خطبة الجمعة بعنوان : اليقينُ ، للدكتور خالد بدير
بتاريخ 4 ربيع الثاني 1447 هـ ، الموافق 26 سبتمبر 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : اليقينُ ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 4 ربيع الثاني 1447 هـ ، الموافق 26 سبتمبر 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : اليقينُ :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : اليقينُ ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : اليقينُ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : اليقينُ : كما يلي:
أولًا: مَنْزِلَةُ اليَقِينِ وَدَرَجَاتُهُ.
ثانيًا: صورُ اليقينِ في حياةِ الأنبياءِ والصالحينَ.
ثالثًا: وسائلُ اكتسابِ اليقينِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : اليقينُ : كما يلي:
ٱلْيَقِينُ
بتاريخ: 4 ربيع الثاني 1447هـ – 26 سبتمبر 2025م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أَوَّلًا: مَنْزِلَةُ اليَقِينِ وَدَرَجَاتُهُ.
لِليقينِ منزلةٌ كبيرةٌ في الإسلامِ، بل هو شعبةٌ عظيمةٌ من شعبِ الإيمانِ، وصفةٌ من صفاتِ أهلِ التقوى والإحسانِ، واليقينُ هو العلمُ التامُّ الذي ليس فيه أدنى شكٍّ، الموجبُ للعملِ. واليقينُ به صلاحُ العبادِ والبلادِ، يقولُ الإمامُ ابنُ القيمِ رحمه الله: ” لا يتم صلاحُ العبدِ في الدارينِ إلا باليقينِ والعافيةِ، فاليقينُ يدفعُ عنه عقوباتِ الآخرةِ، والعافيةُ تدفعُ عنه أمراضَ الدنيا من قلبِه وبدنِه “. (زادُ المعادِ). وقالَ أبو بكرٍ الورّاقُ – رحمه الله -: ” اليقينُ مِلاكُ القلبِ، وبه كمالُ الإيمانِ، وباليقينِ عُرِفَ اللهُ، وبالعقلِ عُقِلَ عن اللهِ”. (مدارجُ السالكينِ). لذلك أمرَنا الرسولُ ﷺ أن ندعوَ اللهَ باليقينِ والمعافاةِ فقالَ ﷺ: ” سَلُوا اللَّهَ الْمُعَافَاةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْمُعَافَاةِ”. (ابنُ ماجةَ بسندٍ صحيحٍ).
واليقينُ درجاتٌ ثلاثةٌ: درجةُ علمِ اليقينِ؛ ودرجةُ عينِ اليقينِ؛ ودرجةُ حقِّ اليقينِ. فالأولى: علمُ اليقينِ؛ أي أنَّ اللهَ أعلمَنا عن طريقِ الوحيِ بالموتِ والبعثِ والحسابِ والجنَّةِ والنارِ وغيرِ ذلكَ. والثانيةُ درجةُ العينِ: وهي أن ترى ذلكَ أمامَكَ بالعينِ المجرَّدةِ. والثالثةُ: درجةُ الحقِّ؛ وهي أن تُجرِّبَ ذلكَ بنفسِكَ. والدَّرجاتُ الثلاثُ قد وردتْ في القرآنِ الكريمِ؛ فدرجةُ علمِ اليقينِ وردتْ في قولِه تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} (التكاثر: 5)؛ ودرجةُ الرؤيةِ (عينُ اليقينِ) وردتْ في قولِه تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} (التكاثر: 6؛ 7)؛ ودرجةُ حقِّ اليقينِ وردتْ في قولِه تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}. (الحاقة: 51). أي أنَّ الموتَ حقٌّ وكلٌّ سيجرِّبُهُ؛ وكأسٌ وكلُّ الناسِ شارِبُهُ.
ولو ضربْنا مثالًا توضيحيًّا من أرضِ الواقعِ؛ وقالَ أحدُهم لكَ: إنَّ فاكهةَ العنبِ نزلتْ في السوقِ؛ فهذه هي الدرجةُ الأولى وهو حصولُ العلمِ بذلكَ؛ فلو ذهبْتَ إلى السوقِ ورأيتَ العنبَ؛ فقد انتقلتَ إلى الدرجةِ الثانيةِ وهي درجةُ العينِ والرؤيةِ والمشاهدةِ؛ ولو اشتريتَهُ وأكلتَ قِطفًا من العنبِ فقد وصلتَ إلى الدرجةِ العليا وهي درجةُ الحقِّ واليقينِ بذلكَ؛ وكلَّما ارتقيتَ من درجةٍ إلى أخرى ازدادَ يقينُكَ بالأمرِ؛ فليس الخبرُ كالمعاينةِ؛ وليستِ المعاينةُ كالتجربةِ!!
ولهذا طلبَ خليلُ الرحمنِ إبراهيمُ عليهِ السلامُ من ربِّهِ رؤيةَ ذلك أمامَهُ ليزدادَ اطمئنانُ قلبِهِ بالإيمانِ؛ قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة: 260). قال ابنُ كثيرٍ: “أحبَّ أن يترقَّى من علمِ اليقينِ في ذلكَ إلى عينِ اليقينِ، وأن يرى ذلكَ مشاهدةً فقال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}”.
وقولُهُ: {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} أي: قطِّعْهُنَّ. وعن ابنِ عباسٍ: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} أوثقْهُنَّ، فلمَّا أوثقَهُنَّ ذبحَهُنَّ، ثمَّ جعلَ على كلِّ جبلٍ منهنَّ جزءًا، فذكروا أنَّه عمدَ إلى أربعةٍ من الطيرِ فذبحَهُنَّ، ثمَّ قطعَهُنَّ ونتفَ ريشَهُنَّ، ومزَّقَهُنَّ وخلطَ بعضَهُنَّ ببعضٍ، ثمَّ جزَّأهُنَّ أجزاءً، وجعلَ على كلِّ جبلٍ منهنَّ جزءًا، وأخذَ رؤوسَهُنَّ بيدِهِ، ثمَّ أمرَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ أن يدعُوَهُنَّ، فدعاهُنَّ كما أمرَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، فجعلَ ينظرُ إلى الريشِ يطيرُ إلى الريشِ، والدمِ إلى الدمِ، واللحمِ إلى اللحمِ، والأجزاءِ من كلِّ طائرٍ يتَّصلُ بعضُها إلى بعضٍ، حتَّى قامَ كلُّ طائرٍ على حدَتِهِ، وأتينَهُ يمشينَ سعيًا بدونِ رأسٍ ليكونَ أبلغَ لهُ في الرؤيةِ التي سألَها، وجعلَ كلُّ طائرٍ يجيءُ ليأخذَ رأسَهُ الذي في يدِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، فإذا قدَّمَ لهُ غيرَ رأسِهِ أباهُ، فإذا قدَّمَ إليهِ رأسَهُ تركَّبَ مع بقيَّةِ جثَّتِهِ بحولِ اللهِ وقوَّتِهِ؛ ولهذا قال: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.” (تفسيرُ ابنِ كثيرٍ). فإبراهيمُ عليهِ وعلى نبيِّنا الصلاةُ والسلامُ؛ يعلمُ يقينًا أنَّ اللهَ يحيي الموتى؛ ولكنَّهُ أحبَّ أن يترقَّى إلى درجةِ العينِ والمشاهدةِ ليطمئنَّ قلبُهُ بالإيمانِ؛ ولكنَّ اللهَ الكريمَ قالَ: يا إبراهيمُ طلبتَ منَّا الدرجةَ الثانيةَ وهي درجةُ العينِ والمشاهدةِ؛ ونحنُ أعطيناكَ الدرجةَ الثالثةَ والأخيرةَ وهي درجةُ الحقِّ والتجربةِ!!
قال الإمام القرطبيُّ ما مُلخَّصُهُ: “لم يكن إبراهيمُ شاكًّا في إحياءِ اللهِ الموتى قطُّ وإنَّما طلبَ المعاينةَ، وذلكَ أنَّ النفوسَ مُستشرِفَةٌ إلى رؤيةِ ما أُخبِرَتْ بهِ، ولهذا جاءَ في الحديثِ: «ليس الخبرُ كالمعاينةِ»” (تفسيرُ القرطبيِّ).
وإذا كان الخليل إبراهيم عليه السلام يسعى جاهدًا في الوصولِ إلى الدرجةِ العُليا من درجاتِ اليقين واطمئنانِ القلبِ!! فحريٌّ بنا نحنُ المسلمينَ أن نجتهدَ في كلِّ السُّبلِ والطُّرقِ التي ترفعُنا إلى الدرجةِ العُليا من درجاتِ اليقين؛ ليزدادَ يقينُنا باللهِ؛ وهذا ماثلٌ في الامتثالِ لأوامرِ اللهِ عزَّ وجلَّ واجتنابِ نواهيهِ!!
ثانيًا: صورُ اليقينِ في حياةِ الأنبياءِ والصالحينَ.
لقد تحلَّى الأنبياءُ عليهم الصلاةُ والسلامُ، وكذلك الصالحونَ بصفةِ اليقينِ في حياتِهم كلِّها:
فهذا موسى عليه السّلامُ حينما أدركَهُ فرعونُ وجنودُهُ والبحرُ أمامَهُ، قال أصحابُهُ: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}. [الشعراء: 61]، البحرُ أمامَنا والعدوُّ خلفَنا، ونحن ميتونَ لا محالةَ! فقال موسى بلسانِ اليقينِ: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]. فكأنّما ردَّ الطمأنينةَ إلى قلوبِ أتباعِه، فشقَّ اللهُ له البحرَ، وجعلَهُ نصرًا مبينًا.
وكذلك في الغارِ حينما أحاطَ المشركونَ برسولِ الله ﷺ وصاحبِه أبي بكرٍ رضي اللهُ عنهُ، خافَ الصّدّيقُ، فقال له النّبيُّ ﷺ بلسانِ اليقينِ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» [التوبة: 40]، فسكَنَ قلبُهُ، وكان ذلك مشهدًا خالدًا في تاريخِ اليقينِ.
ومن صورِ هذا اليقينِ ما فعلهُ سعدُ بنُ أبي وقّاصٍ رضي اللهُ عنهُ يومَ القادسيّةِ، حينَ قطعَ الفُرسُ الجسرَ وحازوا السُّفنَ، فلم يجدِ المسلمونَ طريقًا إلّا اقتحامَ نهرِ دِجلةَ، فقال سعدٌ: «حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، واللهُ لينصرنَّ اللهُ وليَّهُ» ثمّ عبروا النّهرَ بخيلِهم ورجالِهم، فما غرقَ منهم أحدٌ، وكانت كرامةً لأهلِ اليقينِ، فجعلوا يمشونَ على الماءِ كأنهم يمشونَ على الأرضِ! حتى أن الفرسَ عندما رأوا هذا الموقفَ قالوا: ديوانا ديوانا أي: مجانينَ مجانينَ. وعندما رأوهم لا يغرقونَ قالوا بالفارسيةِ: واللهِ إنكم لا تقاتلونَ إنسًا بل تقاتلونَ جنا!!! [تاريخ الطبري].
ومن أخبارِ أهلِ اليقينِ كذلك ما كانَ من خالدِ بنِ الوليدِ رضي اللهُ عنهُ، حينَ قيلَ له في معركةٍ: احذرِ السُّمَّ أن يسقوكَ إيّاهُ، فقال: «ائتوني به» فجِيءَ له بإناءٍ فشربَهُ كلَّهُ وهو يقول: بسمِ اللهِ، فما ضرَّهُ شيءٌ، فذهب الرجلُ بسرعةٍ إلى قومِه يقول لهم: يا قومُ لقد أتيتُكم من عندَ رجلٍ أخشى أن تضعوا السيوفَ فيه ولا يموتَ! قالَ الذهبيُّ: «هذه واللهِ الكرامةُ وهذه الشّجاعةُ» [سير أعلام النبلاء].
وقد رُوِيَ عن العالِمِ الزّاهدِ حيوةَ بنِ شُريحٍ رحمهُ اللهُ أنَّهُ كان يأخُذُ عطاؤهُ من بيتِ المالِ ستّينَ دينارًا، فلا يفارقُ مكانَ العطاءِ حتّى يتصدّقَ بها كلِّها، ثمّ يرجعُ إلى بيتِه فيجدُ مثلَها تحتَ فراشِه، لأنَّهُ أعطى يقينًا لا تجربةً. [سير أعلام النبلاء].
وهذا تصديقُ قولِه تعالى: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. (سبأ: 39).
وهذا حاتمُ الأصمِّ رحمهُ اللهُ، وكان شيخًا كبيرًا له بناتٌ لم يستطعْ تركَهنَّ والذهابَ إلى الحجِّ، فأشارتْ عليه ابنتُهُ الكبرى – بحالِ اليقينِ في اللهِ – أن يحجَّ ويوكِّلَ أمرَهم إلى اللهِ، فهو لن يضيِّعَهم، فأخذَ بنصيحتِها وذهبَ، فلما أمسى المساءُ أمسى إخوتُها يتضاغَونَ عندَ رجلِها من الجوعِ، فتوسلتْ إلى اللهِ ألا يفضحَها، فإذا بملكٍ يمرُّ ببيتِهم وقد بلغَ العطشُ منه مبلغًا عظيمًا، فطلبَ الجنودُ له ماءً فشربَ، ثم نظرَ إلى بيتِهم وعرفَ ما بهم من فقرٍ وحاجةٍ، فأعطاهم سترةً من المالِ، فقالتِ البنتُ المؤمنةُ: هذا عبدٌ نظرَ إلينا فاغتنينا، فكيفَ بنظرِ الرحمنِ الرحيمِ إلينا؟!
ولذلك بلغَ عبدُ اللهِ بنُ جعفرٍ مبلغًا عاليًا في الجودِ، وعُوتبَ في ذلك فقالُوا له: لو ادخرتَ مالَكَ لولدِكَ بعدَكَ فقال يقينا : “إنَّ اللهَ عوّدَنِي عادةً وعودتُ عبادَهُ عادةً: عوّدَنِي أنْ يعطينِي، وعودتّ عبادَهُ أنْ أعطيَهُم، وأخشَى إذا قطعتُ عادتِي عنهم أنْ يقطعَ عادَتَهُ عنّي!. فهو لم يتوقعْ الفقرَ والخوفَ مِن المستقبلِ، وإنّما عندَهُ أملٌ ويقينٌ وتفاؤلٌ بالغدِ المشرقِ، وهكذا يجبُ أنْ نتحلى باليقين في جميعِ مجالاتِ حياتِنَا .
ثالثًا: وسائلُ اكتسابِ اليقينِ.
هناك عدةُ وسائلَ لاكتسابِ اليقينِ وتثبيتِه في قلبِ العبدِ، من هذه الوسائلِ:
تدبرُ آياتِ القرآنِ الكريمِ: قال تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. [الجاثية: 20]، وقال تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. [البقرة: 118]، ووصفَ اللهُ تعالى عبادَه المتقينَ فقال: {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فهذه الآياتُ تدلُّ على أنَّ التدبرَ في آياتِ اللهِ، يورثُ اليقينَ في قلبِ المؤمنِ ويزيدُ إيمانَه باللهِ تعالى.
ومنها: التفكرُ في الآياتِ الكونيةِ: قال اللهُ تعالى عن خليلهِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}. [الأنعام: 75]. قال البقاعيُّ: “فكأنَّه يقول لعبادِه المتقينَ: تعالوا فانهجوا طريقَ الاعتبارِ ملةَ أبيكم إبراهيمَ، كيف نظرَ عليهِ السلامُ نظرَ السامعِ المتيقظِ”. وقال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} (الذاريات: 20). “أي: من الجبالِ والأنهارِ والأشجارِ والبحارِ والإنسانِ والحيوانِ، دلالاتٌ على قدرةِ اللهِ مقتضيةٌ للبعثِ والموجبةِ للتوحيدِ للموقنينَ، أما غيرُ المؤمنينَ فلا يرون شيئًا”. (أيسر التفاسير للجزائري).
ومنها: قراءةُ قصصِ الأنبياءِ: لأنَّ قراءةَ قصصِ الأنبياءِ تُثبتُ اليقينَ في القلوبِ، وتغرسُه في النفوسِ؛ قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]، فإذا كانت قصصُ الأنبياءِ فيها تثبيتٌ لقلبِ المصطفى ﷺ، فما بالُنا نحن مع ضعفِ إيمانِنا وقلةِ يقينِنا!
ومنها: عدمُ سماعِ المتشككينَ والجلوسِ إليهم: فقد كثُر في زمانِنا الإلحادُ والتشكيكُ في وجودِ اللهِ عز وجل، وأصبحَ له دعاةٌ يروجون له، ومواقعُ على الإنترنتِ تدعو إليه، وأصبح هناك منتدياتٌ يجتمع فيها الملحدون؛ لكي يشيعوا باطلَهم، وينشروه فيما بينهم، وهنا لا بدَّ لكلِّ مؤمنٍ يريد الحفاظَ على سلامةِ قلبِه، وطمأنينةِ نفسِه أن يمتنعَ عن السماعِ لهم، والجلوسِ إليهم، أو الدخولِ على مواقعِهم؛ حتى لا تعلَقَ الشبهاتُ بقلبِه، وتتوطنَ الشكوكُ بعقلِه، ويظلَّ يسترسلُ في مجالستِهم، حتى تتراكمَ عليه هذه الشبهاتُ، وتتكاثرَ في قلبِه هذه الشكوكُ، ويفقدَ يقينَه، ويضيعَ منه إيمانُه، لذلك حذَّرنا اللهُ عز وجل من مجالسةِ أمثالِ هؤلاء، فقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140].
ومنها: الدعاءُ: أن يرزقَك اللهُ اليقينَ، كما كان يدعو ﷺ: “اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا الْيَوْمَ مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ رَحْمَتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ عَلَيْنَا بِهِ مَصَائِبَ الدُّنْيَا”. (الترمذي بسند حسن).
ومنها: الصبرُ والثباتُ عندَ المصائبِ والابتلاءاتِ: فالإنسانُ تواجهُه مصائبُ وابتلاءاتٌ في حياتِه، ولابدَّ أن يكونَ عندَه يقينٌ فيصبرَ عندَ الضرَّاءِ، ويشكرَ عندَ الرخاءِ، وهذا من صفاتِ المؤمنِ صاحبِ اليقينِ الصادقِ.
فعن صهيبٍ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». (مسلم).
وهكذا يجبُ أن يتحلَّى العبدُ باليقينِ والإيمانِ والصبرِ والثباتِ، حتى لا يقعَ في براثنِ الشركِ والمعاصي والإلحادِ.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنا إيمانًا كاملاً، ويقينًا صادقًا ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ .
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف