خطبة الجمعة بعنوان : هَلّا شَقَقْتَ عَن قَلْبِهِ ، للدكتور خالد بدير
بتاريخ 23 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 14 نوفمبر 2025م
خطبة الجمعة بعنوان : هَلّا شَقَقْتَ عَن قَلْبِهِ ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 23 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 14 نوفمبر 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 14 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : هَلّا شَقَقْتَ عَن قَلْبِهِ:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : هَلّا شَقَقْتَ عَن قَلْبِهِ ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : هَلّا شَقَقْتَ عَن قَلْبِهِ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 14 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : هَلّا شَقَقْتَ عَن قَلْبِهِ : كما يلي:
أوَّلًا: لَنَا الظَّاهِرُ… وَاللهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ.
ثانيًا: الحُكْمُ على ما في القلوبِ تَشَدُّدٌ في الدِّينِ.
ثالثًا: حَقُّ الحَياةِ والكَرامةِ لِلإِنسَانِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 14 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : هَلّا شَقَقْتَ عَن قَلْبِهِ: كما يلي:
خُطبةٌ بعنوانُ: هلّا شققتَ عن قلبه.
23 جمادى الأولى 1447هـ – 14 نوفمبر 2025م
المـــوضــــــــــوعُ
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أوَّلًا: لَنَا الظَّاهِرُ… وَاللهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ
ا لِلإِنسانِ لَهُ ظاهرٌ وباطنٌ، ونَحنُ نَتعامَلُ مع بَني البَشرِ مِن خلالِ الظاهرِ، أمّا الباطنُ فلا يَعلَمُهُ إلّا اللهُ تعالى، لأنَّ القلوبَ لو تَكاشَفَتْ لِلعِبادِ، ما دَفَنَ بَعضُهُم بَعضًا، لِما تَحمِلُهُ القلوبُ مِن حَقدٍ وغِلٍّ وشَحناءِ وبَغضاءَ، وكما قيلَ: لو تَكاشَفتُمْ ما تَدافَنتُمْ!! لِذلكَ اختَصَّ اللهُ تعالى بِما في القلوبِ والصُّدورِ لِنَفسِهِ. قالَ تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر: 19). وقالَ سبحانهُ وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}. (ق: 16).
وهذا ما أَرشدَنا إلَيهِ الرَّسولُ ﷺ في أَحاديثَ كَثيرةٍ. فَعَنْ أُسامَةَ بنِ زَيدٍ قالَ: بَعَثَنا رَسولُ اللهِ ﷺ في سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحنا الحُرَقاتِ مِن جُهَينَةَ، فَأَدرَكتُ رَجُلًا فَقالَ: لا إلهَ إلّا اللهُ، فَطَعَنتُهُ فَوَقَعَ في نَفسي مِن ذلكَ، فَذَكَرتُهُ لِلنَّبيِّ ﷺ، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «أقالَ لا إلهَ إلّا اللهُ وَقَتَلتَهُ؟» قالَ: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّما قالَها خَوفًا مِن السِّلاحِ، قالَ: «أفَلا شَقَقتَ عَن قَلبِهِ حَتّى تَعلَمَ أقالَها أم لا؟» فَما زالَ يُكَرِّرُها عَلَيَّ حتّى تَمَنَّيتُ أنّي أَسلَمتُ يومَئذٍ”. (مسلم).
وهذا الحديثُ والمَوقِفُ النبويُّ الشَّريفُ مع أُسامَةَ بنِ زَيدٍ رضيَ اللهُ عنهُ، فيهِ دَلالةٌ واضِحةٌ على وُجوبِ الحُكمِ بالظاهرِ، والتحذيرِ الشديدِ مِن تَجاوُزِ الظاهرِ إلى السَّرائرِ، والحُكمِ على ما في القلوبِ دونَ بَيِّنَةٍ ودَليلٍ. قالَ الخَطّابيُّ: “فيهِ مِن الفِقهِ أنَّ الكافِرَ إذا تَكلَّمَ بالشَّهادَةِ وإن لَم يَصِفِ الإيمانَ وَجَبَ الكَفُّ عنهُ والوُقوفُ عن قَتلِهِ، سَواءٌ أكانَ بَعدَ القُدرَةِ أم قَبلَها”. وقالَ ابنُ حَجرٍ: “وفيهِ دليلٌ على تَرَتُّبِ الأحكامِ على الأسبابِ الظاهرةِ دونَ الباطنةِ“.
وقالَ النَّوويُّ: “مَعناهُ: أنَّكَ إنَّما كُلِّفتَ بالعَملِ بالظاهرِ وما يَنطِقُ بهِ اللسانُ، وأمّا القلبُ فليسَ لَكَ طريقٌ إلى مَعرِفَةِ ما فيهِ، وفيهِ دليلٌ للقاعِدةِ المعرُوفةِ في الفِقهِ والأُصولِ: أنَّ الأحكامَ يُعمَلُ فيها بالظَّواهِرِ، واللهُ يَتَوَلّى السَّرائرَ“.
ويُوضِّحُ هذا الأمرَ الرَّسولُ اللهِ ﷺ في واقِعَةٍ وقِصَّةٍ مُشابِهةٍ في حديثٍ آخَرَ فيقولُ ﷺ: «إنّي لم أُؤمَرْ أن أَنقُبَ عن قلوبِ الناسِ ولا أَشُقَّ بُطونَهُم». (متَّفقٌ عليه). قالَ النَّوويُّ: “مَعناهُ إنّي أُمرتُ بالحُكمِ بالظاهرِ واللهُ يَتَوَلّى السَّرائرَ”. وقالَ الشَّوكانيُّ: “لم أُومَر أن أَنقُبَ عن قلوبِ الناسِ، فإنَّ ذلكَ يَدُلُّ على قَبولِ ظاهرِ التَّوبةِ وعِصمةِ مَن يُصَلّي، فإذا كانَ الزِّنديقُ قد أظهرَ التَّوبةَ وفَعَلَ أفعالَ الإسلامِ كانَ مَعصومَ الدَّمِ“.
فنَحنُ نَتعامَلُ مع الناسِ مِن خلالِ ظَواهِرِهِم، أمّا البَواطنُ فأمرُها إلى اللهِ، وهذا ما كانَ يَفعَلُهُ الرَّسولُ ﷺ مع قَومِهِ.
ثانيًا: الحُكْمُ على ما في القلوبِ تَشَدُّدٌ في الدِّينِ
إنَّ الحُكمَ على ما في قلوبِ العبادِ دونَ مَعرفةِ نواياهم تَشَدُّدٌ في الدِّينِ، لِذلكَ عاتَبَ الرَّسولُ ﷺ سيِّدَنا أُسامَةَ لَمّا فَعَلَ ذلكَ، ونَدِمَ أَشَدَّ النَّدَمِ لَمّا أَحَسَّ بِخُطورَةِ الأَمرِ حتّى قالَ: (حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ)، قالَ ابنُ حَجَرٍ”: أَيْ: أَنَّ إِسْلامي كانَ ذلكَ اليَومَ، لِأَنَّ الإِسلامَ يَجُبُّ ما قَبلَهُ، فَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذلكَ الوَقتُ أَوَّلَ دُخولِهِ في الإِسلامِ لِيَأمَنَ مِن جَريرَةِ تِلكَ الفَعلَةِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ لا يَكُونَ مُسلِمًا قَبلَ ذلكَ”. (فَتحُ الباري).
وقالَ الإِمامُ النَّوويُّ: “مَعناهُ: لَم يَكُن تَقَدَّمَ إِسلامي بَلِ ابتدأتُ الآنَ الإِسلامَ لِيَمحُوَ عَنّي ما تَقَدَّمَ، وقالَ هذا الكلامَ مِن عِظَمِ ما وَقَعَ فيهِ“.
لِذلكَ أَمَرَنا الشَّرعُ الحَكيمُ بِالتَّثَبُّتِ مِن الأَمرِ وعدمِ السُّرعَةِ في الحُكمِ على الآخَرينَ. قالَ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا }. [النِّساء: ٩٤]. يقولُ الطَّاهِرُ ابنُ عاشورٍ: “التَّبَيُّنُ: شِدَّةُ طَلَبِ البَيانِ، أَيِ: التَّأَمُّلُ القَويُّ، …فَتَبَيَّنُوا.. أَي: تَثَبَّتُوا واطلُبوا بَيانَ الأُمورِ، فَلا تَعجَلوا فَتَتَّبِعوا الخَواطِرَ الخاطِفَةَ الخاطِئَةَ”. [التَّحريرُ والتَّنوير].
وسَبَبُ نُزولِ الآيَةِ الكَريمَةِ ما رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قالَ: “مَرَّ رَجُلٌ مِن بَني سُلَيمٍ على نَفَرٍ مِن أَصحابِ رَسولِ اللهِ ﷺ ومَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، فَسَلَّمَ عليهِم، قالوا: ما سَلَّمَ عليكُم إِلّا لِيَتَعَوَّذَ مِنكُم، فَقاموا فَقَتَلوهُ وأَخَذوا غَنَمَهُ، فَأَتَوا بِها رَسولَ اللهِ ﷺ. فَأَنزَلَ اللهُ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا } [النِّساء: 94]”. «الترمذيُّ وحَسَّنَهُ».
لِذلكَ أَمَرَنا اللهُ تعالى بِالتَّثَبُّتِ والتَّبَيُّنِ فقالَ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }. [الحُجُرات: ٦].
فَكَم مِن أُناسٍ مِن خَوارِجِ العَصرِ قَديمًا وحَديثًا لَم يَتَثَبَّتوا أو يَتَفَقَّهوا في الدِّينِ وأَحكامِهِ حتّى كَفَّروا الناسَ وخَرَجوا عليهِم بِأَسيافِهِم. يقولُ الإِمامُ مالِكٌ رحمهُ اللهُ: “إِنَّ أَقوامًا ابتَغَوا العِبادَةَ وأَضاعوا العِلمَ، فَخَرَجوا على أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِأَسيافِهِم، ولَو ابتَغوا العِلمَ لَحَجَزَهُم عَن ذلكَ”. (مِفتاحُ دارِ السَّعادةِ لابنِ القَيِّم).
فَالتَّشَدُّدُ في الدِّينِ والفَتوى بغيرِ عِلمٍ، أو الفَهمُ المَغلُوطُ لِنُصوصِ الشَّريعةِ الغَرّاءِ، قد يُؤدّي إلى الشَّقاءِ، بَل إلى الهَلاكِ والمَوتِ. فَعَنْ جابِرٍ قالَ: خَرَجنا في سَفَرٍ فَأصابَ رَجُلًا مِنّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ في رَأسِهِ، ثُمَّ احتَلَمَ فَسَأَلَ أَصحابَهُ فقالَ: هَل تَجِدونَ لي رُخصَةً في التَّيَمُّمِ؟ فقالوا: ما نَجِدُ لَكَ رُخصَةً وأَنتَ تَقدِرُ على الماءِ فاغتَسَلَ فماتَ، فَلَمّا قَدِمنا على النَّبيِّ ﷺ أُخبِرَ بِذلكَ فقالَ: «قَتَلوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ أَلا سَأَلوا إذ لَم يَعلَموا فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ، إنَّما كانَ يَكفيهِ أن يَتَيَمَّمَ ويَعصِرَ على جُرحِهِ خِرقَةً، ثُمَّ يَمسَحَ عليها ويَغسِلَ سائِرَ جَسَدِهِ». (أبو داودَ وابنُ ماجَةَ بسَندٍ حَسَنٍ).
فهؤلاءِ تَشَدَّدوا في الدِّينِ والحُكمِ في المَسأَلَةِ، فَأدّى ذلكَ إلى هَلاكِ الرَّجُلِ ومَوتِهِ!! فَلابُدَّ مِن الرُّجوعِ إلى أهلِ الذِّكرِ والتَّخَصُّصِ في كُلِّ مَجالٍ.
ثالثًا: حَقُّ الحَياةِ والكَرامةِ لِلإِنسَانِ.
إنَّ الإِسلامَ كَفَلَ لِلجَميعِ حَقَّ الحَياةِ والكَرامةِ أَحياءً وأَمواتًا مُسلِمينَ وغَيرَ مُسلِمينَ، قالَ تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}. (الإِسراء: 70).
وعَنْ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهُما، قالَ: مَرَّ بِنا جِنازَةٌ، فَقامَ لَها النَّبيُّ ﷺ وقُمنا بِهِ، فَقُلنا: يا رَسولَ اللهِ إِنَّها جِنازَةُ يَهُوديٍّ، قالَ: «أَلَيسَتْ نَفسًا». (البُخاري).
فَمَعَ أَنَّها جِنازَةُ يَهُوديٍّ، قامَ الرَّسولُ ﷺ وقامَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم مَعَهُ تَكريمًا لِلنَّفسِ الإِنسانيَّةِ.
لِذلكَ يُشَدِّدُ الإِسلامُ على حُرمَةِ الدَّمِ، وأنَّهُ لا يَجوزُ قَتلُ إِنسانٍ ما دامَ يَنطِقُ بالشَّهادَتينِ، بِغَضِّ النَّظرِ عن سَبَبِ النُّطقِ، سَواءٌ كانَ خَوفًا أو غَيرَهُ. فَالظّاهِرُ هو ما يَقبَلُهُ الشَّرعُ، ولا يُفتَرَضُ فيهِ حُكمٌ باطِنٌ، إلّا إذا جاءَ دَليلٌ واضِحٌ على ذلكَ. لِهذا شَرَعَ الإِسلامُ القِصاصَ لِبَقاءِ حَياةِ الإِنسانِ، فقالَ تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}. (البَقَرَة: 179). يقولُ الإِمامُ ابنُ كَثيرٍ:” وفي شَرعِ القِصاصِ لَكُم – وهو قَتلُ القاتِلِ – حِكمَةٌ عَظيمَةٌ لَكُم، وهي بَقاءُ المُهَجِ وصَونُها؛ لأنَّهُ إذا عَلِمَ القاتِلُ أنَّهُ يُقتَلُ انكَفَّ عن صَنيعِهِ، فَكانَ في ذلكَ حَياةُ النُّفوسِ. وفي الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ: القَتلُ أَنفى لِلقَتلِ. فَجاءَتْ هذه العِبارَةُ في القُرآنِ أَفصَحَ وأَبلَغَ وأَوجَزَ. وقالَ أَبو العالِيَةِ: جَعَلَ اللهُ القِصاصَ حَياةً، فَكَم مِن رَجُلٍ يُريدُ أن يَقتُلَ، فَتَمنَعُهُ مَخافَةُ أن يُقتَلَ“. أ.هـ
فَالدَّمُ الإِنسانيُّ مِن أَعظَمِ وأَجَلِّ ما يَنبَغي أَن يُصانَ ويُحفَظَ، قالَ القُرطُبيُّ رحمهُ اللهُ: «إِنَّ الدِّماءَ أَحَقُّ ما احتِيطَ لَها، إذِ الأَصلُ صِيانَتُها في أَهبِها «جُلُودِها»، فلا تُستَباحُ إلّا بِأمرٍ بَيِّنٍ لا إِشكالَ فيهِ». (تَفسيرُ القُرطُبي).
وفي السُّنَّةِ النبويَّةِ المُشرَّفةِ توجيهٌ شَريفٌ في واقِعَةٍ أُخرَى تُبَيِّنُ حَقَّ الحَياةِ لِلإِنسانِ. فَعَنِ المِقدادِ بنِ عَمرٍو أنَّهُ قالَ لِرَسولِ اللهِ ﷺ: أَرَأَيتَ إن لَقيتُ رَجُلًا مِن الكُفّارِ فَاقتَتَلنا، فَضَرَبَ إحدَى يَدَيَّ بِالسَّيفِ فَقَطَعَها، ثُمَّ لاذَ مِنّي بِشَجَرَةٍ، فَقالَ: أَسلَمتُ لِلَّهِ، أَأَقتُلُهُ يا رَسولَ اللهِ بَعدَ أن قالَها؟ فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «لا تَقتُلهُ». فقالَ: يا رَسولَ اللهِ إنَّهُ قَطَعَ إحدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قالَ ذلكَ بَعدَ ما قَطَعَها؟ فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «لا تَقتُلهُ، فإن قَتلتَهُ فإنهُ بِمَنزِلَتِكَ قَبلَ أن تَقتُلَهُ، وإنَّكَ بِمَنزِلَتِهِ قَبلَ أن يَقولَ كَلمَتَهُ التي قالَ». (مُتَّفِقٌ عليهِ).
ومعنى: (بِمَنزِلَتِكَ) أي: مَحقونُ الدَّمِ يُقتَلُ قاتِلُهُ قِصاصًا. و(بِمَنزِلَتِهِ): مُهدَرُ الدَّمِ تُقتَلُ قِصاصًا لِقَتلِكَ مُسلِمًا.
فَالدِّماءُ مُصانَةٌ لا يَجوزُ الاعتِداءُ عَلَيها. يقولُ رَسولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسلِمٍ، يَشهَدُ أن لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وأنِّي رَسولُ اللهِ، إلَّا بِإِحدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفسُ بِالنَّفسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلقَماعَةِ». (مُسلِمٌ).
أيُّها الإخوةُ المؤمنونَ: منَ المفاهيمِ الخاطئةِ المنتشرةِ في المجتمعِ (الرشوةُ)، حيثُ يعتقدُ الكثيرونَ أنَّها هديَّةٌ، ولكنَّها من أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ. قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}. [النِّساءُ: ٢٩].
وعن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قالَ: «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ قالَ: مَا بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي؟ فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» ثَلَاثًا[البخاري].
قالَ الإمامُ النَّوَوِيُّ: «في هذا الحديثِ بيانٌ أنَّ هدايا العُمّالِ حرامٌ وغُلولٌ؛ لأنَّه خانَ في ولايتِهِ وأمانتِهِ، ولهذا ذُكِرَ في الحديثِ في عقوبتِهِ حَملَهُ ما أُهديَ إليهِ يومَ القيامةِ، كما ذُكرَ مثلُهُ في الغالِّ…».[شرحُ النَّوَوِيِّ على مُسلمٍ].
لذلكَ لعنَ اللهُ كلَّ منِ انتسبَ إلى الرشوةِ؛ فعن ثَوْبانَ رضي اللهُ عنهُ، عنِ النَّبيِّ ﷺ قالَ: “لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا”. [أحمدُ، وابنُ ماجةَ، والحاكمُ — واللفظُ له].
وهكذا يتبيَّنُ لنا أنَّ الرشوةَ سُحْتٌ وحرامٌ، فعلينا أنْ نتعاونَ جميعًا في القضاءِ على هذهِ الظاهرةِ المُشينَةِ.
نسألُ اللهَ أنْ يلهمنا رشدنا ، وأن يرزقنا الحلال ويبارك لنا فيه، وأن يباعد بيننا وبين الحرام كما باعد بين المشرق والمغرب، وأنْ يحفظَ مصرَنَا وبلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.
الدعاءُ،،،، وأقم الصلاةَ،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف






