web analytics
أخبار عاجلة
خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م بعنوان : الحفاظ على الأوطان من صميم مقاصد الأديان للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ 15 شوال 1444هـ ، الموافق 5 مايو 2023م
خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م بعنوان : الحفاظ على الأوطان من صميم مقاصد الأديان للدكتور مسعود عرابي

خطبة الجمعة 5 مايو 2023م : الحفاظ على الأوطان من صميم مقاصد الأديان للدكتور مسعود عرابي

خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م بعنوان : الحفاظ على الأوطان من صميم مقاصد الأديان للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ 15 شوال 1444هـ ، الموافق 5 مايو 2023م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م بصيغة word بعنوان : الحفاظ على الأوطان من صميم مقاصد الأديان ، للدكتور مسعود عرابي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م بصيغة pdf بعنوان : الحفاظ على الأوطان من صميم مقاصد الأديان ، للدكتور مسعود عرابي

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م ، بعنوان :

الحفاظ على الأوطان من صميم مقاصد الأديان ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:

الحمدُ للهِ الذي امتنَّ على عبادهِ بنبيِّهِ المرسلِ، وكتابهِ المنزلِ الذي لا يأتيهِ الباطلُ مِن بينِ يديهِ ولا مِن خلفهِ تنزيلٌ مِن حكيمٍ حميد، حتى اتسعَ على أهلِ الأفكارِ طريقُ الاعتبارِ بما فيهِ مِن القصصِ والأخبارِ، واتضحَ بهِ سلوكُ المنهجِ القويمِ والصراطُ المستقيمُ بما بيَّنَ فيهِ مَن الأحكامِ، وفصّلَ فيهِ مِن الحلالِ والحرامِ.

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسـولُهُ، الهادِي إلى السننِ الأرشدِ بالوحيِ الذي أُوحاهُ اللهُ، إليهِ، وبالكتابِ الذي أُنزلَ عليهِ، مبلغًا لرسالتهِ، ومناديًا إلى عبادتهِ، صادعًا بِالدُّعَاءِ إِلَى توحيدهِ، مُعْلنًا بتعظيمهِ وتمجيدهِ، ناصحًا لأمتهِ وعبيدهِ، اللهُمّ صلّ، عليهِ صلاةً زاكيةً ناميةً، وَسلمْ تسَليمًا كثيرًا، وعَلى أَصْحَابهِ وَأهلِ بَيتهِ الَّذينَ أذهبَ اللهُ عَنْهُم الرجسَ وطهرَهُم تَطْهِيرًا.

تابع خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م

وبعـــدُ،،،

فإنَّ مِن فضائلِ الحقِّ على الخلقِ، أنَّه امتَنّ عليهم سبحانَهُ وتعالى بشريعةٍ غراءَ تنظمُ لهُم معيشتَهُم، وتسددُ على دروبِ العدلِ والرشادِ خُطاهُم بتشريعٍ سهلٍ ميسورٍ بعيدٍ عن التشديدِ والتعسفِ، فرفعَ عنهم الحرجَ والضيقَ، ويسّرَ لهم سبلَ العيشِ الكريمِ وأوضحَ لهُم الطريقَ، وجعلَ حبَّ الأوطانِ والمحافظةَ عليهَا مِن أصولِ شرعهِ الحنيفِ، ومِن كمالِ عــدلهِ علـى الخلـقِ أنْ جعلَ حبَّ الوطنِ غريزةٌ وفطرةٌ متأصلةٌ في النفوسِ، حتّى ينعمَ المرءُ بالاستقرارِ.

حتّى قالُوا: « والبشرُ يألَفُونَ أرضَهُم على ما بهَا، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطنِ غريزةٌ متأصِّلةٌ في النفوسِ

تجعلُ الإنسانَ يستريحُ إلى البقاءِ فيهِ، ويحنُّ إليه إذا غابَ عنهُ، ويدافعُ عنه إذا هُوجِمَ، ويَغضبُ لهُ إذا انتقصَ ».

وجعلَ اللهُ عزّ وجلّ الخروجَ مِن الوطنِ قرينَ قتلِ النفسِ، وهذا إنّما يدلُّ على عظمِ الأوطانِ، ومكانتِهَا في نفوسِ الأسوياءِ، الأتقياءِ، الأوفياءِ لدينهِم، فهو ذروةُ العبادةِ، وتمامُ السيادةِ أنّ يتمنَّى المرءُ لوطنهِ النماءَ والتقدمَ والريادةَ، قالَ تعالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ﴾. والمعنى أنّا لو شدّدَنَا التكليفَ على الناسِ، نحو أنْ نأمرَهُم بالقتلِ والخروجِ عن الأوطانِ لصعبَ ذلك عليهم، ولَمَا فعلَهُ إلّا الأقلون، وحينئذٍ يظهرُ كفرُهُم وعنادُهُم، فلَمّا لم نفعلْ ذلك رحمةً منّا على عبادِنَا، بل اكتفينَا بتكليفِهِم في الأمورِ السهلةِ، فليقبلُوهَا بالإخلاصِ، وليتركُوا التمردَ والعنادَ حتى ينالُوا خيرَ الدارين. [ تفسير الرازي ].

تابع خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م

والعجيبُ في الآيةِ الكريمةِ:

أنَّ اللهَ تعالى سوّى بينَ قتلِ النفسِ والخروجِ مِن الديارِ كُرهًا، وما يكونُ ذلك إلّا لمكانةِ الأوطانِ؛ لأنَّ الأمانَ في الأوطانِ يمكنُ مِن أداءِ الأركانِ، وها هو رسولُ اللهِ حينمَا اشتدَّ به الأذَى في مكةِ، وضيقِ أهلِهَا عليهِ وعلى أصحابهِ لم يتمكّنُوا مِن الشعائرِ، وتربصَ بهِم كلُّ غادرٍ، فاللهُّم أمنَّا في أوطانِنَا، واجعلهَا أمنًا أمانًا بقدرتِكَ يا قادرٌ!

وتألّمَ سيّدُ المرسلين حينمَا أخرجَهُ قومُهُ مِن مكةَ المكرمةِ رغمًا عنه، وهي مكانُ ولادتهِ، وذكرياتُ أيامهِ، ومتعلقُ قلبِهِ، ووطنُهُ الذي يحبُّهُ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ عندما خرجَ على أطرافِهَا مهاجرًا منهَا، ملبيًّا نداءَ ربِّهِ: « مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلْدَةٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ، مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ ». [ سنن الترمذي، وصحيح ابن حبان ].

ولَمّا علمَ اللهُ ــــ عزّ وجلّ ــــ مِن تعلقِ قلبِ نبيِّهِ ومصطفاه ﷺ بموطنِ ولادتهِ، وعلمَ مشقةَ ذلكَ عليهِ، بشّرَهُ بأنّهُ ناصرهُ، وأنّه رادُّهُ إليهَا منتصرًا، متظاهرًا عليهَا، فقالَ تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾. [ سورة القصص ].

  

تابع خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م

    أي: رادُّكَ إلى مكةَ، ووجهُهُ أنْ يرادَ ردّهُ إليها يومَ الفتحِ: ووجهُ تنكيرهِ أنَّهَا كانت في ذلك اليومِ معادًا له شأنٌ، ومرجعًا لهُ اعتدادٌ، لغلبةِ رسولِ اللهِ ﷺ عليها، وقهرهِ لأهلِهَا، ولظهورِ عزِّ الإسلامِ وأهلهِ، وذُلِّ الشركِ وحزبهِ، وهذه السورةُ الكريمةُ مكيةٌ، فكأنّ اللهَ وعدَهُ، وهو بمكةَ في أذَى وغلبةٍ مِن أهلِهَا: أنّهُ يهاجرُ بهِ منهَا، ويعيدُهُ إليهَا ظاهرًا ظافرًا. وقِيلَ: نزلتْ عليهِ حين بلغَ الجحفةَ في مهاجرهِ وقد اشتاقَ إلى مولدهِ ومولدِ آبائهِ وحرمِ إبراهيمَ، فنزلَ جبريلُ فقالَ لهُ: أتشتاقُ إلى مكةَ؟ قال: نعم، فأوحاهَا إليهِ. فإنْ قلتَ: كيف اتصلَ قولُهُ تعالى قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا قبلَهُ؟ قلتُ: لمّا وعدَ رسولَهُ الردَّ إلى معادٍ.

[ تفسير الزمخشري ].

والحفاظُ على الوطنِ يبدأُ بالحبِّ وتعميقِ الانتماءِ.

فالنبيُّ ﷺ لما خرجَ مِن مكةَ المكرمةِ مُكرهًا، إلى المدينةِ المنورةِ، وهي ديارٌ جديدةٌ، فأرادَ أنْ يعلنَ لها الولاءَ، ويبرزَ لها الانتماءَ، ويحققَ لها الرخاءَ، ويغدقَ على أهلِهَا العطاءَ، بعدمَا جعلهَا دولةَ الإسلامِ، والتي تشرفُ بأنْ أسسَهَا خيرُ الأنامِ عليهِ أزكى الصلاةُ وأتمُّ السلام؛ ليكونَ للناسِ قدوةً على مرِّ العصورِ، ويمتثلَ به أهلُ الإسلامِ  في كلِّ الأمورِ، ويخلصُوا لأوطانِهِم، ويحافظُوا عليها كما فعلَ نبيُّهُم، الذي جاءَهُم بالإسلامِ وتميّزُوا بفضلِ بعثتهِ على كافةِ الأنامِ، فعند البخاريِّ مِن حديثِ أمِّنَا عائشةَ زوجِ نبيِّنَا عليه الصلاةُ والسلامُ، قالتْ:

لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ، وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلاَلٌ، فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: « اللَّهُمَّ العَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الوَبَاءِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: « اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ ».

تابع خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م

وكانت الجحفةُ يومئذٍ دارَ شركٍ، وكان رسولُ اللهِ ﷺ كثيرًا ما يدعوا على مَن لم يجبْ إلى الإسلامِ، إذا خافَ منه معونةَ أهلِ الكفرِ، حين يئسَ منهم فقالَ ﷺ:

« اللهُمّ أعنِّى عليهم بسبعٍ كسبعِ يوسف ». ودعَا على أهلِ الجحفةِ بالحمّى؛ ليشغلَهُم بها، فلم تزلْ الجحفةُ مِن يومئذٍ أكثرَ بلادِ اللهِ حمّى.

[ شرح صحيح البخاري، لابن بطال ].

وعند مسلم مَنْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه، قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ، فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَالَ: « اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ ».

فمِن فرطِ وفائهِ للمدينةِ التي لم يلبثْ فيها إلّا قليلًا دعا لها بالخلوِّ مِن الوباءِ، والبركةِ في الثمارِ والزروعِ والضروعِ، فأصبحتْ ببركةِ دعوتهِ طيبةً وبعد بعثتهِ صلواتُ ربي وتسليماتُهُ عليهِ، وهي دعوةٌ لكلِّ مسلمٍ أنْ يكونَ شديدَ الوفاءِ لوطنهِ ومخلصًا لهُ ومحافظًا عليهِ. 

تابع خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م

والحفاظُ على الوطنِ ليس بالكلامِ والغناءِ بل بالكدِّ والعملِ والمساهمةِ في البناءِ، ولنَا في أصحابِ رسولِ اللهِ قدوةٌ، فقد ساهمُوا في البناءِ بما قدرُوا عليهِ مِن العطاءِ.

فقالَ اللهُ تعالى مُبكتًا أهلَ النفاقِ والشقاقِ وسوءِ الأخلاقِ، حين تطاولُوا على الأسوةِ والسادةِ، ومَن شرفَهُم ربُّنَا بصحبةِ نبيِّهِم فبلغُوا أعلى درجاتِ العبادةِ، لمّا ساهمُوا في البناءِ، وقدّمُوا لنبيِّهِم السندَ والعطاءَ، خاضُوا فيهم بألسنتِهِم، ولم يسلكُوا دربَهُم، بل سعوا لتشويهِم، والنيلِ مِن حسنِ صنيعِهِم، فكان اللهُ لهُم بالمرصادِ، وردَّ الكيدَ على أهل الكذبِ والعنادِ، فقالَ تعالى: ﴿  الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. [ ســـــورة التوبة ].

قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ:

حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الصَّدَقَةِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بأربعةِ آلافِ.. دِرْهَمٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ جِئْتُكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَاجْعَلْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمْسَكْتُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ لِعِيَالِي، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: « بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ ». فَبَارَكَ اللَّهُ في مال عبد الرحمن حَتَّى إِنَّهُ خَلَّفَ امْرَأَتَيْنِ يَوْم مَاتَ فَبَلَغَ ثُمُنُ مَالِهِ لَهُمَا مِائَةً وَسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَتَصَدَّقَ يَوْمَئِذٍ عَاصِمُ بْنُ عُدَيٍّ الْعَجْلَانِي بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ. وَجَاءَ أبو عقيلٍ الأنصاري، واسمُهُ الحبحابُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَقَالَ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ بِتُّ لَيْلَتِي أَجُرُّ بِالْجَرِيرِ الْمَاءَ حَتَّى نِلْتُ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، فَأَمْسَكْتُ أَحَدَهُمَا لِأَهْلِي وأتيتك بالآخر، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَنْثُرَهُ فِي الصدقة، فلمزهم المنافقون، وقالوا: مَا أَعْطَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَاصِمٌ إلا رياء، وإن كان اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَغَنِيَّانِ عَنْ صَاعِ أَبِي عَقِيلٍ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يذكر فيمن أعطى الصَّدَقَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هذه الآيةَ الكريمةَ تكذيبًا لهم، وفضحًا لكذبِهِم، وتأييدًا لصدقِ نوايَا المتصدقينَ مِن أصحابِ سيّدِ المرسلين. [التفسير الوسيط، للواحدي ].

  فساهِمْ في بناءِ وطنِكَ، وجُدْ بما ملكتَ على بنِي جنسِكَ، وأعطِ مِمّا أفاضَ اللهُ عليك، ولا تجعلْ مِن أهلِ المعاصي واللصوصِ مثبطونَ لك عن الخيرِ، فلا يخلُو زمانٌ مِن أهلِ البهتانِ، لكنْ عدلُ اللهِ في الأكوانِ جعلَ كلَّ نفسٍ بما كسبتْ رهينةً، ولا يتعدَّى النفعُ صاحبَهُ، ولا الذنبُ فاعلَهُ، واعلمْ أنّك ستموتُ وحدكَ، وتُدفنُ وحدكَ، وتَلقَى اللهَ وحدَكَ.

تابع خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م

ومِمّا يعجبُ منه الإنسانُ، ولا يستطيعُ التعبيرَ عنه بأيّ بيانٍ، أنْ الموتَ أحبُّ إلى أحدِهِم مِن البقاءِ في زمنٍ لا يخدمُ فيه وطنَهُ، ولا يفِي بحقِّ اللهِ عليهِ فيهِ، وقد استلهمُوا هذا مِن كلامِ ربِّ العالمين، وسنةِ سيّدِ المرسلين، فتمناهُ عمرُ بنُ الخطابِ ــــ رضي اللهُ عنه ــــ، فعند الحاكمِ في المستدركِ، وأبي نعيمٍ في الحليةٍ، ومالكٍ في الموطأِ عن يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ مِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ، ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةً بِبَطْحَاءَ، ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَائِهِ، ثُمَّ اسْتَلْقَى وَمَدَّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: « اللَّهُمَّ كَبُرَ سِنِّي، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ ».

ولا يصلُ العبدُ إلى هذه الدرجةِ مِن الإخلاصِ والتفانِي في العطاءِ وخدمةِ الوطنِ، إلّا إذا فهمَ الرسالةَ التي مِن أجلِهَا خُلِقَ، وقد كشفَ عنهَا ربُّنَا سبحانَهُ، فقالَ في كتابهِ العزيزِ: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾. [ ســـورة الذاريات ].

وَمَعْنَى الْآيَةِ الكريمة:

أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْعِبَادَ لِيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَمَنْ أَطَاعَهُ جَزَاهُ أَتَمَّ الْجَزَاءِ، وَمِنْ عَصَاهُ عَذَّبَهُ أَشَدَّ الْعَذَابِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِمْ، بَلْ هُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ، فَهُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ. [ تفسير ابن كثير ].

والعبادةُ كمالُ الانقيادِ والتذللِ والخضوعِ للحقِّ سبحانَهُ وتعالَى .. وقالَ بعضُهُم: هي طاعةٌ طوعيةٌ، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبيةٍ، أساسُهَا معرفةٌ يقينيةٌ، تفضِي إلى سعادةٍ أبديةٍ، والطاعةُ ضمانٌ للسعادةِ وبسطِ الرزقِ، وطيبِ النفسِ، والسلامةِ مِن غياهبِ الحياةِ، وفي الآخرةِ الحسنى وزيادةٌ، فعندَ الترمذِي وغيرِهِ، قال: رسولُ اللهِ ﷺ: « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ ».

وذلك لأنَّ العبادةَ خيرُ عاصمٍ للمرءِ مِن الوقوعِ في الذللِ، وخيرُ مهذبٍ للأخلاقِ مِن الانحرافِ والخللِ، وهذا أفضلُ عطاءٍ للأوطانِ، قالِ اللهُ تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾. [ سورة الأعــراف ].

ولما انصرفَ الناسُ عن الحقِّ وصغرتْ في أعينِهِم المعصيةُ، واستهانُوا بها، وصارُوا بدلًا مِن أنْ يتألفُوا تخالفُوا، وبدلًا مِن أنْ يتراحمُوا تباغضُوا، فعاقبَهُم اللهُ بمَا كسبُوا مِن آثامٍ وخالفُوا منهجَهُ القويمَ الذي وضعَهُ لصالحِ الأنامِ، وكلُّ هذا يتقاطعُ مع مصالحِ الأوطانِ، ويتنافَى مع خلقِ المواساةِ والذي يقصدُ بهِ، أنْ تضعَ الغيرَ في منزلةِ نفسِكَ مِن النفعِ والدفعِ، فتحبَّ لأخيكَ مِن الخيرِ ما تحبُّهُ لنفسِكَ، وتبغضَ له مِن الشرِ ما تبغضُهُ لنفسِكَ،

وهذا يُوجِدُ الطبيبَ الرحيمَ، والمدرسَ المخلصَ، والتاجرَ الصدوقَ، والمنتجَ الذي لا يعنيهِ الكسبَ بقدرِ ما تعنيهِ مصالحَ الناسِ، ولتحقيقِ هذه المعاني؛ فإنّ أعظمَ هديةٍ يقدمُهَا المرءُ لمجتمعهِ أنْ يحسنَ تربيةَ أولادهِ، فينشرَ بهم الأخلاقَ الحميدةَ، والصفاتِ المجيدةَ، وألّا يكونَ هدفُهُ البحتُ تحصيلَ المال، وينشغلُ عن تربيةِ العيالِ، فيكونَ بهذا قد عقَّ وطنَهُ، ونالَ مِن عضدِهِ، وضرَّهُ أكثرَ مِمّا نفعَهُ فبئسَ المواطنُ إذا، الذي يأخذُ الكثيرَ ولا يقدمُ القليلَ ولا يعترفُ بالجميلِ، وصدقَ الشاعرُ حينَ قالَ:

تابع خطبة الجمعة القادمة 5 مايو 2023م

يا مَن تَشَـــــــــرَّفَ بِالدُنيا وَطينَتِها … لَيسَ التَشَرُّفُ رَفعَ الطينِ بِالطينِ

إِذا أَرَدتَ شَــــــــــريفَ الناسِ كُلَّهُمُ … فَاِنظُر إِلى مَلِكٍ في زِيِّ مَسكينِ

ذاكَ الَّذي عَظُمَت في اللَهِ حُرمَتُهُ … وَذاكَ يَصلِـــــحُ لِلدُنيا وَلِلـــــــــدينِ

  فاللهم احفظْ بلادنَا مِن كلِّ سوءٍ، واجعلهَا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمين، ووفقْ ولاةَ أمورِنَا إلى ما تحبُّهُ وترضاهُ بجودِكَ وفضلِكَ يا أكرمَ مَن سُئلَ وأعظمَ مَن أعطَى .. اللهم آمين!

بقلم/ مسعود عرابي …

عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر ..

وخطيب مكافأة لدى وزارة الأوقاف المصرية.

 

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

عن كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

شاهد أيضاً

خطبة الجمعة بعنوان : أمانة العامل والصانع وإتقانهما ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 24 شوال 1445 هـ ، الموافق 3 مايو 2024م

خطبة الجمعة بعنوان : أمانة العامل والصانع وإتقانهما ، للدكتور خالد بدير

خطبة الجمعة بعنوان : أمانة العامل والصانع وإتقانهما ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 24 شوال …

خطبة الجمعة القادمة 3 مايو 2024 م بعنوان : أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 24 شوال 1445هـ ، الموافق 3 مايو 2024م

خطبة الجمعة القادمة 3 مايو : أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة القادمة 3 مايو 2024 م بعنوان : أمانة العامل والصانع …

خطبة الجمعة القادمة 3 مايو 2024م من الأرشيف : أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، بتاريخ 24 شوال 1445هـ – الموافق 3 مايو 2024م

خطبة الجمعة القادمة 3 مايو 2024م من الأرشيف : أمانة العامل والصانع وجزاؤها

خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة القادمة 3 مايو 2024م من الأرشيف : أمانة العامل والصانع …

خطبة الجمعة القادمة : أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، بتاريخ 24 شوال 1445هـ ، الموافق 3 مايو 2024م

أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة : أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، بتاريخ 24 شوال 1445هـ ، الموافق 3 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Translate »