أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022 : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022 : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 6 جمادي الآخرة  1444هـ ، الموافق 30 ديسمبر 2022م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022 ، للدكتور محروس حفظي : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022 ، للدكتور محروس حفظي : محاسبة النفس ماذا قدمت لدينها ودنياها ووطنها ، بصيغة word  أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022 م ، للدكتور محروس حفظي : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

عناصر خطبة الجمعة القادمة : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) أهميةُ الزمنِ في دينِنَا الحنيفِ.

(2) حديثُ القرآنِ الكريمِ عن الزمنِ في الدنيا والآخرةِ.

(3) الصحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَم والزمانُ.

(4) ما يُعِينُ الخلقُ على استغلالِ زمانِهِم .

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:

 خطبة بعنوان: «عنايةُ القرآنِ الكريمِ بالزمنِ وحديثُهُ عن الأيامِ والسنينِ» بتاريخ 6 جمادي الآخرة 1444 هـ = الموافق 30 ديسمبر 2022 م

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويٌكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022

(1) أهميةُ الزمنِ في دينِنَا الحنيفِ.

إنَّ الزمنَ هو رأسُ مالِ الإنسانِ في هذه الحياةِ، ومَن فرَّطَ فيهِ ولم يستغلّهُ على الوجهِ الأمثلِ يكونُ قد خسرَ خسرانًا كبيرًا، وحُرِمَ أجرًا عظيمًا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» (البخاري)، فالخاسرُ وقتهُ إنَّما هو مغبونٌ كالذي يبيعُ سلعتَهُ بأقلِّ مِمّا تستحقُ، أو يشتريهَا بأكثرَ مِمَّا تستحق، ولذا سيُسْألُ عَنْهُ الْعبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَة أيَّما سؤالٍ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:«لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ»(الترمذي)، والمتأملُ الآنَ يجدُ أنَّ الأيامَ تتسارعُ، والأزمنةَ تتلاحقُ مصداقًا لقولهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ الْخُوصَةُ» (أحمد)، وأنَّ كلَّ شيءٍ مِن حولِ الإنسانِ يذكرهُ بقيمةِ الزمنِ الذي يعيشُهُ، فطلوعُ الشمسِ وغروبُهَا، والقمرُ الذي قدّرَهُ اللهُ منازلَ، وحركةُ الكونِ بِمَا فيهِ، فكلُّ هذه الأشياءِ تذكرُ العبدَ بقيمةِ الزمنِ الذي هو رأسُ مالِهِ، فهل شعرنَا بذلك، وهل قدمنَا مِن الأعمالِ ما يؤهلُنَا للفوزِ برضوانِ اللهِ يومَ القيامةِ، وما بهِ تعمرُ الحياةُ، وما بهِ يخلدُ ذكرنَا، وللهِ درُّ القائلِ:

لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها … إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بَانِيْهَا

فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها … وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بَانِيْهَا

لقد اختلفَ البشرُ في استغالالِهِم لأزمانِهِم، فمنهُم مَن يضيعُ عُمرَهُ بحثًا عن شهوةٍ زائلةٍ فانيةٍ، ومنهم مَن يعمرُ وقتَهُ بالغيبةِ والنميمةِ والقيلِ والقالِ، وقليلٌ منهم مَن عرفَ قيمةَ وقتهِ، فحدّدَ هدفَهُ، وبذلَ جُهدَهُ لتحقيقِهِ، وعملَ على تحسينِ قدراتهِ ومهاراتهِ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوَقَّهُ» . (شعب الإيمان) .

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022

(2) حديثُ القرآنِ الكريمِ عن الزمنِ في الدنيا والآخرةِ.

لقد أولَى القرآنُ أهميةً عُظمَى في حديثهِ عن الزمنِ، فجاءَ القسمُ بهِ في أكثرَ مِن موضعٍ، والعظيمُ إذا أقسمَ بشيءٍ دلَّ على عظمتهِ، وضرورةِ العنايةِ بهِ، بل سمَّى اللهُ بعضَ السورِ ببعضِ الأزمنةِ؛ ليلفتَ الأنظارَ إلى ما تنطوِي عليهِ مِن حكمٍ وفوائدَ وأسرارٍ ك «سورةِ الجمعةِ» ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فتلك الآياتُ تحملُ معانِي جمةً منها: ضرورةُ التوازنِ بينَ عملِ الدنيا والآخرةِ بحيثُ لا يؤثرُ أحدهُمَا على الآخرِ، فيعود بالسلبِ على الفردِ والمجتمعِ، و«سورةِ الفجرِ» التي افتتحَهَا اللهُ بالقسمِ بوقتِ الفجرِ، وجاءَ الجوابُ لينبِّهَ الإنسانَ على أهميةِ هذا الوقتِ فقالَ تعالى: ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ﴾ أي لذِي عقلٍ سليمٍ ولبٍّ قويمٍ يدركُ معنى هذا القسمِ، ثُمَّ أردفَ اللهُ القسمَ بما يدعُو إلى التأملِ والتفكرِ في أحوالِ الأممِ السابقةِ ومَا حلَّ بها نتيجةَ إعراضِهَا وتكذيبِهَا لرسلِ اللهِ تعالى، ووقتُ الفجرِ وصلاتُهُ دعوةٌ للمسلمِ إلى النشاطِ والحيويةِ، وتركٌ للكسلِ والبطالةِ فعَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:«اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» (الترمذي وحسنه)، ثم تأتِي بعدَ «سورةِ الفجرِ» مِن حيثُ الترتيبِ المصحفِي السورُ التي سميتْ بأسماءَ ذاتِ دلالاتٍ زمنيةٍ «سورةُ الليلِ»، ثم تأتِي بعدَهَا «سورةُ الضحَى»، ثُمَّ «سورةُ القدرِ»، ثم تختمُ ب «سورةِ العصرِ» والتي أقسمَ اللهُ فيها على أنَّ الإنسانَ في خسرانٍ وبوارٍ إنْ لم يعمرْ وقتَهُ بالعملِ الصالحِ، وبِمَا يبنِي ولا يهدم، ويصلحُ ولا يُفسد، وبما يثمرُ وينتجُ قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ هذه ستُّ سورٍ مِن سورِ القرآنِ قد وردتْ بأسماءَ أوقاتِ أزمنةٍ: «الجمعةُ، الفجرُ، الليلُ، الضحَى، القدرُ، العصرُ»، وما هذا إلَّا أكبرُ دليلٍ وأعظمُ برهانٍ على أهميةِ الوقتِ في دينِنَا، وضرورةِ استغلالهِ الاستغلالَ النافعَ والأمثل، كما أنَّ القرآنَ يأمرُ رسولَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدوامِ العملِ، وعدمِ التباطؤِ حتى لا يُهدرَ الوقتُ، ويضيعَ العمرُ سُدَى قالَ تعالى:﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب﴾ .

لقد أكثرَ ربُّنَا – عزَّ وجلَّ- الحديثَ عن الزمنِ في كتابهِ العزيزِ؛ لأنَّه سيشهدُ على الإنسانِ بمَا اقترفَ فيهِ مِن أعمالٍ قالَ تعالَى: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ* إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ* لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، فالأيامُ والليالِي سيشهدانِ على العبدِ قالَ ربُّنَا: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾، وقد بيَّنَتْ السنةُ ذلك فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اليَوْمُ المَوْعُودُ يَوْمُ القِيَامَةِ، وَاليَوْمُ المَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَمَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهُ» (الترمذي وحسنه)، ولذا أمرَنَا رسولُنَا بالتبكيرِ يومَ الجمعةِ فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» (متفق عليه) .

ويلفتُ القرآنُ أنظارَنَا إلى أنَّ اللهَ قد خلقَ الكونَ في ستةِ أيامٍ فيقولُ:﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ﴾ وهو قادرٌ على أنْ يخلقَهَا في لمحةِ بصرٍ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾؛ ولعلَّ الحكمةَ مِن ذلك: ليعلمَ عبادَهٌ عدمَ العجلةِ وأنْ يتدبرُوا الأمورَ ويتعقلُوهَا، فربُّنَا سبحانَهُ القادرُ لم يعجلْ في خلقِ السماواتِ والأرضٍ وخلقِ آدم … إلخ، بل نظمَهَا ودبرَهَا على أحسنَ مثالٍ؛ كي يُلقِّنَ خلقَهُ “مقصدَ التريثِ في الأمورِ”، وأنْ يعملُوا أمورَهُم منظمةً متقنةً محكمةً دونَ إخلالٍ بِمَا ينبغِي فيها، وقد أشارَ اللهُ إلى هذا المعنَى في آياتٍ كُثرٍ فقالَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ فتنبّهْ وأعلمْ.

كمَا أكدَ القرآنُ أنَّ في الجنةِ زمانًا لكنْ لا يقاسُ بزمانِ الدنيا قال ابنُ عباسٍ: “لا يشبهُ شيءٌ مِمّا في الجنةِ ما في الدنيا إلّا الأسماء” (تفسير الطبري) فكذا زمنُ دارِ الفناءِ يختلفُ اختلافًا جذريًّا عن دارِ البقاءِ قالَ تعالى: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، فأهلُ الجنةِ لا يحتاجونَ إلى حسابِ الزمنِ كمَا يحتاجُهُ أهلُ الدنيا، واللهُ خلقَ الليلَ والنهارَ، وأوجدَ الحسابَ لتستقيمَ للناسِ عباداتُهُم ومعاملاتُهُم قالَ ربُّنَا: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ أمَّا في الجنةِ فلا يحتاجونَ إلى شيءٍ مِن ذلك قالَ ربُّنَا: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ قال ابنُ كثيرٍ:”أَيْ فِي مِثْلِ وَقْتِ البُكُرَاتِ وَوَقْتِ العَشِيَّاتِ لا أن هناك ليلًا ونهارًا، وَلَكِنَّهُمْ فِي أَوْقَاتٍ تَتَعَاقَبُ يَعْرِفُونَ مُضِيَّهَا بِأَضْوَاءٍ وَأَنْوَارٍ” أ.ه . (تفسير القرآن العظيم) .

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022

(3) الصحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَم والزمانُ.

لقد حرصَ الصحابةُ ومَن سَارَ على نهجِهِم على استغلالِ أوقاتِهِم، فمنهُم مَن اشتغلَ بالعلمِ والفتوَى وتفقهِ الناسٍ بأمورِ دينِهِم استجابةً لقولهِ: ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾، ومنهم مَن اشتغلَ بالقضاءِ والفصلِ بينَ الناسِ وقضاءِ مصالحِهِم، ومنهم مَن تفرغَ للعبادةِ، ومنهم مَن اشتغلَ بفتحِ البلدانِ… إلخ، وهكذا حاولُوا تنفيذَ الأوامرِ الإلهيةِ والوصايا النبويةِ التي رغبتْ في استعمالِ الوقتِ بما يفيدُهٌم، ويعودُ عليهم بخيرَيِ الدنيَا والآخرَةِ، ولذا أُثِرَ عنهم ما يدلُّ على ذلكَ يقُول ابْنُ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما:«إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ» (البخاري)، وقال ابْنُ مَسْعُودٍ رضي اللهُ عنه:«إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا، وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ»، ويقول أيضاً:«مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمِ غَرَبَتْ شَمْسُه نَقَصَ فِيهِ أَجْلِي، وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي» . (ابْن أَبِي شَيْبَة) .

العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022

(4) ما يُعِينُ الخلقُ على استغلالِ زمانِهِم .

لقد تنوعَتْ أسبابُ ضياعِ الأوقاتِ في حياةِ البشرِ خاصةً في هذا العصرِ الذي كثرَتْ فيه المُشْغِلاتُ، وطغَتْ فيهِ الماديَّاتُ، فتجدُ بعضَ الشبابِ ليسَ لديهِم هدفٌ واضحٌ أو تخطيطٌ مسبقٌ معدٌّ لأمورِ حياتِهِ، ومِن هُنَا تنشأُ العشوائيةُ واللامبالاةُ، والتسويفُ للأعمالِ، فيجدُ الإنسانُ نفسَه قد فاتَه قطارُ الزمنِ الذي لا تتوقفُ عجلتُهُ عن الحركةِ والسيرِ، وها أنا أُوجزُ في عُجالةٍ أهمَّ ما يُعينُ المرءُ على استثمارِ وقتهِ، والانتفاعِ بعمرهِ:

*محاسبةُ النفسِ وتذكرُ العرضِ على اللهِ: الإنسانُ مِنَّا يحتاجُ بصفةٍ دوريةٍ إلى محاسبةِ نفسهِ، ومراجعةِ حساباتهِ، وليعلمَ أنَّ كلَّ نَفَسٍ مِن أنفاسِ حياتهِ جوهرةٌ نفيسةٌ يمكنُ أنْ يشترِي بها نجاتَهُ في الآخرةِ، فالذي ضيّعَ مرحلةً معينةً مِن شبابهِ فِيمَا لا طائلَ منهُ عليه أنْ يستدركَ ما بقيَ مِن زمانهِ قبلَ أنْ يطويَهُ الموتُ، فيندمَ على ما فرّطَ في حقِّ اللهِ، وحقِّ نفسهِ وأهلهِ، «ولاتَ ساعةَ مندمِ»، وبقيَ وقتُ العرضِ والحسابِ، وليتفكرْ حين يقفُ الإنسانُ أمامَ ربِّه فيسألهُ عن عمرِهِ، كيف قضَاهُ؟ وفيمَ استغلَّهُ؟ وبأيِّ شيءٍ ملأَهُ ؟ 

*تنظيمُ الوقتِ والتخطيطُ الجيدُ: الواقعُ يؤيدُ أنَّ الشخصَ عندمَا ينظمُ وقتَهُ، ويحددُ هدفَهُ، ويرتبُ أولوياتِهِ، ويخططُ لأعمالهِ يكونُ أكثرَ إنجازًا مِن غيرِهِ، وأقربَ إلى توفيقِ ربِّه؛ لأنَّه أخذَ بالأسبابِ، وتوكلَ على مسببِ الأسبابِ، والصحابةُ قد حرصُوا على إِعْطَاءِ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ لِمَا أَصْلُهُ التَّأْخِير، وَلَا تَأْخِيرٌ لِمَا أَصْلُهُ التَّقْدِيم، فحصلّوا الأعمالَ الصالحات، وفازُوا بعلوِّ الدرجات يقولُ الصِّدِّيقُ: «يَا عُمَرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ للهِ عَمَلًا بِالنَّهَارِ لَا يقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَأَنَّ للهِ عَمَلًا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ»، وعندما تقرأُ التاريخَ تجد ما هُو إلا سِيرَ رِجَالٍ عُظمَاءَ وعلماءَ أفذاذٍ منهم مَن عاشَ وقتًا قصيرًا، لكنَّهُ خلَّفَ خلفَهُ ثروةً هائلةً مِن العلومِ ما زالنَا نستقِي منها إلى يومِنَا هذا، وَكَانَ الْحَسَن الْبَصْرِي يَقُولُ:«أَدْرَكْتُ أَقْوامًا كَانُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ أَشَدَّ حِرْصًا مِنْكُمْ عَلَى دَرَاهِمِكُمْ وَدَنَانِيرِكُمْ»، فالبركةُ في العمرِ بحسنِ العملِ فيهِ، وليس بطولهِ فعن نُفَيْعِ بْنِ الحَارِثِ قال: «أنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيُّ الناسِ خيرٌ؟ قال مَن طالَ عمُرهُ وحسُنَ عملُهُ، قال: فأيُّ الناسِ شرٌّ؟ قال: مَن طالَ عمُرهُ وساءَ عملُهُ» (الترمذي وحسنه) .

تابع / خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022

*تعميرُ وقتِ الفراغِ: إنَّ وقتَ الفراغِ نعمةٌ يستوجبُ مِن العبدِ استغلالهَا وسدهَا بمَا ينفعُهُ، فالإنسانُ لا يعرفُ بقيمتِهَا إلّا عندَما تُسلبُ منه، ولذا يجبُ عليهِ ألَّا يدعَ وقتَ فراغهِ يمرُّ دونَ تزويدِ رصيدهِ مِن الأعمالِ الصالحةِ، فالنفسُ إذا لم تُشغلْ بالطاعةِ شُغلتْ بالمعصيةِ وما أصدقَ قولُ الشافعيِّ: «وإذا لم تشغلْ نفسَكَ بالحقِّ شغلتْكَ بالباطلِ»، وقد وجهَنَا دينُنَا إلى كيفيةِ ملءِ وقتِ الفراغِ، فعن أبِي هريرةَ قال: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَن سرَّهُ أن يُبسطَ لَه في رزقِهِ، وأن يُنسَأَ لَه في أثرِهِ ، فليَصِلْ رَحِمَهُ» (البخاري) إلى جانبِ المحافظةِ على قراءةِ القرآنِ والأذكارِ الواردةِ عن النبيِّ المختارِ حيثُ لا تكلفُ المسلمَ مالًا ولا جهدًا، وعليه أيضًا أنْ ينوعَ في الأعمالِ التي يباشرُهَا؛ إذ النفسٌ بطبيعتِهَا سريعةُ المللِ، وتنفرُ مِن الشيءِ المكررِ، وهذا منهجٌ نبويٌّ وأسلوبٌ تربويٌّ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا» (البخاري)، وقد حثَّنَا دينُنَا على حسنِ استغلالِ وقتِنَا قبلَ فواتِ الأوانِ فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» (الْحَاكِم وصححه) .

* الصحبةُ الصالحةُ، والإطلاعُ على مسيرةِ العظماءِ: إنَّ مرافقةَ الصالحين، والجلوسَ بقربِ المتقين ينعكسُ إيجابًا على حالِ المقربين منهم، والعكسُ بالعكسِ، وقد جاءتْ الأحاديثُ تأمرُ بتخيرِ الصحبةِ، وانتقاءِ الصديقِ لِمِا لهُ مِن أثرٍ فعّالٍ في مداوةِ كثيرٍ مِن الأمراضِ السلوكيةِ، كما يجبُ على المرءِ منَّا كُلّمَا فترتْ عزيمتُهُ، وقلتْ همتُهُ أنْ ينظرَ في حياةِ العظماءِ وكيف كانوا يديرون أوقاتَهُم بحرفيةٍ ومهارةٍ، ومَن علتْ همتُهُ لم يقنعْ بالدونِ، وعلى قدرِ أهلِ العزمِ تأتِي العزائمُ، فهم خيرُ مَن أدركَ قيمةَ الوقتِ، وأهميةَ العمرِ.

نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيه نفعُ البلادِ والعبادِ .

كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال     

عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر

 

انتهت خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »