أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة (الخطبة الثانية): تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ وَالتَّنْمِيَةُ البَشَرِيَّةُ ، للدكتور أحمد رمضان

رئيس التحرير الدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 4 ربيع الثاني 1447هـ، الموافق 26 سبتمبر 2025م

خطبة الجمعة (الخطبة الثانية) : تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ وَالتَّنْمِيَةُ البَشَرِيَّةُ، إعداد: رئيس التحرير الدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 4 ربيع الثاني 1447هـ، الموافق 26 سبتمبر 2025م.

 

لتحميل خطبة الجمعة (الخطبة الثانية) 26 سبتمبر 2025م بصيغة word بعنوان : تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ وَالتَّنْمِيَةُ البَشَرِيَّةُ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة.

لتحميل خطبة الجمعة (الخطبة الثانية) 26 سبتمبر 2025م بصيغة pdf بعنوان : تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ وَالتَّنْمِيَةُ البَشَرِيَّةُ ، للدكتور أحمد رمضان.

 

عناصر خطبة الجمعة (الخطبة الثانية) 26 سبتمبر 2025م بعنوان : تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ وَالتَّنْمِيَةُ البَشَرِيَّةُ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.

 

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ بَيْنَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّوَازُنِ الاجْتِمَاعِيِّ

العُنْصُرُ الثَّانِي: تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ وَأَثَرُهُ فِي التَّنْمِيَةِ وَالمُسْتَقْبَلِ

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: الرَّدُّ عَلَى الشُّبُهَاتِ وَالفِكْرِ الرَّافِضِ لِتَنْظِيمِ الأُسْرَةِ

 

ولقراءة خطبة الجمعة (الخطبة الثانية) 26 سبتمبر 2025م : تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ وَالتَّنْمِيَةُ البَشَرِيَّةُ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:

 

 تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ وَالتَّنْمِيَةُ البَشَرِيَّةُ

4 ربيع الثاني 1447هـ – 26 سبتمبر 2025م

إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الإِنْسانَ فَأَحْسَنَ خَلْقَهُ، وَأَجْرَى لَهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرِزْقِهِ، وَجَعَلَ لَهُ مِنَ الزَّوْجِيَّةِ سَكَنًا وَمَوَدَّةً وَرَحْمَةً، أَحْمَدُهُ سُبْحانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعْمَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ مَصالِحَ العِبادِ فِي شَرْعِهِ، وَهَدايَتَهُمْ فِي كِتابِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وَمَوْلانَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَدَّى الأَمانَةَ، وَبَلَّغَ الرِّسالَةَ، وَنَصَحَ الأُمَّةَ، وَكَشَفَ اللهُ بِهِ الغُمَّةَ، صَلَواتُ رَبِّنا وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ:

العناصر:

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ بَيْنَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّوَازُنِ الاجْتِمَاعِيِّ

العُنْصُرُ الثَّانِي: تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ وَأَثَرُهُ فِي التَّنْمِيَةِ وَالمُسْتَقْبَلِ

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: الرَّدُّ عَلَى الشُّبُهَاتِ وَالفِكْرِ الرَّافِضِ لِتَنْظِيمِ الأُسْرَةِ

فَيَا عِبادَ اللهِ، حَدِيثُنا اليَوْمَ عَنْ قَضِيَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَمَسْأَلَةٍ جَلِيلَةٍ تَمَسُّ حَياةَ المُجْتَمَعِ فِي أَساسِهِ وَمُسْتَقْبَلِهِ، عَنْ “تَنْظِيمِ الأُسْرَةِ وَالتَّنْمِيَةِ البَشَرِيَّةِ”، ذَلِكَ المَوْضوعُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِوُجُودِنا وَمُسْتَقْبَلِ أَوْلادِنا وَأُمَّتِنا.

وَما أَجْمَلَ ما قالَ الشَّاعِرُ فِي تَصْويرِ مَعْنَى التَّرْبِيَةِ وَالتَّنْمِيَةِ:

إذا الأُمَمُ الحَيَّةُ أَرْسَتْ دَعائِمًا *** فَإِنَّ الأُسَرَ الأَصِيلَةَ أَصْلُ البِنَاءِ

وَإِنَّ شُعُوبًا فِي الحَياةِ تَقَدَّمَتْ *** لَمْ تَبْلُغْ إِلَّا بِحُسْنِ الرِّعاءِ

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ بَيْنَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّوَازُنِ الاجْتِمَاعِيِّ

إِنَّ القُرْآنَ الكَريمَ قَدْ أَصَّلَ لِقاعِدَةٍ جَليلَةٍ تُفِيدُ أَنَّ الأُسْرَةَ مَناطُ التَّكْوينِ الإِنْسانِيِّ، وَأَساسُ المَجْتَمَعِ وَالعِمَارَةِ، قَالَ تَعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ [النحل: 72]. فَالأُسْرَةُ هِيَ المَصْدَرُ الأَوَّلُ لِلتَّنْشِئَةِ وَالرِّعايَةِ، وَالإِسْلامُ لَمْ يُرِدْ لِلإِنْسانِ أَنْ يَتَكَاثَرَ دُونَ ضابِطٍ، بَلْ شَرَعَ لَهُ ما يُساعِدُهُ عَلَى تَحْقِيقِ التَّوازُنِ بَيْنَ حُقوقِ الجَسَدِ وَالمُجْتَمَعِ.

وَقَدْ وَرَدَتْ نُصُوصٌ تُبَيِّنُ أَنَّ الكَثْرَةَ إِذا لَمْ تُرافِقْها القُوَّةُ وَالإِعْدادُ أَضْحَتْ ضَعْفًا، قَالَ تَعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60]. وَالقُوَّةُ هُنا تَشْمَلُ قُوَّةَ العَدَدِ وَالعُدَّةِ وَقُوَّةَ العَقْلِ وَالتَّرْبِيَةِ.

ثُمَّ جَاءَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ لِتُؤَكِّدَ المَعْنَى، فَعَن مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ، فَإِنِّي مُكاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ» [سنن أبي داود، كتاب النكاح، رقم 2050، والنسائي (3227) حسن.]. فَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَدْعُ إِلَى الكَثْرَةِ لِذَاتِها، بَلْ لِمَا يَتْرَتَّبُ عَلَيْها مِنْ قُوَّةِ الأُمَّةِ وَعِزَّتِها.

غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الكَثْرَةَ مَقْرُونَةٌ بِالحِكْمَةِ وَالتَّرْبِيَةِ وَحُسْنِ التَّنْشِئَةِ، وَهُوَ مَا يُفِيدُ مَفْهُومَ “التَّنْظيمِ” الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ العُلَماءُ لِلتَّعْبيرِ عَنِ التَّوازُنِ بَيْنَ طَاقَةِ الأُسْرَةِ وَحَاجاتِها.

وقد أشار بعض المفسرين إلى حكمة التدرج في التشريع وضبط أمور المعاش؛ فالله تعالى قال: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29]، وهذا أصل عام في الاقتصاد والتوازن، ويُقاس عليه في شأن الأسرة وعدد الأبناء.

مِنَ المَقاصِدِ الكُبْرَى لِلتَّشْرِيعِ الإِسْلامِيِّ حِفْظُ النَّسْلِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ بِكَثْرَةِ العَدَدِ فَقَطْ، بَلْ بِحُسْنِ التَّرْبِيَةِ وَرِعايَةِ الأَبْنَاءِ، وَتَجْهِيزِهِمْ لِيَكُونُوا أَعْضاءً صالِحِينَ فِي المُجْتَمَعِ. قَالَ تَعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النساء: 9]. فَالمَعْنَى أَنَّ المُؤْمِنَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي مَآلِ أَوْلادِهِ بَعْدَهُ، فَيُرَبِّيهِمْ عَلَى التَّقْوَى وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَيُوَفِّرَ لَهُم مَا يَحْمِيهِمْ مِنَ الضَّعْفِ وَالذُّلِّ.

وَفِي الحَديثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «كَفَى بِالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» [صحيح ابن حبان (4240)، أبو داود (1692)، وأحمد (6495) صحيح]. فَالتَّضْيِيعُ يَكُونُ بِتَرْكِ النَّفَقَةِ وَبِتَرْكِ التَّرْبِيَةِ مَعًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّكْثِيرَ بِغَيْرِ قُدْرَةٍ عَلَى الرِّعايَةِ وَالتَّرْبِيَةِ يَعُودُ بِالوَبالِ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ.

وَمِنْ هُنا نَفْهَمُ أَنَّ “تَنْظِيمَ الأُسْرَةِ” لَيْسَ مَعْنَاهُ مَنْعَ الوِلادَةِ أَوْ إِبْطالَ النَّسْلِ، إِنَّما مَقْصُودُهُ حُسْنُ التَّدْبِيرِ وَالتَّقْدِيرِ، بِحَيْثُ تَتَفَاعَلُ طاقَةُ الأُسْرَةِ مَعَ وَاقِعِها، وَتُوَفِّرُ لِكُلِّ وَلَدٍ حَقَّهُ مِنَ الرِّعايَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالحِفْظِ.

وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتْرُكُ مَالِي كُلَّهُ؟ قَالَ: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِياءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» [صحيح البخاري، كتاب الوصايا، رقم 2742]. فَانْظُرْ كَيْفَ قَدَّمَ النَّبِيُّ ﷺ مَصْلَحَةَ الوَرَثَةِ فِي حُسْنِ المَعَاشِ عَلَى الكَثْرَةِ بِلا إِعْدادٍ.

وَقَدْ جَرَى فِي سِيَرِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَكِّدُونَ عَلَى مَسْؤُولِيَّةِ الرِّعايَةِ قَبْلَ العَدَدِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الفاروقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُكَلِّفُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَعِيالَهُ مَا لَا يَسْتَطِيعُ» [مصنف ابن أبي شيبة، ج5، ص295، رقم 25316، صحيح]. إِذًا فَالمَقْصُودُ مِنَ التَّنْظِيمِ هُوَ حِفْظُ الأُسْرَةِ مِنَ التَّشَرْدِ وَالضَّياعِ، وَحِفْظُ المُجْتَمَعِ مِنَ التَّفَكُّكِ وَالعَجْزِ. وَهُوَ فَهْمٌ يُوافِقُ مَقاصِدَ الشَّرِيعَةِ فِي حِفْظِ النَّسْلِ وَالعَقْلِ وَالمَالِ وَالدِّينِ.

وَقَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ [الإسراء: 31] يَنْهَى عَنِ الوَأْدِ وَالتَّخَلُّصِ مِنَ المَوْلُودِ بَعْدَ وُجُودِهِ، أَمَّا التَّنْظِيمُ قَبْلَ الحَمْلِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّدْبِيرِ وَالأَخْذِ بِالأَسْبابِ، وَقَدْ فَعَلَ الصَّحابَةُ «العَزْلَ» وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَعَنْ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَالقُرْآنُ يَنْزِلُ» [صحيح البخاري، كتاب النكاح، رقم 5208].

فَإِقْرارُ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَنْظِيمِ الأُسْرَةِ بِشُرُوطِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ مُحَقَّقٌ، أَوْ نِيَّةُ قَطْعِ النَّسْلِ بِالكُلِّيَّةِ. وَفِي كُلِّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِسْلامَ دِينُ تَوَازُنٍ، يُرِيدُ لِلإِنْسانِ أُسْرَةً مُتَّزِنَةً، تَبْنِي وَتُعَمِّرُ، وَتُسَاهِمُ فِي صِناعَةِ التَّنْمِيَةِ.

وَقَدْ أَشَارَ القُرْآنُ الكَرِيمُ إِلَى مَعْنًى بَلِيغٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67]. فَهَذَا المِيزَانُ فِي الإِنْفَاقِ يَسْتَوْعِبُ حَيَاةَ الأُسْرَةِ كُلَّهَا، فَلَا إِسْرَافَ فِي الإِنْجَابِ حَتَّى تَتَزَاحَمَ الأَعْدَادُ عَلَى قُوتٍ قَلِيلٍ، وَلَا إِقْتَارَ بِحَدِّ تَعْطِيلِ السُّنَنِ الإِلَهِيَّةِ فِي التَّوَالُدِ، بَلْ هُوَ قَوَامٌ وَتَوَسُّطٌ.

وَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» [سنن الترمذي، كتاب الزهد، رقم 2346، ج4، ص574، حسن صحيح]. فَالمَقْصُودُ أَنَّ السَّعَادَةَ الحَقِيقِيَّةَ لَا تَكْمُنُ فِي الكَثْرَةِ الَّتِي تُورِثُ العَوَزَ وَالفَقْرَ، بَلْ فِي الاكْتِفَاءِ المُقْتَرِنِ بِالعَافِيَةِ وَالأَمْنِ وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ العَيْشُ بِكَثْرَةِ المَالِ وَالْوَلَدِ، وَلَكِنَّ العَيْشَ أَنْ تَكُونَ قَوِيًّا فِي دِينِكَ، غَنِيًّا فِي قَلْبِكَ» [الزهد للإمام أحمد، ج1، ص276، رقم 999، تحقيق زهير الشاويش، إسناده صحيح]. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الكَثْرَةَ فِي نَفْسِهَا لَا تُغْنِي عَنِ الإِنْسَانِ شَيْئًا، مَا لَمْ تُقْرَن بِحُسْنِ تَدْبِيرٍ وَرُشْدٍ فِي الحَيَاةِ.

وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الإِسْلَامَ جَعَلَ المَسْؤُولِيَّةَ الأُسَرِيَّةَ أَمَانَةً؛ فَقَالَ ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [صحيح البخاري، كتاب الجمعة، رقم 893، ج1، ص304]. فَالأَبُ رَاعٍ، وَالأُمُّ رَاعِيَةٌ، وَالمَسْؤُولِيَّةُ لَيْسَتْ فِي الإِنْجَابِ فَقَطْ، بَلْ فِي الرِّعَايَةِ وَالتَّأْدِيبِ وَالتَّهْيِئَةِ لِحَيَاةٍ كَرِيمَةٍ.

وَيَقُولُ الشَّاعِرُ فِي مَعْنًى قَرِيبٍ:  لَيْسَ الفَتَى بِكَثِيرِ مَنْ يَمْشِي مَعَهْ *** إِنَّ الفَتَى مَنْ يَسْتَقِيمُ وَيَنْتَفِعْ

العُنْصُرُ الثَّانِي: تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ وَأَثَرُهُ فِي التَّنْمِيَةِ وَالمُسْتَقْبَلِ

إِنَّ التَّنْمِيَةَ البَشَرِيَّةَ فِي مَعْنَاهَا العَمِيقِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ زِيادَةٍ فِي الدَّخْلِ أَوْ تَوَفُّرٍ فِي المَوَادِّ، بَلْ هِيَ قَبْلَ ذَلِكَ تَأْهِيْلُ الإِنْسَانِ وَتَسْلِيحُهُ بِالمَعْرِفَةِ وَالقِيمِ وَالمَهَارَاتِ الَّتِي تَجْعَلُهُ قَادِرًا عَلَى العَطَاءِ وَالإِبْدَاعِ. وَمِنْ هُنَا جَاءَ الرَّبْطُ البَلِيغُ بَيْنَ تَنْظِيمِ الأُسْرَةِ وَمَفْهُومِ التَّنْمِيَةِ البَشَرِيَّةِ؛ فَالأُسْرَةُ هِيَ المَعْمَلُ الأَوَّلُ الَّذِي يُصْنَعُ فِيهِ الإِنْسَانُ، وَمَا لَمْ تُحْسِنِ الأُسْرَةُ التَّدْبِيرَ وَالتَّنْظِيمَ ضَاعَتْ مَساعِي الدَّوْلَةِ وَالمُجْتَمَعِ فِي إِعْدادِ أَفْرَادٍ مُؤَهَّلِينَ لِلحَياةِ.

وَقَدْ أَشَارَ القُرْآنُ الكَرِيمُ إِلَى هَذَا البُعْدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، أَيْ طَلَبَ مِنْكُمُ العِمَارَةَ وَالتَّسْيِيرَ وَالتَّطْوِيرَ. وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِإِنْسَانٍ مُتَرَبٍّ تَرْبِيَةً صَالِحَةً، يَجِدُ حَقَّهُ مِنَ التَّعْلِيمِ وَالصِّحَّةِ وَالرِّعايَةِ. وَإِذَا زَادَ العَدَدُ عَلَى حَدٍّ لَا تَسْتَطِيعُ الأُسْرَةُ مَعَهُ أَنْ تُوَفِّرَ هَذِهِ الحُقُوقَ، تَعَطَّلَتِ التَّنْمِيَةُ وَتَأَخَّرَتِ الحَضارَةُ.

وَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى أَنَّ القُوَّةَ الحَقِيقِيَّةَ لَيْسَتْ فِي العَدَدِ المُجَرَّدِ، بَلْ فِي العَدَدِ المُؤَهَّلِ وَالمُتَرَبِّي؛ فَقَالَ ﷺ: «المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» [صحيح مسلم، ح 2664]. وَالمُرَادُ بِالقُوَّةِ هُنَا ـ كَمَا فَسَّرَ الإِمَامُ النَّوَوِي ـ قُوَّةُ العَزِيمَةِ وَالعِلْمِ وَالصَّبْرِ، لَا قُوَّةُ العَدَدِ فَقَطْ [شرح النووي على مسلم، ج16، ص207].

وَإِذَا نَظَرْنَا فِي سِيَرِ الأُمَمِ رَأَيْنَا أَنَّ كَثْرَةَ العَدَدِ مَعَ ضَعْفِ الإِعْدادِ لَمْ تُنْجِ أُمَّةً مِنَ الانْهِيارِ؛ فَقَدْ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ العَدَدِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا فَقَدُوا أَدَواتَ التَّرْبِيَةِ وَالقُدْوَةِ وَالتَّنْمِيَةِ سَاقَهُمُ التَّشَتُّتُ إِلَى الذُّلِّ. وَعَلَى النَّقِيضِ مِنْ ذَلِكَ، نَجِدُ أَنَّ الرَّعِيلَ الأَوَّلَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يَكُونُوا كَثْرَةً، وَلَكِنَّهُمْ بِحُسْنِ التَّرْبِيَةِ وَصِدْقِ الإِعْدادِ حَمَلُوا رَايَةَ الدِّينِ وَفَتَحُوا الآفَاقَ.

وَفِي أَثَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي لَا أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ مِثْلَ البَعِيرِ، إِنْ قِيدَ انْقَادَ، وَإِنْ أُطْلِقَ شَرَدَ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي أَهْلِهِ مُؤَدِّبًا» [مصنف ابن أبي شيبة، ج5، ص324، رقم 25505، إسناده صحيح]. وَهَذَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مِحْوَرَ التَّنْمِيَةِ الحَقِيقِيَّةِ هُوَ التَّأْدِيبُ وَالتَّرْبِيَةُ، وَلَيْسَ مُجَرَّدَ الإِنْجَابِ.

وَمِنْ بَابِ البَيَانِ البَلاغِيِّ يَقُولُ الشَّاعِرُ:

وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ *** فَإِنْ هُمُو ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا

فَكَيْفَ تُصْنَعُ الأَخْلاقُ وَالقِيَمُ فِي نُفُوسِ أَبْنَاءٍ لَمْ يَجِدُوا حُضُورًا وَلا رِعايَةً فِي أُسَرٍ مُتْخَمَةٍ بِالعَدَدِ، مَفْقُودَةٍ لِلتَّنْظِيمِ؟

إِنَّ المُسْلِمَ الحَقِيقِيَّ لَا يَنْظُرُ إِلَى الإِنْجَابِ نَظْرَةَ عَاطِفَةٍ آنِيَّةٍ فَقَطْ، بَلْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي ضَوْءِ المَسْؤُولِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالمُجْتَمَعِيَّةِ، فَالأَوْلَادُ نِعْمَةٌ وَأَمَانَةٌ، وَالمَطْلُوبُ لَيْسَ كَثْرَتَهُم فَقَطْ، بَلْ حُسْنُ تَرْبِيَتِهِم وَتَأْهِيلِهِم لِمُسْتَقْبَلٍ يَكُونُونَ فِيهِ قُوَّةً لِدِينِهِم وَأُمَّتِهِم. وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]. فَالتَّكْلِيفُ فِي الآيَةِ شَامِلٌ: يَتَضَمَّنُ الرِّعَايَةَ وَالحِفَاظَ وَالتَّأْدِيبَ وَالتَّعْلِيمَ.

وَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى هَذَا المَعْنَى العَظِيمِ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ: أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» [مسند أحمد، ج3، ص407، رقم 15409، إسناده حسن].

وَلِذَلِكَ أَكَّدَ العُلَمَاءُ أَنَّ تَنْظِيمَ الأُسْرَةِ لَيْسَ غَايَتُهُ تَقْلِيلَ النَّسْلِ لِنَفْسِهِ، بَلْ غَايَتُهُ تَحْقِيقُ حُسْنِ التَّرْبِيَةِ وَتَحْمِيلُ الأَبَوَيْنِ مَا يَقْدِرَانِ عَلَيْهِ. فَقَدْ قَالَ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ: «إِضَاعَةُ الأَوْلَادِ وَتَرْكُ تَأْدِيبِهِم وَتَرْبِيَتِهِم مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ شَقَاءِ الأَوْلَادِ وَالآبَاءِ جَمِيعًا» [تحفة المودود، ص229، طبعة دار عالم الفوائد].

وَلَمْ يَكُنِ الإِسْلَامُ يَنْهَى عَنِ الكَثْرَةِ، بَلْ يَحُثُّ عَلَيْهَا مَعَ القُدْرَةِ وَالطَّاقَةِ؛ فَقَدْ قَالَ ﷺ: «تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ» [سنن أبي داود، حسن]. لَكِنَّ هَذِهِ الكَثْرَةَ لَا تَكُونُ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا، بَلْ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِالتَّرْبِيَةِ وَالعِنَايَةِ.

فَالمُجْتَمَعُ الَّذِي يُفَرِّخُ أَعْدَادًا هَائِلَةً دُونَ أَنْ يُؤَهِّلَهُمْ، كَمَنْ يَغْرِسُ بُذُورًا كَثِيرَةً فِي تُرْبَةٍ فَقِيرَةٍ، فَتَخْرُجُ نَبَاتَاتٌ ضَعِيفَةٌ لَا تُثْمِرُ وَلَا تُقَاوِمُ الرِّيَاحَ. بَيْنَمَا الَّذِي يُحْسِنُ اخْتِيَارَ عَدَدٍ يَسِيرٍ، وَيُوَفِّرُ لَهُم التَّرْبِيَةَ وَالتَّعْلِيمَ وَالصِّحَّةَ، فَإِنَّهُ كَمَنْ يَغْرِسُ أَشْجَارًا قَلِيلَةً وَلَكِنَّهَا مَتِينَةٌ مُثْمِرَةٌ.

وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِذَا الأُمَّةُ ارْتَضَتِ التَّرْبِيَةْ *** سَتَجْنِي ثِمَارًا وَفْرَةً غَنِيَّةْ

وَإِنْ هَمَلَتْ أَصْبَحَ الأَطْفَالُ *** عِبْئًا ثَقِيلًا يُورِثُ البَلايَا وَالرَّزِيَّةْ

وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ تَنْظِيمَ الأُسْرَةِ هُوَ مَدْخَلٌ لِبِنَاءِ مُسْتَقْبَلٍ رَاسِخٍ، وَأَنَّهُ أَحَدُ أَهَمِّ أَسْبَابِ التَّنْمِيَةِ البَشَرِيَّةِ وَالتَّقَدُّمِ الاجْتِمَاعِيِّ.

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: الرَّدُّ عَلَى الشُّبُهَاتِ وَالفِكْرِ الرَّافِضِ لِتَنْظِيمِ الأُسْرَةِ

إِنَّ مَوْضُوعَ تَنْظِيمِ الأُسْرَةِ قَدْ أَثَارَ جَدَلًا كَبِيرًا فِي المُجْتَمَعَاتِ، بَيْنَ مَنْ يَرَاهُ حَاجَةً مَصْلَحِيَّةً وَمَطْلَبًا شَرْعِيًّا، وَبَيْنَ مَنْ يَرَاهُ تَحَدِّيًا لِلتَّوَجُّهَاتِ الدِّينِيَّةِ. وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ العِلْمِيَّ وَالنَّظَرَ الفِقْهِيَّ يُبَيِّنُ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى هَذِهِ الشُّبُهَاتِ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ وَاضِحٍ.

أَوَّلًا: شُبْهَةُ مُخَالَفَةِ التَّنْظِيمِ لِلتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ

يَقُولُ بَعْضُهُم: إِنَّ تَنْظِيمَ الأُسْرَةِ مُنَافٍ لِلتَّوَكُّلِ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ الرَّازِقُ. وَالحَقُّ أَنَّ هَذَا الفَهْمَ قَاصِرٌ، فَالإِسْلَامُ جَعَلَ التَّوَكُّلَ قَرِينًا لِلأَخْذِ بِالأَسْبَابِ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» [سنن الترمذي، كتاب الزهد، رقم 2344، ج4، ص573، تحقيق بشار عواد معروف، وقال: حسن صحيح]. وَالطَّيْرُ لَمْ تَجْلِسْ فِي أَعْشَاشِهَا تَنْتَظِرُ الرِّزْقَ، بَلْ سَعَتْ وَأَخَذَتْ بِالأَسْبَابِ. كَذَلِكَ الأُسْرَةُ تُنَظِّمُ إِنْجَابَهَا لِتَتَمَكَّنَ مِنَ الرِّعَايَةِ وَالتَّرْبِيَةِ.

ثَانِيًا: شُبْهَةُ أَنَّ التَّنْظِيمَ تَحَدٍّ لِقَوْلِهِ ﷺ: «تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ”.

وَالحَقُّ أَنَّ الحَدِيثَ يَدْعُو إِلَى الوِلادَةِ وَالكَثْرَةِ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى التَّرْبِيَةِ وَالإِعَالَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ إِلْزَامٌ بِالطَّاقَةِ المُفْرِطَةِ الَّتِي تُورِثُ العَجْزَ وَالضَّعْفَ. وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ الشَّاطِبِيُّ: «إِنَّ التَّكْلِيفَ مَبْنِيٌّ عَلَى القُدْرَةِ، وَأَيُّ تَكْلِيفٍ يُفْضِي إِلَى العَجْزِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ شَرْعًا» [الموافقات، ج2، ص8، دار المعرفة].

ثَالِثًا: شُبْهَةُ أَنَّ التَّنْظِيمَ يُقَلِّلُ عَدَدَ المُسْلِمِينَ

وَالحَقُّ أَنَّ الكَثْرَةَ المَقْصُودَةَ هِيَ الكَثْرَةُ القَوِيَّةُ المُؤَهَّلَةُ، لَا الكَثْرَةُ العَاجِزَةُ. فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: 60]. فَالقُوَّةُ مَقْصُودَةٌ، وَالقُوَّةُ لَا تَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالتَّرْبِيَةِ وَالتَّأْهِيلِ وَحُسْنِ التَّخْطِيطِ.

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ: إِنَّ أُمَّتَنَا اليَوْمَ تُعَانِي مِنْ مُفَارَقَةٍ كَبِيرَةٍ بَيْنَ الكَثْرَةِ فِي العَدَدِ وَالقِلَّةِ فِي الأَثَرِ، فَصَارَتْ – كَمَا وَصَفَ النَّبِيُّ ﷺ – «غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ» [سنن أبي داود، 4297، صحيح]. أَعْدَادٌ هَائِلَةٌ، وَلَكِنْ بِلا قُوَّةٍ، وَجُمُوعٌ غَفِيرَةٌ، وَلَكِنْ بِلا تَأْثِيرٍ.

قَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلَيْسَ الفَخْرُ بِالْجَمْعِ الكَثِيرِ *** إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَلْبٌ نَبِيلُ

وَإِنَّمَا الفَخْرُ رِجَالٌ صُدُوقٌ *** إِذَا دَعَتِ الأُمَّةُ قَامُوا يَصُولُوا

رَابِعًا: شُبْهَةُ أَنَّ التَّنْظِيمَ مَفْرُوضٌ مِنَ الغَرْبِ

وَالإِسْلَامُ يُقِرُّ المَصْلَحَةَ أَيْنَمَا وَجَدَتْ، مَا دَامَتْ لَا تُخَالِفُ النُّصُوصَ. وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ: «إِنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا عَلَى الحِكَمِ وَالمَصَالِحِ لِلعِبَادِ فِي المَعَاشِ وَالمَعَادِ» [إعلام الموقعين، ج3، ص11، دار الكتب العلمية]. فَإِذَا كَانَ تَنْظِيمُ الأُسْرَةِ يُحَقِّقُ مَصْلَحَةً وَيَدْفَعُ مَفْسَدَةً، فَهُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، وَلَا يُضِرُّ أَنَّ الغَرْبَ يُنَادِي بِهِ.

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ: بَعْدَ أَنْ طُفْنَا فِي رُبُوعِ هَذَا المَوْضُوعِ الجَلِيلِ – تَنْظِيمِ الأُسْرَةِ وَالتَّنْمِيَةِ البَشَرِيَّةِ – تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّهُ لَيْسَ دَعْوَةً عَابِرَةً وَلَا فِكْرًا دَخِيلًا، بَلْ هُوَ جُزْءٌ مِنْ فِقْهِ الوَاقِعِ، وَأَصْلٌ فِي مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، لِتَحْقِيقِ مَصْلَحَةِ العِبَادِ وَحِفْظِ المُجْتَمَعِ وَتَقْوِيَةِ الأُمَّةِ.

فَتَنْظِيمُ الأُسْرَةِ لَيْسَ تَقْلِيلًا لِلنَّسْلِ، وَلَا إِضْعَافًا لِلأُمَّةِ، بَلْ هُوَ رِعَايَةٌ مُتَزِنَةٌ، وَتَخْطِيطٌ حَكِيمٌ، يَجْمَعُ بَيْنَ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ. وَبِهِ تَتَحَقَّقُ التَّنْمِيَةُ، وَتَقْوَى المَجَامِعُ البَشَرِيَّةُ، وَتُصَانُ حُرْمَةُ الأُسْرَةِ وَكَرَامَتُهَا.

يَقُولُ الشَّاعِرُ:

وَلَيْسَ العِزُّ فِي كَثْرَةٍ وَجُمُوعٍ *** وَلَكِنَّهُ فِي التَّرْبِيَةِ الرَّاسِخَةِ القَوِيَّةْ

فَأُسْرَةٌ تُرَبِّي فَتًى صَالِحًا *** خَيْرٌ مِنَ العَدَدِ الكَثِيرِ بِغَيْرِ هُدْيٍ وَلا قِيَمٍ عَلِيَّةْ

اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي أَوْلَادِنَا، وَاحْفَظْهُمْ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَاهْدِهِمْ سُبُلَ الرَّشَادِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ.

المراجع: القرآن الكريم

كتب الحديث: صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، سنن ابن ماجه، سنن الترمذي (الجامع الكبير)، مسند أحمد، المعجم الكبير للطبراني، سنن النسائي، مصنف ابن أبي شيبة.

ثالثًا: كتب التفسير وشروح الحديث وغيرهما: تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، إحياء علوم الدين للغزالي، شرح مسلم للنووي، مناقب الشافعي للبيهقي، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي، إعلام الموقعين لابن القيم، الموافقات للشاطبي، تحفة المودود لابن القيم ، الزهد للإمام أحمد.

د. أحمد رمضان

 

خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير: الدكتور أحمد رمضان

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وأيضا للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وكذلك للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

-كذلك للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

وأيضا للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى