خطبة الجمعة بعنوان : مكارم الأخلاق وأثرها في بناء الحضارات ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة 26 فبراير 2021م بعنوان : مكارم الأخلاق وأثرها في بناء الحضارات ، للشيخ كمال المهدي، بتاريخ 14 رجب 1442هـ ، الموافق 26 فبراير 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 26 فبراير 2021م بعنوان : مكارم الأخلاق وأثرها في بناء الحضارات ، للشيخ كمال المهدي:
١- الفرق بين الأخلاق قديما وحديثا.
٢-شرعت العبادات لتتميم مكارم الاخلاق .
٣- عناية الإسلام بالأخلاق .
٤- دعوة الأخلاق الدعوة الصامتة.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 26 فبراير 2021م كما يلي:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد :-
أحبتي في الله :-
إن الناظر في حالنا اليوم يجد أموراً تدمع له العيون وتحزن له القلوب فبالمقارنة إلى ما كنا عليه قبل ذلك نجد فرقاً شاسعاً وبوناً واسعاً فقد كان الصغير يحترم الكبير كان الجار يحترم جاره والطالب يحترم معلمه ويقدره كنا نجد تعاونا بين الناس ومحبة كنا نجد من معه شيء يعطي جاره ويقاسمه كانت نسائنا وبناتنا يستحين ولا تستطيع الواحدة منهن أن تخرج أمام الرجال ولا تخرج متبرجة إلى غير ذلك من الأخلاق والقيم.
ولكن انظر إلى حال المجتمعات اليوم الصغير لا يحترم الكبير الطالب لا يقدر معلمه انتشر الحقد والحسد والبغضاء والكراهية والشحناء سرقات وسفك للدماء لأتفه الأسباب. فما الذي جَرَى لنا وما الذي غَيَّرَ حالنا.
* إنني أعتقد أننا نعيش في جاهلية (( ولِمَا لا)) !!!
ألم نقرأ قول الله تعالى (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[ سورة الأحزاب: الآية ٣٣]
فكأن منطوق هذه الآية، يشير إلى أن هناك جاهلية ثانية، أمرّ وأدهى، وهي التي نعيشها اليوم.
يؤكد هذا القول، جوابُ الصحابي الجليل، جعفر بن أبي طالب يوم كان في الحبشة، والنجاشي يسأله عن حقيقة هذا الدين، قال له(أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقة وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء.. )
ماذا تظنون؟ وماذا تجدون في مضمون هذه الإجابة ؟
أليس كل هذا الذي قاله سيدنا جعفر من مكارم الأخلاق..
أحبتي في الله : نعم نحن في جاهلية بل جاهلية أشد فالجاهلية الأولى كانت فيها بعض من الأخلاق الحميدة مثل الكرم، وإقراء الضيف، ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، إلا أن الإسلام قوّم تلك الأخلاق وهذبها، وربطها بمعاني اليوم الآخر، ورتب على فاعلها الأجر والثواب، ومن تلك الأخلاق التواضع، والصبر، وإعانة الجار، ونصرة المظلوم.
** فأنت أخي الحبيب يا من ساءت أخلاقك قل لي بربك وصارحني بلا خجل لأيةِ أمةٍ تنسبْ ؟
*إن انتسبتَ إلى ما قبل الإسلام كانت الشهامة والشجاعة والكرم. ألم تقرأ للشاعر الجاهلي وهو يقول:
وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي *
حَتّى يُواري جارَتي مَأواها..
*وإذا انتسبت إلى الإسلام فهو قمة المناهج التي جاءت من عند الله،
*وإذا انتسبت إلى الحضارة الغربية ففيها نظام، وفيها عمل دؤوب، وفيها إنتاج ـ
فصارحني بلا خجل لأية أمة تنسب ؟
فلستَ لنا، ولا منا، ولستَ لعالم الإنسان منسوباً…
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
أحبتي في الله :-إن الإسلام ليس مجرد كلام وإنما هو تطبيق وعمل.
وما شُرعت العبادات إلا لتتميم مكارم الأخلاق ألم تستمع إلى حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه المحدث الجليل أبو هريرة رضي الله عنه وهو يقول :(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وهو الذي قال له ربه (وإنك لعلى خلق عظيم)[القلم:٤] .
وأتى بحرف الجر “على” الذي يفيد الاستعلاء، وكأنّ الحبيبَ قد تربع على عرش الخلق الحسن.
انظر إلى العبادات التي شرعها الله جل وعلا تجد أن الهدف منها هو غرس مكارم الأخلاق.
& فالصلاة مثلا: قال تعالى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت: ٤٥]. وإنه لمن المؤسف أنك ترى إنساناً بغاية الانضباط في المسجد بصلاته وركوعه وسجوده، وهو إنسانٌ آخر في عمله ومعاملته مع الناس!
ولسانُ حالِهِ عندما يُشارُ إليه بالبنان: هل هذا نفسه فلان؟
كم نعاني من هذا النموذج المشوه! يُغري الناسَ بعبادته ويَفتنهم بسوء خلقه.
ألم يقل حبيبنا صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)،قالوا: من يا رسول الله؟ قال: (من لا يأمن جارُهُ بوائقَهُ).
وذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأةٌ تُذكَرُ بكثرة صلاتها وصيامها وزكاتها، غير أنها تؤذي جيرانها فقال: (هي في النار).
وبالمقابل ذُكِرَ له فلانةٌ قليلة الصيام والصلاة والزكاة، ولكنها لا تؤذي جيرانها فقال:(هي في الجنة).
ولذلك قال سيدنا عمر رضي الله عنه، قال لواحد من الناس: أتعرف فلاناً ؟ قال: أعرفه، فسأله: هل سافرتَ معه ؟ قال: لا، قال له: هل جاورته ؟ قال: لا، قال له: هل حاككته بالدرهم والدينار؟ قال: لا، قال: أنت لا تعرفه !
وتأمل قول الله جل وعلا: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا). أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا تعني تركها، ولكن تعني تفريغها من مضمونها، فليس كل مصلٍّ يصلي.
& والزكاة قال تعالى في شأنها (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[التوبة: ١٠٣].
فمع أن حقيقة الزكاة إحسان للناس، ومواساتهم، فهي كذلك تهذب النفس، وتزكيها من الأخلاق السيئة كالبخل وحب النفس وعدم الرحمة وغير ذلك.
& الصيام: قال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: ١٨٣]
فالمقصد هو تقوى الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري
فمن لم يؤثر صيامه في نفسه وأخلاقِه مع الناس لم يحقق هدف الصوم.
*والحج : قال تعالى في شأنه (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) فدعوة الحج دعوة أخلاق.
فما فائدة أن تجد المسلم محافظًا على بعض شعائر الإسلام من صلاة وصوم وزكاة، ولكنك تجده في جانب الأخلاق من صدق، ومعاملة وسلوك يخالف تعاليم الدين، ويكاد يخلو رصيده من ذلك، فيطلق لسانه في الغيبة والنميمة، وإيقاع الفتنة بين المتحابين، تجده كذاباً، لعاناً، لا يكاد يسلم من لسانه ويده وبصره أحد من الناس، ولذا جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ” قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: “إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ”. أخرجه أحمد)،
*كذلك من المؤسف أنك تجد بعض الناس ربما حسن خلقه مع أصدقائه مع زملائه في العمل أو مع رؤسائه و إذا نظرت إلى تعامله مع زوجته مع أبنائه و بناته أو ربما مع أمه و أبيه أيضا لوجدته لا يحسن خلقه و لا يتحمل الأذى و لا يرفق و لا يحلم و يكظم غيظه كما يفعل إذا خالط أصدقائه أو زملائه.
و هو يسمع قول سيدنا رسول الله عليه الصلاة و السلام و هو يقول…. خيركم خيركم لأهله..فأولى الناس بحسن الخلق هم أهلك الذين تعيش معهم.
فالإسلامُ أولى عنايةً بالأخلاق واهتماماً بالسلوك المنضبط لمعالجة الانفصال الشديد بين الأخلاق والعبادات.
*أحبتي في الله: -إن الأخلاق جزء وثيق من الإيمان والاعتقاد: فإتمام الأخلاق وصلاحها من أهم مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا. ولما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ قَالَ:( أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا).
والخُلُق هو الإيمان، فقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى: الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان..
** كما أن الخُلق الحسن سبيل لدخول الجنة فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ « تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ ». (رواه الترمذي).
** والجنة درجات ومنازل فأي درجة تريد وأي منزلة تبغي؟
لو سألنا هذا السؤال في شئون الدنيا ستجيب أريد أعلى المناصب والدرجات مع أنها فانية فما بالك بالجنة الباقية فأي درجة تريد وأي منزلة ترجوا. لابد أنك ترجوا أعلى الجنان وأعلى الجنان تُنَال بالأخلاق الحسنة فحسن الخلق منزلته في أعلى الجنة بضمان الرسول صلى الله عليه وسلم وتأكيده: فعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ)ومعنى زعيم :أي ضامن.
*بل والأفضل من ذلك حينما يكون جارك وجليسك في الجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك بسبب أخلاقك الحسنة
فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُم أَخْلاقًا).
**أخي الحبيب :- يقول جل وعلا (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
فادع إلى الله بأخلاقك قبل كلامك ليكون لدعوتك صدى وتأثير وهذه هي الدعوة الصامتة التي لا تحتاج إلى فصاحة ولا إلى طلاقة وهي والله أبلغ ألف مرة من الدعوة الناطقة، فإنك لن تستطيع أن تقنع الناس بعظمة هذا الدين بعباداتك، هذه عباداتك بينك وبين الله، والناس لا يتأثرون بها، لكنك تستطيع أن تشدَّ الناس إليك، وأن تجعلهم يتطلعون إلى هذا الدين العظيم من معاملاتك، من صبرك، من حكمتك، من أمانتك، من عفتك، من صدقك، من إتقان عملك، من عفوك، من حلمك، فلن تستطيع أن تنطق بكلمة تؤثر بها فيمن حولك إلا بخلق عظيم.
وفي الختام :- أقول علينا معاشر المسلمين أن نعكس صورة الإسلام الناصعة من خلال تعاملنا، وأخلاقنا وسيرتنا بين الناس، وأن ندعوا بأخلاقنا وسلوكنا قبل كلامنا وقولنا وحديثنا، لأن الناس مجبولة على التأثر بالفعل والعمل أكثر من القول والحديث وأن لم يتغير سلوكنا وحالنا فلن يتأثر بنا أحد ولو زخرفنا القول، وأبدعنا في الكلام.
** أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
***
كتبه:- الشيخ/ كمال السيد محمود محمد المهدي.
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف