أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة بعنوان : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ *** يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر، للدكتور خالد بدير

بتاريخ 20 ربيع الأول 1447 هـ ، الموافق 12 سبتمبر 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ *** يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 20 ربيع الأول 1447 هـ ، الموافق 12 سبتمبر 2025م. 

 

تحميل خطبة الجمعة القادمة 12 سبتمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ *** يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر:

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 سبتمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ *** يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر ، بصيغة  word أضغط هنا.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 سبتمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ *** يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر، بصيغة  pdf أضغط هنا.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 سبتمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ *** يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر : كما يلي:

 

أولًا: الرجالُ والإيجابيةُ والمسئوليةُ.

ثانيًا: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ.

ثالثًا: سترحلُ ويبقَى الأثرُ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 سبتمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ *** يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر : كما يلي:

 

خطبةٌ بعنوان: وكُنْ رجلًا إنْ أَتَوا بعدَهُ يقولُونَ: مَـرَّ، وهذَا الأثَر.

20 ربيع الأول 1447هـ – 12 سبتمبر 2025م

المـــوضــــــــــوعُ

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ . أمَّا بعدُ:

أولًا: الرجالُ والإيجابيةُ والمسئوليةُ.

لقد ربَّى الإسلامُ أبناءَهُ على المسئوليةِ والإيجابيةِ، وإيجابيةُ ومسئوليةُ المسلمِ تعنِي أنْ يكونَ فيضًا مِن العطاءِ، ثابتًا حينَ تدلهُم الخطوبُ، لا ييأسُ حينَ يقنطُ الناسُ، ولا يتراخَى عن العملِ حينَ يفترُ العاملونَ، يصنعُ مِن الشمعةِ نورًا، ومِن الحزنِ سرورًا، متفائلًا في حياتِهِ، شاكرًا في نعمائِهِ، صابرًا في ضرائِهِ، قانعًا بعطاءِ ربِّهِ لهُ، وأنْ يستشعرَ المسئوليةَ تجاهَ نفسِهِ وأسرتِهِ ووطنِهِ ومجتمعِهِ.

ونحنُ نعلمُ رجولةَ الرسولِ ﷺ حينمَا قالتْ لهُ أمُّهُ آمنةُ عندَ وفاتِهَا عبارةً: “يا مُحمدٌ كُنْ رجلًا”، حينَ كانَ النبيُّ ﷺ لا يزالُ طفلًا في السادسةِ مِن عمرِهِ، في تلكَ اللحظةِ المؤثرةِ، يُقالُ إنَّهَا أوصتْهُ بهذهِ الكلماتِ التي تحملُ معانِي عظيمةً مِن القوةِ والثباتِ. و “كُنْ رجلًا” هنَا لا تعنٍي مجردَ الرجولةِ الجسديةِ، بل تحملُ دعوةً إلى التحلِّي بالشجاعةِ والصبرِ والمسؤوليةِ، وكأنَّهَا كانتْ تُعدُّهُ لِمَا سيواجهُهُ مِن تحدياتٍ عظيمةٍ في حياتِهِ، وهو الذي سيُبعثُ نبيًّا ويُكلفُ برسالةٍ عظيمةٍ.

ومِن هذا المنطلقِ ربَّى الرسولُ ﷺ أصحابَهُ على الإيجابيةِ والمسئوليةِ والرجولةِ والمشاركةِ المجتمعيةِ كمَا ذكرَ القرآنُ الكريمُ،

 فهُم رجالٌ في العبادةِ والذكرِ والطاعةِ، قالَ تعالَى: { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}. [النور:37]. يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ:” لَا تَشْغَلُهُمُ الدُّنْيَا وَزُخْرُفُهَا وَزِينَتُهَا وملاذ بيعها وربحها عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمُ الَّذِي هُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَالَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ وَأَنْفَعُ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ، لِأَنَّ مَا عِنْدَهُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ”. أ.ه

رجالٌ في حبِّ الطهارةِ والعفافِ:،قالَ تعالَى: { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}. [التوبة:108]، يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ:” فيه دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الْقَدِيمَةِ الْمُؤَسَّسَةِ مِنْ أَوَّلِ بِنَائِهَا عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَعَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ مَعَ الجماعة الصَّالِحِينَ وَالْعِبَادِ الْعَامِلِينَ الْمُحَافِظِينَ عَلَى إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْ مُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ”. أ.ه. رجالٌ في التضحيةِ والصدقِ مع اللهِ، قالَ تعالَي: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}. [الأحزاب:23].

وهكذا ينبغِي أنْ يستشعرَ المسلمُ المسئوليةَ تجاهَ نفسِهِ وأسرتِهِ ومجتمعِهِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

هذهِ الرجولةُ والإيجابيةُ والمشاركةُ المجتمعيةُ تجعلُهُ يتركُ أثرًا طيبًا وبصمةً نافعةً في مجتمعِهِ، كمَا سيأتِي في عنصرِنَا التالِي.

ثانيًا: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ.

إنَّ حركاتِ الإنسانِ وأقوالَهُ وأفعالَهُ مكتوبةٌ ومُحصاةٌ عليهِ في كتابٍ مبينٍ، قالَ تعالَى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}. [يس: 12]. هذ،ا في حياتِهِ، أمَّا بعدَ وفاتِهِ فإنَّ الأثرَ الطيبَ الذي تركَهُ في مجتمعِهِ سيُكتبُ ويُسجلُ عندَ اللهِ تعالَى. ولذلكَ لمَّا أرادَ بنو سلمةَ أنْ ينتقلُوا قربَ المسجدِ نظرًا لبعدِ المسافةِ بينهُم وبينَهُ، أمرَهُم الرسولُ بلزومِ ديارِهِم حتى تشهدَ لهم الأرضُ بالأثر الطيب وكثرةِ الخُطَى إلى المساجدِ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ»، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلمَةَ: دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ».(مسلم). أي: الزمُوا ديارَكُم فإنَّكُم إذَا لزمتمُوهَا كُتبتْ آثارَ خطاكُم الكثيرةِ إلى المسجدِ، قالَ تعالَى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}.(يــس: 12). يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ:” نَكْتُبُ أَعْمَالَهُمُ الَّتِي بَاشَرُوهَا بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها من بعدهم، فيجزيهم عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ”. أ.ه

فكلُّ ما تقدمُهُ مِن علمٍ وعملٍ ومعروفٍ لمجتمعِكَ يمتدُّ أجرُهُ بعدَ موتِكَ إلى قيامِ الساعةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ” (الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ المُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» [ابْنُ مَاجَة بسند حسن]. قلتُ: الإمامُ البخارِيُّ – مثلًا – ماتَ مِن قرونٍ، ومع ذلكَ عدَّادُ الحسناتِ يَعُدُّ لهُ إلى قيامِ الساعةِ، فمَن نحنُ بجانبِ البخارِي؟!! ويحضرُنِي قولَ الإمامِ الشافعِيِّ رحمَهُ اللهُ:

قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهُم……………وعاشَ قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ

والناظرُ إلى جميعٍ الأنبياءِ عليهِمُ الصلاةُ والسلامُ يجدُ أنَّ كلَّ ما قدمُوهُ في دعوتِهِم إلى اللهِ تعالى، لهُ أثرٌ عندَ اللهِ إلى قيامِ الساعةِ، قَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشُّعَرَاءُ: ٨٤]. ” وَالمَعْنَى: اجْعَلْ لِي ذِكْرًا جَمِيلًا بَعْدِي أُذْكَرُ بِهِ، وَيُقْتَدَى بِي فِي الخَيْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}. [الصَّافَّاتُ: ١٠٨-١١٠]”. [تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِير].

ثالثًا: سترحلُ ويبقَى الأثرُ.

إنَّ الإنسانَ إذَا فارقَ هذه الدنيا، فإنَّهُ يفارقُهَا بجسدِهِ ويبقَى أثرُهُ وذكرُهُ خيرًا أو شرًّا، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ” مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ . قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي ، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ!!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ” ( متفق عليه واللفظ لمسلم )

فالذكرُ الحسنُ تركةٌ مباركةٌ، وحياةُ خيرٍ تَبقَى للمرءِ وإنْ ماتَ، يُذْكَرُ بجميلِ مآثرِهِ، ويستدعِي الدعاءَ لصاحبِهِ، بل يَمتدُّ خيرُهُ لوارثِهِ، إذ هو مِن خيرِ ما وَرَّثَ لهُ، قال حكيمٌ: “أفضلُ ما يورِّثُ الآباءُ الأبناءَ: الثناءُ الحسنُ، والأدبُ النافعُ، والإخوانُ الصالحون”. وصدقَ مَن قالَ:

كلُّ الأمورِ تزولُ عنكَ وتنقضِي  ………………….. إلَّا الثناءَ فإنَّهُ لكَ باقِي

قالَ كعبُ الأحبارِ: «واللهِ، ما استقرَّ لعبدٍ ثناءٌ في الأرضِ حتى يستقرَّ له في أهلِ السماءِ».

فما أجملَ أن يكونَ أثرُكَ في أهلِ بيتِكَ وأُسرتِكَ تربيةً على الطاعةِ والخُلقِ الكريمِ، وفي مجتمعِكَ نفعاً وخيراً، وفي أُمّتِكَ نصرةً للحقِّ ودفاعاً عن القيمِ والمبادِئِ. وصدقَ الشاعرُ حيثُ يقولُ:

وَكُنْ رَجُلاً إِنْ أَتَوا بَعْدَهُ ………………… يَقُولُونَ مَرَّ وَهَذَا الأَثَرُ

 فاحرصْ – أخِي المسلم – على أنْ تكونَ عضوًا نافعًا لمجتمعِكَ، فالطبيبُ ينبغِي أنْ يخلصَ في عملِهِ ويبدعَ، وكذلكَ المهندسُ، والمعلمُ، وكلُّ فردٍ في مهنتِهِ أو صنعتِهِ أو وظيفتِهِ؛ لأنَّ كلَّ ما سنَّهُ وابتكرَهُ في عملِهِ فإنَّهُ يدرُّ لهُ حسناتٍ بعدَ موتِهِ إلى قيامِ الساعةِ، وفي ذلكَ يقولُ رَسُولُ اللهِ : «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». (مسلم). يقولُ الإمامُ النوويُّ:” فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالْخَيْرَاتِ وَسَنِّ السُّنَنَ الْحَسَنَاتِ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ اخْتِرَاعِ الْأَبَاطِيلِ وَالْمُسْتَقْبَحَاتِ”. (شرح النووي).

فالزمْ فعلَ الخيرِ ليقتديَ بكَ مَن بعدَكَ ويكونَ في موازينِ الحسناتِ، وإيَّاكَ وفعلَ الشرِّ فيقتدِيَ بكَ الآخرونَ ويكونَ في موازينِ سيئاتِكَ. فهذا قابيلُ قتلَ أخاهُ هابيلَ، فحملَ وزرَ جميعِ القاتلينَ إلى قيامِ الساعةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ : «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ». (متفق عليه). يقولُ الإمامُ النوويُّ:” هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنِ ابْتَدَعَ شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ كُلِّ مَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ مِثْلَ عَمَلِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمِثْلُهُ من ابتدع شيأ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ كُلِّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”. (شرح النووي).

فاحرصْ على أنْ يكونَ لكَ أثرٌ طيبٌ بكلِّ مكانٍ، أنْ تكونَ لكَ ذكرَى طيبةٌ وبقايَا ماثلةٌ مِن صدقِ حروفِكَ وأخلاقِكَ، اجعلْ خطواتِكَ مستقيمةً، وثقْ بالمولَى ليبقَى لكَ أثرٌ جميلٌ طيبٌ في القلوبِ، واجعلْ سلوكَكَ قدوةً حسنةً لِمَن يراكَ، وازرعْ فيمَن حولَكَ حبَّ الخيرِ، والإيثارَ والصفاءَ والعطاءَ والتآزرَ والتكافلَ وجميلَ الصفاتِ والأعمالِ والأقوالِ.

وليكنْ لكَ القدوةُ في سلفِنَا الصالحِ وسبقِهِم إلى الخيراتِ، مع تركِ الأثرِ الطيبِ، فهذا عَلِيٌّ بْنُ الحُسَيْنِ لَمَّا مَاتَ وَغَسَّلُوهُ، جَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَى آثَارٍ سَوْدَاءِ بِظَهْرِهِ، فَقَالُوا: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: كَانَ يَحْمِلُ جُرُبَ الدَّقِيقِ لَيْلًا عَلَى ظَهْرِهِ، يُعْطِيهِ فُقَرَاءَ أَهْلِ المَدِينَةِ، فَوَجَدُوهُ يَقُوتُ مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ بِالمَدِينَةِ [حِلْيَةُ الأَوْلِيَاءِ]. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ يَعِيشُونَ، لَا يَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ كَانَ مَعَاشُهُمْ، فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، فَقَدُوا ذَلِكَ الَّذِي كَانُوا يُؤْتَوْنَ بِاللَّيْلِ». [صِفَةُ الصَّفْوَةِ].

هذه رسالةٌ لكلِّ فردٍ مِن أفرادِ المجتمعِ أنْ يحسَّنَ خُلقَهُ ومعاملَتَهُ مع أهلِهِ وجيرانِهِ وأحبابِهِ وأصدقائِهِ وبنِي جنسِهِ ليشهدُوا لهُ بصلاحِهِ وتقواهُ في وقتٍ هو أحوجُ إلى جنةِ ومغفرةِ مولاهُ. وليعلم كلُّ منَّا أنْ ذلكَ بالعملِ وليسَ بالوصيةِ، فلا تنفعُكَ وصيتُكَ للناسِ ليشهدُوا لكَ بصلاحِكَ عندَ وفاتِكَ، كشهادةِ اثنينِ مِن الموظفينَ لكَ بحسنِ سيرِكَ وسلوكِكَ لتتسلمَ عملَكَ!!!! ، ولكنْ ما جنيتُهُ طوالَ عمرِكَ مِن أخلاقٍ ومعاملةٍ ستحصدُهُ عندَ وفاتِكَ، وهذا يحتاجُ إلى وقتٍ طويلٍ ليتركَ أثراً أطولَ، كمَا قالَ ابنُ عطاءِ اللهِ في الحِكَمِ: ” السيرةُ الحسنةُ كشجرةِ الزيتونِ لا تنمُو سريعاً ولكنَّهَا تعيشُ طويلاً “. أ.ه،  لأنَّكَ تموتُ بجسدِكَ وروحِكَ وتظلُّ ذكراكَ باقيةً، وأثرُكَ يدرُّ لكَ حسناتٍ.

قالَ الإمامُ الشافعِيُّ رضيَ اللهُ عنهُ:  قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ فضائلُهُم ….. وعاشَ قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ

وقالَ أحمدُ شوقِي:                     دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ لهُ:          إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثوانِي

                                      فارفعْ لنفسِكَ بعدَ موتِكَ ذكرَهَا     فالذكرُ للإنسانِ عُمرٌ ثانِي

وقال آخرُ:                          كلُّ الأمورِ تزولُ عنكَ وتنقضِي      إلَّا الثنــــاءَ فإنَّـــــــــهُ لكَ بـــــــــــاقِي

             ولو أنَّنِي خيِّرتُ كلَّ فضيــــــــلةٍ         ما اخترتُ غيرَ مكــارمِ الأخلاقِ

فانظرْ إلى نفسِكَ هل أفدتهَا؟! هل أفدتَ مجتمعكَ؟! هل تركتَ أثراً صالحاً تُذكَرُ بهِ؟!! فلنسارعْ جميعاً قبلَ أنْ نندمَ ولا ينفعُ الندمُ.

نسألُ اللهَ أنْ يستخدمَنَا ولا يستبدلَنَا، وأنْ يجعلَنَا مفاتيحَ لكلِّ خيرٍ مغاليقَ لكلِّ شرٍّ،

 وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ .

الدعاءُ،،،،                         وأقم الصلاةَ،،،،                     كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.