أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

زاد الأئمة : لـ خطبة الجمعة القادمة : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ

شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ، بتاريخ 11 ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 3 أكتوبر 2025م

زاد الأئمة : وزارة الأوقاف تعلن رسميا عن زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لـ خطبة الجمعة القادمة حول : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ، بتاريخ 11 ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 3 أكتوبر 2025م.

 

ننفرد بنشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ، بصيغة WORD

ننشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : الْيَقِينُ ، بصيغة pdf

 
الإصدار العشرون من سلسلة ” زاد الأئمة والخطباء: الدليل الإرشادي لخطب الجمعة”
استمراراً لما انتهجته وزارة الأوقاف مؤخراً من التيسير على السادة الأئمة والخطباء ودعماً لنماء زادهم العلمي والفكري والمعرفي نقدم هذا الإصدار من تلك السلسلة التي هي عبارة عن بحث موسع يجمع الشواهد والمعاني التي يمكن للخطيب أن يديم النظر فيها طوال الأسبوع، لتعينه على الإعداد الجيد لخطبته، وإتقان تناوله للموضوع، وزيادة عمقه وأصالته، وربط نصوص الشريعة بالواقع المعيش، حتى إذا صدرت الخطبة في موعدها المعتاد يوم الأربعاء من كل الأسبوع في صورتها النهائية المركزة المختصرة، يكون الخطيب قد هضم موضوعه وخالطه وعايشه، بما يحقق استيعاب الخطبة النهائية وأداءها على النحو المأمول.
وتهيب وزارة الأوقاف بكل أبنائها إلى التوسع في القراءة الواعية المستوعبة لكل ميادين الحياة واهتماماتها، وامتلاك الثقافة الواسعة التي تعينهم على أداء دورهم الديني الوطني على أكمل وجه.

 

ولقراءة زاد الأئمة والخطباء.. لـ خطبة الجمعة القادمة : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ، كما يلي:

زاد الأئمة (20)

 

شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ

 بِمُنَاسَبَةِ انْتِصَارِ أُكْتُوبَرَ الْمَجِيدِ

بتاريخ 11 ربيع الثاني 1447هـ – 3 أكتوبر 2025م

الْهَدَفُ: التَّوْعِيَةُ بِوُجُوبِ وَشَرَفِ الدِّفَاعِ عَنِ الْوَطَنِ وَالْعِرْضِ.

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أَكْمَلَ لنا الدِّينَ، وأَتَمَّ علينا النِّعْمَةَ، وجَعَلَ أُمَّتَنا خَيْرَ أُمَّةٍ، اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على سَيِّدِنا ومَوْلانَا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أمَّا بعدُ:

فإنَّ الدِّفاعَ عن الوطنِ ليسَ مُجَرَّدَ واجبٍ وطنيٍّ أو قَوْميٍّ، بلْ هو واجبٌ شَرْعيٌّ أَصيلٌ، نَصَّتْ عليهِ آياتُ القرآنِ الكريمِ وأحاديثُ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ المُطَهَّرةِ، وأَجْمَعَ عليهِ علماءُ الأُمَّةِ عَبْرَ التَّاريخِ.

إنَّ من مَقاصِدِ الشَّرعِ الشَّريفِ تَرْسيخُ مَفهومِ الوطنيَّةِ الإسلاميَّةِ الصَّحيحةِ في نُفوسِ المؤمنينَ، وبيانُ أنَّ حبَّ الوطنِ والدِّفاعَ عنهُ جُزءٌ لا يَتَجَزَّأُ من الإيمانِ والتَّدينِ الصَّحيحِ، وأنَّ من يُضَحِّي بنفسِهِ ومالِهِ في سَبيلِ الدِّفاعِ عن وطنِهِ وأهلِهِ وعِرضِهِ إنما يَسيرُ على نَهْجِ الأَنبياءِ والصَّالحينَ، ولهُ من الأجرِ والثَّوابِ ما لا يَعْلَمُهُ إلَّا اللهُ تعالى.

مِصرُ أَرْضُ الأَنْبِياءِ والعُلَماءِ ومَهْدُ الحَضارَةِ

مِصرُ أَرْضُ الأَنْبِياءِ وأَرْضُ الصَّحابَةِ وأَرْضُ الأَوْلِياءِ وأَرْضُ العُلَماءِ وأَرْضُ الحَضارَةِ وأَرْضُ الخَيْرِ.

تَوَلَّى أَمْرَها إدريسُ ويوسُفُ، وُوْلِدَ فيها موسَى وهارونُ، وهاجَرَ إليها إبراهيمُ ولوطٌ، وسَكَنَها يعقوبُ، وسارَ إليها عيسى ومريمُ، ومَرَّ عليها محمَّدٌ، صَلَواتُ اللهِ وتسليماتُهُ عليهم، وتَجَلَّى اللهُ عليها، وفيها مَراقِدُ الصَّحابَةِ والأَوْلِياءِ وآلِ بَيْتِ النَّبِيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.

وفيها الأَهْرامُ وأبو الهَوْلِ، ونَهْرُ النِّيلِ، وسُورُ مَجْرَى العُيونِ، وجامِعُ عَمْرِو بنِ العاصِ أَوَّلُ جامِعٍ في إفريقيَّةَ، وجامِعُ الأَزْهَرِ قِبْلَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ على مَدَى أَلْفِ سَنَةٍ، وجامِعُ السُّلطانِ حَسَنٍ الَّذي هو من أَعْظَمِ الأَبْنِيَةِ المِعْماريَّةِ المُدْهِشَةِ.

أَطْلَقَ عليها أُمَّ الدُّنْيا سَيِّدُنا نُوحٌ فقَدْ سَماها “غَوْثَ العِبادِ والبِلادِ”.

لَمْ يُذْكَرْ في القُرْآنِ من الأَنْهارِ سوى نَهْرِ النِّيلِ {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص: ٧].

وبِئْرُ زَمْزَمَ تَفَجَّرَ إِكْرامًا للسَّيِّدةِ هاجَرَ المِصْرِيَّةِ ووَلَدِها إسماعيلَ.

ومِنَ المِصْريّاتِ العَظيماتِ السَّيِّدةُ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَونَ.

ومِنَ العُلَماءِ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ ووَرْشٌ والشَّافِعيُّ والطَّحاوِيُّ والعِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ والمُنْذِرِيُّ والقَرافِيُّ وابنُ دَقيقِ العِيدِ والسُّبْكِيُّ وأَوْلادُهُ وخَليلٌ صاحِبُ المُخْتَصَرِ وابنُ هشامٍ النَّحْوِيُّ والعِراقِيُّ وابنُ حَجَرٍ والسُّيوطِيُّ والسَّخاوِيُّ والدَّرْدِيرُ والعَطّارُ والبَيْجُورِيُّ والشَّعراوِيُّ.

وأَفْلاطونُ وسُقراطُ وأَرْشِميدِسُ وابنُ النَّفيسِ.

وعَلِيٌّ مُصْطَفَى مُشَرَّفَةُ الَّذي وَصَفَهُ أَيْنْشْتايْنُ بأَنَّهُ “من أَعْظَمِ عُلَماءِ الفِيزْياءِ”، وأَحْمَدُ زُوَيْلٌ ومَجْدي يَعْقوبُ.

ومِنَ الشُّعَراءِ جَميلُ بُثَيْنَةَ وكُثَيِّرُ عَزَّةَ إلى أَحْمَدَ شَوْقي وحافِظِ إِبراهيمَ.

مِصْرُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ

ذُكِرَتْ مِصْرُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ مَرَّةً، خَمْسَةً صَرَاحَةً وَالْبَاقِي كِنَايَةً.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ} [البقرة: ٦١]، وَقُرِئَ: “ٱهۡبِطُواْ مِصۡرَ” بِلَا تَنْوِينٍ، فَعَلَى هَذَا هِيَ مِصْرُ الْمَعْرُوفَةُ قَطْعًا، وَعَلَى قِرَاءَةِ التَّنْوِينِ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الصَّرْفِ اعْتِبَارًا بِالْمَكَانِ؛ كَمَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي الْعَرَبِيَّةِ فِي جَمِيعِ أَسْمَاءِ الْبِلَادِ، وَأَنَّهَا تُذْكَرُ وَتُؤَنَّثُ، وَتُصْرَفُ وَتُمْنَعُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} [يونس: ٨٧].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: ٢١].

وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ} [يوسف: ٩٩].

وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: ٥١].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ نِسْوَةٞ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِۦ قَدْ شَغَفَهَا حُبّٗا} [يوسف: ٣٠]. وَقَالَ تَعَالَى: {وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٖ مِّنْ أَهْلِهَا} [القصص: ١٥]. وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ} [القصص: ١٨]. وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَآءَ رَجُلٞ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ} [القصص: ٢٠].

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّ الْمَدِينَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ “مَنْف”، وَكَانَ فِرْعَوْنُ بِهَا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِلَىٰ رَبْوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} [المؤمنون: ٥٠]، قَالَ: مِصْرُ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي “تَارِيخِ دِمَشْقَ”، مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَرَى الْعَجَائِبَ فِي صِبَاهُ إِلْهَامًا مِنَ اللهِ، فَفَشَا ذَلِكَ فِي الْيَهُودِ، فَهَمَّتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَخَافَتْ أُمُّهُ عَلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهَا أَنْ تَنْطَلِقَ بِهِ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٖ}، قَالَ: يَعْنِي مِصْرَ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ}، قَالَ: هِيَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ.

وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ} [يوسف: ٥٥]. أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي الْآيَةِ، قَالَ: كَانَ لِفِرْعَوْنَ خَزَائِنُ كَثِيرَةٌ بِأَرْضِ مِصْرَ، فَأَسْلَمَهَا سُلْطَانُهُ إِلَيْهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلْأَرْضِ} [يوسف: ٥٦]. أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ: اسْتَعْمَلَهُ الْمَلِكُ عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِهَا.

وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيٓ أَبِيٓ} [يوسف: ٨٠]. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْ لَنْ أُفَارِقَ الْأَرْضَ الَّتِي أَنَا بِهَا –وَهِيَ مِصْرُ– حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي بِالْخُرُوجِ مِنْهَا.

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي ٱلْأَرْضِ} [القصص: ٤]. وَقَالَ تَعَالَى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا فِي ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةٗ وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلْأَرْضِ} [القصص: ٥]. وَقَالَ تَعَالَى: {إِن تُرِيدُ إِلَّآ أَن تَكُونَ جَبَّارٗا فِي ٱلْأَرْضِ} [القصص: ١٩]. وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلْأَرْضِ ٱلْفَسَادَ} [غافر: ٢٦]. وَقَالَ تَعَالَى: {لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلْأَرْضِ} [غافر: ٢٩]. وَقَالَ تَعَالَى: {أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلْأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ: {قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلْأَرْضِ} [الأعراف: ١٢٧-١٢٩].

الْمُرَادُ بِالأَرْضِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا: مِصْرُ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –وَقَدْ ذَكَرَ مِصْرَ– فَقَالَ: سُمِّيَتْ مِصْرُ بِالأَرْضِ كُلِّهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: بَلْ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا أَوْ أَكْثَرَ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلْأَرْضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَٰرَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: ١٣٧]. قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: هِيَ مِصْرُ؛ بَارَكَ فِيهَا بِالنِّيلِ. حَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ.

وقال تعالى في سورتي الأعراف والشعراء: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} [الأعراف: ١١٠]، [الشعراء: ٣٥].

وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا} [الأعراف: ١٢٣].

وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء ٥٧ – ٥٨].

وقال تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الدخان: ٢٥ – ٢٦]؛ قال الكندي: لا يعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم: غير مصر.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يونس: ٩٣]، أورده ابن زولاق، وقال القرطبي في تفسيره: أي منزل صدق محمود مختار، يعني: مصر، وقال الضحاك: هي مصر والشام.

وقال تعالى: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} [البقرة: ٢٦٥]، أورده ابن زولاق وقال: الرُّبَا لا تكون إلا بمصر.

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} [البقرة: ٢٧]، قال قوم: هي مصر، وقواه ابن كثير في تفسيره. وقال تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت: ١٠]، قال عكرمة: منها القراطيس التي بمصر. [يراجع في كل ما سبق حسن المحاضرة]

مِصْرُ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ

جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: “بَابُ وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مِصْرَ”، أَخْرَجَ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» أَوْ قَالَ «ذِمَّةً وَصِهْرًا».

“إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ” الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ، وَقَدْ فَتَحُوا مِصْرَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

“الْقِيرَاطُ” أَي يُسْتَعْمَلُ فِيهَا لَفْظُ الْقِيرَاطِ، وَهُوَ مِعْيَارٌ فِي الْوَزْنِ وَالْقِيَاسِ، وَاخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ، وَهُوَ فِي الْقِيَاسِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَمِنَ الْفَدَّانِ يُسَاوِي خَمْسَةً وَسَبْعِينَ وَمِائَةَ مِتْرٍ.

“فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا” السِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ، أَي لِيَطْلُبْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ الْوَصِيَّةَ بِهِمْ، أَوْ لِيَطْلُبَ كُلٌّ مِنْكُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ الْوَصِيَّةَ بِهِمْ، وَالْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ “فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا”.

“فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، أَوْ قَالَ: ذِمَّةً وَصِهْرًا” الْجُمْلَةُ تَعْلِيلِيَّةٌ، وَالْأُولَى أَنْ يُرَادَ بِالذِّمَّةِ هُنَا الْحَقُّ وَالْحُرْمَةُ، وَيُفَسَّرَ هَذَا الْحَقُّ بِحَقِّ الرَّحِمِ وَصِلَتِهِ، لِكَوْنِ هَاجَرَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ الْعَرَبِ مِنْهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالصِّهْرِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ النَّسَبُ، لِكَوْنِ مَارِيَةَ -أُمِّ إِبْرَاهِيمَ- مِنْهُمْ، وَكَانَتْ سُرِّيَّةً لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [فَتْحُ الْمُنْعِمِ]

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ فِي كِتَابِ: “مَنْ دَخَلَ مِصْرَ مِنَ الصَّحَابَةِ”، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْـحَمِقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ فِتْنَةٌ، يَكُونُ أَسْلَمُ النَّاسِ فِيهَا الْجُنْدُ الْغَرْبِيُّ»، قَالَ ابْنُ الْـحَمِقِ: “فَلِذَلِكَ قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ بِمِصْرَ”.

قَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ مِنْ خُطْبَةٍ طَوِيلَةٍ: “… وَحَدَّثَنِي عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِصْرَ، فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُنْدًا كَثِيفًا، فَذَلِكَ الْجُنْدُ خَيْرُ أَجْنَادِ الْأَرْضِ»، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُمْ وَأَزْوَاجَهُمْ فِي رِبَاطٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»”. [أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ]

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عِدَّةً، وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ» [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ].

الدِّفَاعُ عَنِ الْوَطَنِ وَاجِبٌ، وَعَنْ مِصْرَ أَوْجَبُ الْوَاجِبَاتِ

إِذَا كَانَ الدِّفَاعُ عَنِ الْوَطَنِ وَاجِبًا فِطْرِيًّا عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ، فَهُوَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَاجِبٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالدِّفَاعُ عَنْ مِصْرَ خُصُوصًا مِنْ أَوْجَبِ الْوَاجِبَاتِ، لِأَنَّهَا دُرَّةُ الْإِسْلَامِ، وَبَلَدُ الْأَزْهَرِ، وَبَلَدُ الْأَوْلِيَاءِ، وَرَأْسُ الْحَضَارَةِ، وَغَوْثُ الْبِلَادِ، وَمِيزَانُ الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ، وَأُمُّ الدُّنْيَا، وَمِنْهَا يَنْبَثِقُ كُلُّ خَيْرٍ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَقَدِ اخْتُصَّتْ عَبْرَ تَارِيخِهَا بِحِمَايَةِ الْإِسْلَامِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ، وَإِرْسَاءِ قِيمَةِ الْعَدْلِ، وَمُقَاوَمَةِ كُلِّ مُعْتَدٍ غَادِرٍ آثِمٍ، حَتَّى قَالَ سَيِّدُنَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: “وِلَايَةُ مِصْرَ جَامِعَةٌ، تَعْدِلُ الْخِلَافَةَ”. [فَضَائِلُ مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ لِابْنِ يَعْقُوبَ الْكِنْدِيِّ]. وَقَالَ سَيِّدُنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ الْمُتَوَفَّى ١٤٩ه‍ [أَحَدُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ]: “مِصْرُ أُمُّ الْبِلَادِ، وَغَوْثُ الْعِبَادِ”. [فَضَائِلُ مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ].

حُبُّ الْوَطَنِ دَلِيلٌ عَلَى الْوَفَاءِ

قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ: “وَالْبَشَرُ يَأْلَفُونَ أَرْضَهُمْ عَلَى مَا بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ قَفْرًا مُسْتَوْحَشًا، وَحُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ فِي النُّفُوسِ، تَجْعَلُ الْإِنْسَانَ يَسْتَرِيحُ إِلَى الْبَقَاءِ فِيهِ، وَيَحِنُّ إِلَيْهِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، وَيُدَافِعُ عَنْهُ إِذَا هُوجِمَ، وَيَغْضَبُ لَهُ إِذَا انْتُقِصَ”. [إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ].

لَقَدْ مَرِضَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَارَقُوا الْوَطَنَ، فَمَرِضَ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَبِلَالٌ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَأَنْشَدُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ شِعْرًا فِي الشَّوْقِ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: “وَفِي هَذَا الْخَبَرِ وَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ حَنِينِهِمْ إِلَى مَكَّةَ، مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ حُبِّ الْوَطَنِ وَالْحَنِينِ إِلَيْهِ”. [الرَّوْضُ الْأُنُفُ].

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: “وَتُرَابُ الْوَطَنِ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي حِفْظِ الْمِزَاجِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ تُرَابَ أَرْضِهِ”.

إِنَّكَ إِذَا وَجَدْتَ شَخْصًا يُقَلِّلُ مِنْ قِيمَةِ وَطَنِهِ، أَوْ يَنْتَقِصُ مِنْهُ، أَوْ لَا يُحِبُّ لَهُ الْخَيْرَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ عَدِيمُ الْوَفَاءِ، وَأَنَّهُ جُبِلَ عَلَى خُلُقٍ ذَمِيمٍ، وَقَدْ كَانَ لِسَيِّدِنَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِدْحُ الْمُعَلَّى فِي الْوَفَاءِ وَالدِّفَاعِ عَنْ وَطَنِهِ، وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، وَلَهُ شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنْ وَطَنِهِ لَا يَسْبِقُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ، فَعَنْ سَيِّدِنَا أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا [لَا تَخَافُوا]» قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَعَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: “كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْهُ” [رَوَاهُ أَحْمَدُ].

الدِّفَاعُ عَنِ الْوَطَنِ مِنْ مَقَاصِدِ الدِّينِ وَلَا يَقِلُّ أَجْرُهُ عَنِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ

إِنَّ الدِّفَاعَ عَنِ الْأَوْطَانِ مِنْ صَمِيمِ مَقَاصِدِ الْأَدْيَانِ، قَالَ الشَّيْخُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ: “الْحِفَاظُ عَلَى الْأُمَّةِ، بِصَوْنِ نِظَامِهَا، وَدَعْمِ سُلْطَانِهَا، وَجَعْلِهَا مَرْهُوبَةَ الْجَانِبِ، مُحْتَرَمَةً مَنْظُورًا إِلَيْهَا فِي أَعْيُنِ الْأُمَمِ الْأُخْرَى نَظْرَةَ الْمَهَابَةِ، وَالْوَقَارِ، يَخْشَوْنَ بَأْسَهَا؛ لِيَرْدَعَ ذَلِكَ عَنْ مُنَاوَشَتِهِمْ إِيَّاهَا، وَتَكْدِيرِ صَفْوِ الْأَمْنِ فِيهَا {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} [الْحَشْرِ: ١٣]، وَهَذَا الْقَصْدُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالدِّفَاعِ عَنِ الْحَوْزَةِ، وَهِيَ حُدُودُ الْبِلَادِ، وَنَوَاحِيهَا، وَحِمَايَةُ الْبَيْضَةِ، وَحِفْظُ الْأُمَّةِ مِنِ اعْتِدَاءِ عَدُوِّهَا عَلَيْهَا، وَحِفْظُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنْ يَنْتَزِعَ عَدُوُّهُ مِنْهَا قِطْعَةً، أَوْ يَتَسَرَّبَ إِلَيْهَا، وَقَدْ قَامَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَقَامَ أَمْنُ بِلَادِهِ”. [مَقَاصِدُ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ].

إِنَّ حِرَاسَةَ مُقَدَّرَاتِ الْوَطَنِ وَالدِّفَاعَ عَنْهَا قَدْ تَعْلُو عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ، فَمَا تَنْفَعُكَ صَلَاتُكَ وَزَكَاتُكَ وَحَجُّكَ وَأَنْتَ لَا تَنْصُرُ وَطَنَكَ وَلَا تُدَافِعُ عَنْ عِرْضِكَ وَشَرَفِكَ وَمُقَدَّسَاتِكَ!! فَمَنْ بَاتَ سَاهِرًا مُرَابِطًا عَلَى ثُغُورِ وَطَنِهِ؛ لِيَكْسِرَ مَطَامِعَ الْأَعْدَاءِ، وَيَصُدَّهُمْ عَنْ تَحْقِيقِ مَآرِبِهِمْ فَهُوَ عَلَى جِهَادٍ عَظِيمٍ يُبْلِغُهُ أَعَالِيَ الْجِنَانِ، فَعَنْ سَيِّدِنَا أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِعْبٍ فِيهِ عُيَيْنَةٌ مِنْ مَاءٍ عَذْبَةٌ فَأَعْجَبَتْهُ، فَقَالَ: لَوِ اعْتَزَلْتُ النَّاسَ فَأَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا تَفْعَلْ! فَإِنَّ مُقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا، أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَيُدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ، اُغْزُوا فِي سَبِيلِ اللهِ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ». [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ].

فَلَا شَرَفَ أَعْلَى مِنْ إِنْسَانٍ بَاتَ حَارِسًا لِلنَّاسِ حِينَ يَخَافُونَ، وَيَسْهَرُ حِينَ يَنَامُونَ، حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: “إِذَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى حَرَسٍ، فَالْحَرْسُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ (قِيَامِ اللَّيْلِ)، فَإِذَا كَانَ فِي الْحَرَسِ مَنْ يَكْفِيهِ وَيَسْتَغْنِي بِهِ، فَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْرُسُ أَيْضًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى لَا يَغْفَلَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَيَجْمَعُ أَجْرَهُمَا جَمِيعًا أَفْضَلُ”. [الرَّدُّ عَلَى سِيرِ الْأَوْزَاعِيِّ].

وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْ سَيِّدِنَا ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ: حَارِسُ حَرْسٍ فِي أَرْضِ خَوْفٍ لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي “السُّنَنِ الْكُبْرَى”، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي “شُعَبِ الْإِيمَانِ”].

وَعَنْ سَيِّدِنَا ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللهِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].

وَعَنْ سَيِّدِنَا أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ: «يَا أَبَا سَعِيدٍ ثَلَاثَةٌ مَنْ قَالَهُنَّ: دَخَلَ الْجَنَّةَ» قُلْتُ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا سَعِيدٍ، وَالرَّابِعَةُ لَهَا مِنَ الْفَضْلِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَهِيَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ].

وَقَرَّرَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَهَمِّيَّةَ حِرَاسَةِ الْوَطَنِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ؛ فِيمَا ذَكَرَهُ أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لِجُلَسَائِهِ: أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ لَهُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ، قَالَ: وَيَقُولُونَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ بَعْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَعْظَمِ النَّاسِ أَجْرًا مِمَّنْ ذَكَرْتُمْ! وَمِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ! قَالُوا: بَلَى، قَالَ: رُوَيْجِلٌ [تَصْغِيرُ رَجُلٍ] بِالشَّامِ آخِذٌ بِلِجَامِ فَرَسِهِ، يَكْلَأُ مِنْ وَرَاءِ بَيْضَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَدْرِي أَسَبُعٌ يَفْتَرِسُهُ، أَمْ هَامَةٌ تَلْدَغُهُ، أَوْ عَدُوٌّ يَغْشَاهُ، فَذَلِكَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِمَّنْ ذَكَرْتُمْ، وَمِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ”. [رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي “تَارِيخِ دِمَشْقَ”].

إِنَّ الْمُدَافِعَ عَنْ وَطَنِهِ أَوْ عِرْضِهِ إِنْ مَاتَ يَسْتَمِرُّ مَعَهُ أَجْرُهُ، وَرِزْقُهُ فِي قَبْرِهِ؛ فَشَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الْوَطَنِ وَالذَّوْدِ عَنْ أَرَاضِيهِ، وَمُدَافَعَةِ الْعِدَا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ الْمَيِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ، فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ].

وَعَنْ سَيِّدِنَا سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

كُلُّ مُوَاطِنٍ جُنْدِيٌّ فِي مَوْقِعِهِ

كُلُّ مُوَاطِنٍ يَعِيشُ عَلَى أَرْضِ هَذَا الْوَطَنِ مَهْمَا اخْتَلَفَ دِينُهُ أَوْ فِكْرُهُ أَوْ لَوْنُهُ، يَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَثَرِ عَمَلِهِ وَمَدَى نَفْعِهِ لِلْوَطَنِ، فَالْجُنْدِيُّ يَسْتَعِدُّ بِالْعُدَّةِ وَالْعَتَادِ لِلدِّفَاعِ عَنِ الْوَطَنِ حَتَّى يَكُونَ صَادِقًا فِي وَطَنِيَّتِهِ، وَالصَّانِعُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيدَ صَنْعَتَهُ وَيُحْكِمَهَا حَتَّى يَكُونَ نَافِعًا لِوَطَنِهِ، وَالطَّالِبُ يُذَاكِرُ دُرُوسَهُ وَيَهْتَمُّ بِتَعْلِيمِهِ حَتَّى يَكُونَ صَادِقًا فِي مَحَبَّتِهِ لِوَطَنِهِ، وَالْمُوَظَّفُ يَمْتَنِعُ عَنْ أَكْلِ الرَّشَا وَعَنْ تَعْطِيلِ مَصَالِحِ النَّاسِ حَتَّى يَكُونَ صَادِقًا فِي مَحَبَّتِهِ لِوَطَنِهِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْإِنْسَانُ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ قُوَّةٍ وَإِعْزَازٍ لِلْوَطَنِ مِنْ خِلَالِ عَمَلِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الْأَنْفَالِ: ٦٠].

وَلَفْظُ “الْقُوَّةِ” جَاءَ نَكِرَةً، بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ لِيُفِيدَ الْعُمُومَ فَيَشْمَلَ: الْقُوَّةَ الْعَسْكَرِيَّةَ، وَالِاقْتِصَادِيَّةَ، وَالِاجْتِمَاعِيَّةَ، وَالتَّعْلِيمِيَّةَ، وَالْأَخْلَاقِيَّةَ … إِلَخْ.

فَالْعَالِمُ يَحْمِي وَطَنَهُ بِنَشْرِ الْوَعْيِ وَالْمَعْرِفَةِ الَّتِي تُحَصِّنُ الْمُجْتَمَعَ مِنَ الْجَهْلِ وَالتَّطَرُّفِ، وَيُسْهِمُ فِي بِنَاءِ جِيلٍ وَاعٍ مُثَقَّفٍ قَادِرٍ عَلَى الدِّفَاعِ عَنْ دِينِهِ وَوَطَنِهِ فِكْرِيًّا وَعَمَلِيًّا.

وَالتَّاجِرُ الْأَمِينُ يَحْمِي وَطَنَهُ بِأَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ فِي التَّعَامُلِ، وَيُسْهِمُ فِي دَعْمِ الِاقْتِصَادِ الْوَطَنِيِّ وَخَلْقِ فُرَصِ عَمَلٍ لِلشَّبَابِ، وَيُشَارِكُ فِي الْمُبَادَرَاتِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ وَالْخَيْرِيَّةِ الَّتِي تَخْدِمُ الْوَطَنَ.

وَالْفَلَّاحُ يَحْمِي الْأَمْنَ الْغِذَائِيَّ لِلْوَطَنِ، وَهُوَ خَطُّ الدِّفَاعِ الْأَوَّلُ ضِدَّ الْجُوعِ، وَيُحَافِظُ عَلَى الْأَرْضِ، وَيُسْهِمُ فِي اسْتِدَامَةِ الْمَوَارِدِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَيُمَثِّلُ رُوحَ الصَّبْرِ وَالِانْتِمَاءِ لِلْأَرْضِ، وَهِيَ مِنْ رَكَائِزِ الْوَطَنِيَّةِ.

وَالْعَامِلُ يَبْنِي الْوَطَنَ بِيَدِهِ، سَوَاءٌ فِي الْمَصَانِعِ أَوِ الْوِرَشِ أَوْ مَوَاقِعِ الْبِنَاءِ، وَيُسْهِمُ فِي الْإِنْتَاجِ وَالتَّنْمِيَةِ، وَيُظْهِرُ صُورَةَ الْمُوَاطِنِ الْمُجْتَهِدِ، وَيُحَافِظُ عَلَى النِّظَامِ وَالِانْضِبَاطِ، مِمَّا يُعَزِّزُ قُوَّةَ الْمُجْتَمَعِ وَتَمَاسُكِهِ.

وَكُلُّ الشَّعْبِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَرِمَ الْقَانُونَ وَيُشَارِكَ فِي حِمَايَةِ الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ، وَيُرَبِّي أَبْنَاءَهُ عَلَى حُبِّ الْوَطَنِ وَالْغَيْرَةِ عَلَى كَرَامَتِهِ، وَيُسْهِمَ فِي نَشْرِ الْقِيَمِ الْإِيجَابِيَّةِ، وَالتَّصَدِّي لِلشَّائِعَاتِ وَالْمَخَاطِرِ الْفِكْرِيَّةِ.

فَحِمَايَةُ الْوَطَنِ هِيَ مَسْئُولِيَّةُ كُلِّ مُوَاطِنٍ فِي مَوْقِعِهِ، فَالْوَطَنُ يُبْنَى بِالْعِلْمِ، وَيُحْمَى بِالْأَخْلَاقِ، وَيَزْدَهِرُ بِالْعَمَلِ وَالْإِنْتَاجِ، وَيُصَانُ بِالْوَعْيِ وَالثَّقَافَةِ.

إِنَّ شَرَفَ الْجُنْدِيَّةِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ وَالْقِتَالِ، بَلْ يَشْمَلُ كُلَّ عَمَلٍ يَهْدِفُ إِلَى حِمَايَةِ الْوَطَنِ وَرِفْعَتِهِ.

فَالطَّبِيبُ الَّذِي يُعَالِجُ الْمَرْضَى، وَالْمُهَنْدِسُ الَّذِي يَبْنِي الْعُمْرَانَ، وَالْمُعَلِّمُ الَّذِي يُرَبِّي الْأَجْيَالَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ يُسَاهِمُونَ فِي بِنَاءِ الْوَطَنِ وَحِمَايَتِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ شَرَفِ الْجُنْدِيَّةِ إِذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَهْدِفُ مِنْ عَمَلِهِ إِلَى خِدْمَةِ وَطَنِهِ وَأُمَّتِهِ.

حَرْبُ أُكْتُوبَرَ الْمَجِيدَةُ تَجْسِيدٌ لِلْوَطَنِيَّةِ الصَّادِقَةِ

الْعَطَاءُ لَا يَزَالُ مُسْتَمِرًّا، وَالدِّفَاعُ عَنِ الْوَطَنِ مَا زَالَ بَاقِيًا، وَإِنَّا كَمِصْرِيِّينَ لَنَفْخَرُ بِمَا قَدَّمَهُ آبَاؤُنَا فِي حَرْبِ أُكْتُوبَرَ الْمَجِيدَةِ ١٩٧٣م = ١٠ رَمَضَانَ ١٣٩٣ه‍، حِينَ سَطَّرَتْ قُوَّاتُنَا الْمُسَلَّحَةُ بِأَحْرُفٍ مِنْ نُورٍ نَصْرًا سَاحِقًا عَلَى الْعَدُوِّ الْمُتَغَطْرِسِ، وَبَذَلُوا الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ لِتَحْقِيقِ الْعِزَّةِ وَالْكَرَامَةِ، وَرَوَوْا الْأَرْضَ بِدِمَائِهِمْ دِفَاعًا عَنْ وَطَنِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، عَبَرُوا وَهُمْ صَائِمُونَ، وَعَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ «اللهُ أَكْبَرُ» حَتَّى ارْتَجَّتْ أَرْضُ سِينَاءَ، وَارْتَجَفَتْ قُلُوبُ الْعَدُوِّ، وَمَا زَالُوا عَلَى الْعَهْدِ مَاضِينَ، وَفِي الدَّرْبِ سَائِرِينَ، يَحْفَظُونَ تُرَابَ هَذَا الْوَطَنِ، وَيُبْذِلُونَ أَرْوَاحَهُمْ دُونَ التَّفْرِيطِ فِي حَبَّةِ رَمْلٍ مِنْهُ، بَلْ يَتَسَابَقُونَ إِلَى نَيْلِ شَرَفِ الشَّهَادَةِ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الْأَحْزَابِ: ٢٣].

وَقَدْ سَمِعَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مِصْرَ، فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُنْدًا كَثِيفًا، فَذَلِكَ الْجُنْدُ خَيْرُ أَجْنَادِ الْأَرْضِ»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُمْ فِي رِبَاطٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». [رَوَاهُ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ، وَلَهُ شَوَاهِدُ].

إِنَّ الْجُنْدِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مِهْنَةٍ، بَلْ هِيَ شَرَفٌ عَظِيمٌ وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ، فَالْجُنْدِيُّ الَّذِي يَحْمِلُ السِّلَاحَ وَيَسْهَرُ عَلَى حِمَايَةِ حُدُودِ الْوَطَنِ، هُوَ مُرَابِطٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَهُ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ.

فَجُنُودُنَا هُمْ فَخْرُ أُمَّتِنَا، وَعُنْوَانُ صُمُودِنَا، فَلْنَصْطَفْ خَلْفَهُمْ، وَلْنُرَبِّ أَجْيَالَنَا عَلَى أَنْ يَكُونُوا نَمُوذَجًا حَيًّا لِلاِقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَالسَّيْرِ عَلَى مَنَوَالِهِمْ فِي مَسِيرَةِ الْعَطَاءِ وَالْبَذْلِ.

اَلْمُسْلِمُ لَا يَنْسَاقُ خَلْفَ الشَّائِعَاتِ وَيَقِفُ دَائِمًا فِي صَفِّ الْوَطَنِ

قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الْحُجُرَاتِ: ٦].

وَعَنْ سَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا». [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ].

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ].

وَعَنْ سَيِّدِنَا أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

فَعَلَيْنَا أَنْ نَغْرِسَ فِي نُفُوسِ أَبْنَائِنَا حُبَّ الْوَطَنِ وَالِانْتِمَاءَ إِلَيْهِ، وَالْحِفَاظَ عَلَيْهِ مِنْ شَائِعَاتِ الْمُغْرِضِينَ، وَأَنْ نُرَبِّيَهُمْ عَلَى قِيَمِ التَّضْحِيَةِ وَالْفِدَاءِ، وَأَنْ نُذَكِّرَهُمْ دَائِمًا بِأَنَّ هَذَا الْوَطَنَ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحَافِظُوا عَلَيْهِ وَيُدَافِعُوا عَنْهُ بِكُلِّ مَا أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ.

فَلْنَتَعَاوَنْ جَمِيعًا، حُكَّامًا وَمَحْكُومِينَ، رِجَالًا وَنِسَاءً، شَبَابًا وَشُيُوخًا، فِي بِنَاءِ وَطَنِنَا وَحِمَايَتِهِ، وَلْنَكُنْ يَدًا وَاحِدَةً فِي وَجْهِ كُلِّ مَنْ يُحَاوِلُ الْمَسَاسَ بِأَمْنِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ، وَلْنَتَذَكَّرْ دَائِمًا أَنَّ اللهَ تَعَالَى نَاصِرٌ مَنْ يَنْصُرُهُ، وَأَنَّ النَّصْرَ قَادِمٌ لَا مَحَالَةَ مَا دُمْنَا مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِنَا، وَمُدَافِعِينَ عَنْ أَوْطَانِنَا.

مَرَاجِعُ لِلِاسْتِزَادَةِ:

فَضَائِلُ مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ، ابْنُ يَعْقُوبَ الْكِنْدِيُّ.

حُسْنُ الْمُحَاضَرَةِ فِي أَخْبَارِ مِصْرَ وَالْقَاهِرَةِ، السُّيُوطِيُّ.

الْحَقُّ الْمُبِينُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ تَلَاعَبَ بِالدِّينِ، أُسَامَةُ الْأَزْهَرِيُّ.

 _____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى