web analytics
أخبار عاجلة
خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ  14 ربيع الأول 1445هـ ، الموافق 29 سبتمبر 2023م
خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته للدكتور مسعود عرابي

خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م : مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته للدكتور مسعود عرابي

خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ  14 ربيع الأول 1445هـ ، الموافق 29 سبتمبر 2023م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م بصيغة word بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور مسعود عرابي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م بصيغة pdf بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور مسعود عرابي

عناصر خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م ، بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور مسعود عرابي.

 

أولًا: حياةُ رســـولِ اللهِ كلُّهَا كانتْ لأمتِه.

ثانيًا: تَرَكَ النبيُّ لأمتِه منهجًا مستقيمًا تستضيءُ بهِ طريقَهَا.

ثالثًا: لم يتخلَّ رسولُ اللهِ عن أمتِه في موقفِ القيامةِ العصيبِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م ، بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:

الحمدُ للهِ الذي امتنَّ على عبادِه بنبيِّه المرسلِ وبكتابِه المنزلِ الذي لا يأتيهِ الباطلُ مِن بينِ يديهِ ولا مِن خلفِه تنزيلٌ مٍن حكيمٍ حميد، وأشهدُ أنّ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه نبيُّ الهدى والرحمةِ والهادِي بإذنِ ربِّه إلى الصراطِ المستقيمِ.

وبعــدُ،،، فإنَّ خطبتنَا هذه بعــونِ اللهِ ومــددهِ وتوفيقهِ ورعايتهِ تدورُ حــول هذه العناصـــــرِ:

أولًا: حياةُ رســـولِ اللهِ كلُّهَا كانتْ لأمتِه.

ثانيًا: تَرَكَ النبيُّ لأمتِه منهجًا مستقيمًا تستضيءُ بهِ طريقَهَا.

ثالثًا: لم يتخلَّ رسولُ اللهِ عن أمتِه في موقفِ القيامةِ العصيبِ.

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م : مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته 

أولاً : حياةُ رســـولِ اللهِ كلُّهَا كانتْ لأمتِه.

بعثةُ رسولِ اللهِ ﷺ كانتْ بمثابةِ ينابيعَ رحمةٍ تدفقتْ على سماءِ العالمين، وهدايةً مِن اللهِ تعالى للناسِ أجمعين، فقد خرجَ ﷺ مِن بطنِ أمِّهِ يرافقهُ النورُ الذي أضاءَ لهُ قصورَ الشام، وجعلَهُ ربُّهُ مِن المبشرين بالرحمةِ والجنانِ، والمنذرينَ بالعذابِ والنيرانٍ، وداعيًا إلي اللهِ وسراجًا منيرًا، والجمعُ بينَ نورِ الولاةِ ونورِ البعثةِ خيرُ شاهدٍ على أنّهُ ليس للأمةِ طريقٌ يستجلبونَ منهُ الخيرَ والسعادةَ والفوزَ في الدارينِ غيرَ طريقِ رسولِ اللهِ ﷺ، قالَ تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾. [النساء، 65].

يُقْسِمُ الله تَعَالَى بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ الْمُقَدَّسَةِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ حَتَّى يُحَكِّمَ الرَّسُولَ ﷺ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، فَمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ الِانْقِيَادُ لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾. أَيْ: إِذَا حَكَّمُوكَ يُطِيعُونَكَ فِي بَوَاطِنِهِمْ فَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمْتَ بِهِ، وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فَيُسَلِّمُونَ لِذَلِكَ تَسْلِيمًا كُلِّيًّا مِنْ غَيْرِ مُمَانِعَةٍ وَلَا مُدَافِعَةٍ وَلَا مُنَازِعَةٍ. [تفسير ابن كثير].

وفي الصحيحينِ مِن حـديثِ عروةَ بنِ الزبيرِ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ الزبيرِ ــــــــ رضي اللهُ عنهما ــــ حدثَهُ، أنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ رَسُـــــولِ اللهِ ﷺ فِي شِــرَاجِ الْحَــرَّةِ ــــ مصبِّ الماءِ مِن الأعلَى إلى الأسفلِ ــــــ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَاخْتَصَمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِلزُّبَيْرِ: « اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ ». فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ نَبِيِّ اللهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: « يَا زُبَيْرُ اسْقِ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ». فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.

والمعنى في هذا الحديثِ: أنَّ الزبيرَ بنَ العوام كانت أرضُه في مصبِّ الماءِ، وبعدَهُ أرضُ رجلٍ مِن الأنصارِ، فاختصمَا في أيِّهمَا يسقِي نخلَهُ أولًا، فرفعتْ الشكوَى إلى رسولِ اللهِ ﷺ فحكمَ بأنْ يسقِي الزبيرُ أرضَهُ سقيًا يسيرًا، ثم يتركُ الماءَ إلى جارِه، فأخطأَ الرجلُ في مقامِ النبوةِ واتهمَ رسولَ اللهِ ﷺ بأنَّه قد قضَى للزبيرِ بهذا لأنَّه ابنُ عمةِ رسولِ اللهِ ﷺ، فغضبَ رسولُ اللهِ ﷺ وبيّنَ للزبيرِ أنْ يتمسكَ بكاملِ حقهِ، وذلك عقوبةٌ للأنصارِي الذي لم يرضَ بقضاءِ رسولِ اللهِ ﷺ، ويقبل الفضلَ في القضاءِ، فيقول الزبيرُ بنُ العوام: وَاللهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.

انتصرَ الحقُّ سبحانَهُ وتعالى لرسولِه الكريمِ، وأمرَ أمينَ وحيِ السماءِ جبريلَ عليه السلامُ، يضربُ بجناحيهِ الفلاةَ ليصلَ إلى رسولِ اللهِ ﷺ يرطبُ على قلبِه، ويزيحَ الحزنَ عنه، ويجعلُه يستبشرُ بعدمَا أصابَه الغضبُ بكلامِ الأنصارِي الذي اتهمَ مقامَ النبوةِ وجفَى على مصدرِ العدالةِ، وأصبحت الآيةُ تُتلَى على مسامعِ البشرِ في كلِّ عصرٍ ومصر، فلا طريقَ مقبولٌ غيرَ طريقِ رسولِ اللهِ ﷺ ، ولا حكمَ إلّا حكمُ اللهِ ورسولِه ﷺ ، ولا يتمُّ إيمانُ العبدِ إلّا أنْ يكونَ هواهُ تبعًا لِمَا جاءَ بهِ رسولُ اللهِ ﷺ.

وقد تيقنَ رسولُ اللهِ ﷺ مِن هذه الحقيقةِ، وشاهدَهَا بعينِ البصرِ والبصيرةِ، وكان ﷺ يرَى مِن بعضِ خلقِ اللهِ مَن لا يدركُ هذا الأمرَ، ويتمادَى في الغيِّ والباطلِ، فيقتحمُ النارَ على بصيرةٍ كأنَّهُ لا يعقلُ، ومِن هنا شبَّه رسولُ اللهِ ﷺ نُصحَهُ لأمتِهِ ودلالتِهَا على الحقِّ، وتماديهَا في الظلمِ والطغيانِ، بموقدِ النارِ الذي يدفعُ الدوابَّ عنها، وهي تأبَى ذلك، ففي الصحيحينِ مِن حديثِ أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: « مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا، قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا». فهو يدلُّ أمتَهُ على طريقِ الجنةِ بالطاعةِ والعملِ الصالحِ، وأمتُهُ يأبون ذلك، وينهمكون في المعاصي والذنوبِ، وحرصَ حتى لم يتركْ الدعاءَ لأمتِه في أيِّ صلاةٍ صلاهَا بأبِي وأمِّي وروحِي وأهلِي ومالِي وولدِي ونفسِي ﷺ.

فعندَ ابنِ حبانٍ وغيرِهِ، مِن حديثِ أمِّ المؤمنين عائشةَ ـــــ رضي اللهُ عنها ــــ قالت: لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ طِيبَ نَفْسٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي، فَقَالَ: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ»، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ : « أَيَسُرُّكِ دُعَائِي؟ »، فَقَالَتْ: وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ فَقَالَ : « وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ ».

لَمَّا كُسِرَتْ رُبَاعِيَّةُ رَسُولِ اللهِ وَشُجَّ فِي جَبْهَتِهِ فَجَعَلَتِ الدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ قِيلَ: يَا رَسُولَ

اللهِ، ادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : « إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي طَعَّانًا وَلَا لَعَّانًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي دَاعِيَةَ وَرَحْمَةٍ، اللهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ». [شعب الإيمان، للبيهقي].

فكيفَ بأمةِ الإسلامِ أنْ تنكرَ فضلَهُ، وتنسلخَ مِن شرعهِ، وتستدبرَ سنتَهُ، ولا يضيرهُ عصيانهُم بل الواجبُ اتباعهُ ومحبتهُ، فما قدّمَ لهذه الأمةِ إلا الخير، وعاشَ طوالَ حياتِه يكابدُ الحياةَ وينامُ على الحصيرِ ويرضَى بالقليلِ حتى اكتملَ البنيان، وجاءَ بشريعةٍ غراء، ليلُهَا كنهارِهَا لا يزيغُ عنها إلّا هالكٌ، ولا يتبعُهَا إلّا سالكٌ، فاللهُمّ نجّنَا مِن عبادِكَ الهالكين، واجعلنَا المتبعينَ لهديهِ السالكين.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م : مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته

ثانيًا: تَرَكَ النبيُّ لأمتِه منهجًا مستقيمًا تستضيءُ بهِ طريقَهَا.

 كانت حياةُ النبيِّ مِن أولِهَا إلى أنْ انتقلَ إلى الرفيقِ الأعلَى تموجُ بالجمالِ والكمالِ، وتُشْعِرُ أتباعَ الأمةِ المحمديةِ بعظمةِ هذا النبيِّ الكريمِ، وكلُّ صاحبِ فطرةٍ سليمةٍ يتعطشُ أنْ تكونَ حياتُه على المنهجِ المحمدِي، وإنْ تكالبتْ عليه الأعداءُ مِن النفسِ والشيطانِ والهوَى وأصدقاءِ السوءِ فحادُوا بهِ عن الطريقِ، دائمًا ما يشعرُ بالحرمانِ، وما ذلك إلّا لتوافقِ منهجِ الشريعةِ المحمديةِ مع الفطرةِ السليمةِ، والعقولِ المستقيمةِ، والنفسِ الرافضةِ للشرورِ والغرورِ، ومنهجُ حياتِه فيمَا تركَهُ لأمتِهِ مِن كتابِ ربِّهَا وسنتةِ نبيِّهَا، لو تمسكتْ بهِ لسادتْ، واستفادتْ وأفادتْ.

قال : « إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا, أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا, كِتَابُ اللهِ, وَسُنَّتِي, وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ». [السنن الكبرى للبيهقي].

كان خُلُقُ رسولِ اللهِ القرآنَ، كان قرآنًا يمشي على الأرضِ، ومِن شيمهِ التواضعُ، وكفُّ الأذى والغضبٌ عن الخلقِ، كان دائمَ البشرِ، دائمَ الذكرِ، وسعَ الناسَ بمالِهِ أو بالميسورِ مِن القولِ، ما انتقمَ لنفسِهِ قط، ولا يغضبهُ ما فاتَهُ مِن الدنيا، ولا يتكلمُ إلّا فيمَا يُرجَا ثوابُهً.

أخبرَ أمتَهُ أنَّ الدنيا ظلٌّ زائلٌ، والمالَ عاريةٌ مستردةٌ، ومثلُهَا مع أهلِهَا كرجلٍ استظلَّ بظلِّ شجرةٍ ثم تركَهَا ورحلَ، وأنَّ الأذى مرفوضٌ في شريعتِهِ الغراء، وإنْ كان على سيبلِ المزاحِ أو بالإشارةِ، فعندَ مسلمٍ، قال رسولُ اللهِ : « مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ ». وأنَّ إيمانَ العبدِ لم يكتملْ حتى يحبَّ لأخيهِ ما يحبُّهُ لنفسِهِ، ولا يكتملُ حتى يأمنَ جارُوهُ مِن شرورِه، ولا يكتملُ وهو شبعانُ وجارُهُ إلى جنبِه جائعٌ وهو يعلمُ، المسلمُ للمسلمِ كالبنيانِ، وكالجسدِ الواحدِ، وحذَّرَ أمتَهُ مِن الافتراقِ والمنازعةِ.

فعندَ الترمذِي وغيرِهِ، قال رسولُ اللهِ : « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ

 الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».

وهذه وصايا نبويةٌ غاليةٌ، وتوجيهاتٌ عظيمةٌ لأمةٍ عظمَ فضلُهَا، وجعلَهَا ربُّنَا خيرَ أمةٍ أُخرجتْ للناسِ، وحباهَا بكتابٍ هو خيرُ الكتبِ، وبرسولٍ هو خيرُ الرسلِ، وختمَ بهَا الأممَ، فلَمّا حادتْ عن هذا المنهجِ المحمدِي ذاقتْ وبالَ أمرِهَا، وتشرذمتْ، وتمكنَ منها الأعداءُ، وتلاعبَ بها السفهاءُ، وتداعَ عليهَا الأممُ كمَا يجتمعُ الأكلةُ على مائدةِ الطعامِ، ولا مخرجَ لنَا مِن هذه الكبوةِ إلّا بالرجوعِ إلى المنهجِ القويمِ والصراطِ المستقيمِ والسيرِ على هدَي سيدِ البشرِ أجمعين.

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م : مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته

ثالثًا: لم يتخلَّ رسولُ اللهِ عن أمتِه في موقفِ القيامةِ العصيبِ.

يومُ القيامةِ يومٌ شديدٌ حرُّه، بطيءٌ مرُّه، تدنُو فيه الشمسُ مِن الرؤوسِ، ويكونُ العرقُ على قدرِ الأعمالِ، حينها يستنجدُ الناسُ بمَن يشفعُ لهم عندَ ربِّهم، ويخلصُهُم مِن هذا الموقفِ العصيبِ، فلا يجدون غيرَ رسولِ اللهِ ، ففي الصحيحينِ مِن حديثِ أبي هريرةَ، قال: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ يَوْمًا بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً فَقَالَ: « أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَلَا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الْأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللهِ فَضَّلَكَ اللهُ بِرِسَالَاتِهِ، وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونِّي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَغَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ، وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَأَنْطَلِقُ، فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لِأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابُ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى ».

تابع / خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م : مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته

بعدمَا بيّنَ فضلَهُ عندَ ربِّه، رغبَ أمتَهُ فيمَا لها عندَ اللهِ تعالى، وبيَّنَ أنَّ ما بينَ جانبَيَّ بابِ الجنةِ كما ما بينَ مكةَ كرمَهَا اللهُ وبينَ مديةِ بُصرَى في بلادِ الشامِ، وهذا تحفيزٌ للمسلمِ على عملِ الخيرِ إذ لا يليقُ به أنْ تكونَ مساحةُ الجنةِ هكذا، ثم لا يجلدُ له فيها مكانًا، إنَّ ذلك لهو الخسرانُ المبينُ، والندامةُ التي لا يمحوهَا شيءٌ مهمًا كان.

ثم اكتملَ فضلُهُ ﷺ ورعايتُهُ لهذه الأمةِ بأنْ ادخرَ لها دعوتَهُ المستجابة، وآثارَهَا بها على نفسِه، وادخرَهَا لتكونَ مخرجًا لأمتِهِ مِن مشهدٍ عصيبٍ وموقفٍ رهيبٍ لا يعدلُهُ شيءٌ مِن مقاماتِ الدنيا مهمَا عظمَ، ففي الصحيحينِ مِن حديثِ أبي هريرةَ، قال رسولُ اللهِ ﷺ: « لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ ».

اللهم أوردنَا حوضَهُ الأصفَى، واسقنَا بيدهِ الشريفةِ الطاهرةِ شربةً هنيئةً مريئةً لا نظمأُ بعدَهَا أبدًا، وارزقنَا شفاعتَهُ، ومرافقتَهُ في الجنةِ يا ربَّ العالمين .. واحفظْ اللهُمّ بلادَنَا مِن كلِّ سوءٍ ووفقنَا وولاةَ أمورِنَا إلى مَا فيهِ الخيرُ والصلاحُ في الدنيا والآخرةِ .. اللهم آمين!

بقلم/ مسعود عرابي .. مدرس الفقه المقارن بجامعة الأزهر.

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

عن كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

شاهد أيضاً

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف pdf و word : أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، بتاريخ 24 شوال 1445 هـ ، الموافق 3 مايو 2024م

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف pdf و word : أمانة العامل والصانع وجزاؤها

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف pdf و word : أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، بتاريخ 24 …

خطبة الجمعة بعنوان : أمانة العامل والصانع وإتقانهما ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 24 شوال 1445 هـ ، الموافق 3 مايو 2024م

خطبة الجمعة بعنوان : أمانة العامل والصانع وإتقانهما ، للدكتور خالد بدير

خطبة الجمعة بعنوان : أمانة العامل والصانع وإتقانهما ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 24 شوال …

خطبة الجمعة القادمة 3 مايو 2024 م بعنوان : أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 24 شوال 1445هـ ، الموافق 3 مايو 2024م

خطبة الجمعة القادمة 3 مايو : أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة القادمة 3 مايو 2024 م بعنوان : أمانة العامل والصانع …

خطبة الجمعة القادمة 3 مايو 2024م من الأرشيف : أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، بتاريخ 24 شوال 1445هـ – الموافق 3 مايو 2024م

خطبة الجمعة القادمة 3 مايو 2024م من الأرشيف : أمانة العامل والصانع وجزاؤها

خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة القادمة 3 مايو 2024م من الأرشيف : أمانة العامل والصانع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Translate »