتِّخَاذُ خُطُوَاتٍ وِقَائِيَّةٍ لِمَنْعِ سُقُوطِ الْأَفْرَادِ فِي بَرَاثِنِ هٰذَا “الْفِكْرِ الْمُتَشَدِّدِ”.
هٰذَا الْفِكْرُ لَمْ يَنْتَهِ، وَلَنْ يَكُفَّ، فَهُمْ مُسْتَمِرُّونَ؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ، أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً، حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ» [سُنَنُ ابْنِ مَاجَهْ].
قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ: (أَطِبَّاءُ الدِّينِ وَهُمُ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَالْعَاصِي إِنْ عَلِمَ عِصْيَانَهُ، فَعَلَيْهِ طَلَبُ الْعِلَاجِ مِنَ الطَّبِيبِ، وَهُوَ الْعَالِمُ، …، وَكُلُّ مَرِيضٍ لَمْ يَقْبَلِ الْعِلَاجَ بِمُدَاوَاةِ الْعَالِمِ، يُسْلَمُ إِلَى السُّلْطَانِ؛ لِيَكُفَّ شَرَّهُ كَمَا يُسْلِمُ الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَحْتَمِي أَوِ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ إِلَى الْقَيِّمِ؛ لِيُقَيِّدَهُ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ، وَيَكُفَّ شَرَّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ سَائِرِ النَّاسِ) أ.ه. [إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ].

خَامِسًا: لَا تَغْتَرَّنَّ بِصَلَاحِ السِّمْتِ أَوِ الْحَالِ:

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا بَلَغَهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عِبَادَةٌ قَالَ: «كَيْفَ عَقْلُهُ؟» فَإِنْ قَالُوا: حَسَنٌ، قَالَ: «مَا أَخْلَقَ صَاحِبَكُمْ أَنْ يَبْلُغَ»، وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ بِعَاقِلٍ قَالَ: «لَنْ يَبْلُغُ صَاحِبُكُمْ حَيْثُ تَظُنُّونَ» [رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي “شُعَبِ الْإِيمَانِ”].

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُعْجِبَنَّكُمْ إِسْلَامُ رَجُلٍ حَتَّى تَعْرِفُوا مَا عُقْدَةُ عَقْلِهِ» [رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي “شُعَبِ الْإِيمَانِ”].

قَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَسْتُ بِالْخِبِّ وَلَا يَخْدَعُنِي الْخِبُّ» [أَدَبُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ لِلْمَاوَرْدِيِّ].
كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ “الْفِكْرِ الْمُتَشَدِّدِ”، يَغْتَرُّ النَّاسُ بِطَاعَتِهِمْ، وَحُسْنِ مَظْهَرِهِمْ، فَيَقَعُونَ فِي الْمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
الدِّينُ مَبْنَاهُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا لَا الْعَمَلُ فَحَسْبُ كَمَا هُوَ سِمَةُ “هٰذَا الْفِكْرِ الْمُتَشَدِّدِ”؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ، وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ …، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ].

سَادِسًا: دَعْمُ الشَّبَابِ مَعْنَوِيًّا: وَإِشْعَارُهُمْ بِذَوَاتِهِمْ، وَالْإِنْصَاتُ الْجَيِّدُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْحُهُمْ حُرِّيَّةَ التَّعْبِيرِ عَمَّا يَشْغَلُ بَالَهُمْ، وَإِشْرَاكُهُمْ فِي حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ الْعَائِلِيَّةِ، وَحِمَايَتُهُمْ مِنَ الشُّعُورِ بِالْإِقْصَاءِ؛ لِأَنَّ فَقْدَانَهُمْ ذٰلِكَ يَسُوقُهُمْ حَتْمًا إِلَى تَبَنِّي هٰذَا “الْفِكْرِ الْمُتَشَدِّدِ”.
أَدْرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيمَةَ اسْتِثْمَارِ الشَّبَابِ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، بَعِيدًا عَنِ التَّشَدُّدِ وَالتَّنَطُّعِ؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ لِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«كَيْفَ تَصُومُ؟ قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟، قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ: صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجُمُعَةِ، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً»، فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

سَابِعًا: نَشْرُ ثَقَافَةِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ وَالْخَيْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُعَزِّزُ ثَقَافَةَ الْأُخُوَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَحُبَّ الْخَيْرِ لِلْجَمِيعِ، وَيُشْعِرُ الْجَمِيعَ بِعِظَمِ الْمَسْئُولِيَّةِ الْمُلْقَاةِ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، وَأَنَّ كُلَّ الْخَلْقِ مُسْتَخْلَفُونَ لِعِمَارَةِ هٰذَا الْكَوْنِ؛ فَالْقَوَانِينُ الْكَوْنِيَّةُ، وَالسُّنَنُ الْإِلَهِيَّةُ، وَالْعُقُولُ السَّلِيمَةُ تَأْبَى أَنْ تَتَعَالَى عَلَى الْآخَرِينَ أَوْ تُقْصِيَهُمْ عَنْ دَوْرِهِمْ فِي هٰذِهِ الْحَيَاةِ الَّتِي هِيَ مَشَاعٌ لِلْجَمِيعِ.

ثَامِنًا: التَّأْكِيدُ عَلَى دَوْرِ الْأُسْرَةِ فِي تَهْيِئَةِ بِيئَةٍ سَلِيمَةٍ يَجِدُ فِيهَا الْأَوْلَادُ التَّوَافُقَ، وَالرَّحْمَةَ، وَالرِّفْقَ وَاللِّينَ، وَالِاحْتِرَامَ الْمُتَبَادَلَ، مَعَ الْمُرَاقَبَةِ الْوَاعِيَةِ لَهُمْ، وَمُتَابَعَةِ نَشَاطَاتِهِمْ حَتَّى لَا يَقَعُوا فَرِيسَةً سَهْلَةً فِي مُسْتَنْقَعَاتِ هٰذَا الْفِكْرِ الْعَفِنِ.

سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ الْعَمَلِ، وَفَضْلَ الْقَبُولِ، إِنَّهُ أَكْرَمُ مَسْؤُولٍ، وَأَعْظَمُ مَأْمُولٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ بَلَدَنَا مِصْرَ سَخَاءً رَخَاءً، أَمْنًا أَمَانًا، سِلْمًا سَلَامًا وَسَائِرَ بِلَادِ الْعَالَمِينَ، وَوَفَّقَ وُلَاةَ أُمُورِنَا لِمَا فِيهِ نَفْعُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ.

أَعَدَّهُ: الْفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ الْحَنَّانِ الْمَنَّانِ
د / مَحْرُوسٌ رَمَضَانُ حِفْظِي عَبْدُ الْعَالِ
مُدَرِّسُ التَّفْسِيرِ وَعُلُومِ الْقُرْآنِ – كُلِّيَّةُ أُصُولِ الدِّينِ وَالدَّعْوَةِ – أَسْيُوطُ

 

_____________________________________

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى