خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر : اليَقِينُ ، للدكتور محروس حفظي
اليَقِينُ ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 4 ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 26 سبتمبر 2025م

خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م بعنوان : اليَقِينُ ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 4 ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 26 سبتمبر 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الرسول المعلم ﷺ .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : اليَقِينُ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : اليَقِينُ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
عناصر خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م بعنوان : اليَقِينُ ، للدكتور محروس حفظي :
(١) “الإلْحَادُ” فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ.
(٢) أَضْرَارُ الإلْحَادِ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ.
(٣) الأَسْبَابُ النَّفْسِيَّةُ لِلإلْحَادِ.
(٤) الأَسْبَابُ الفِكْرِيَّةُ لِلإلْحَادِ.
(٥) طُرُقُ مُوَاجَهَةِ وَمُعَالَجَةِ الإلْحَادِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 26 سبتمبر 2025م بعنوان: اليقين ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
اليَقِينُ
بِتَارِيخِ 4 رَبِيعِ الثَّانِي 1447 ه = المُوَافِقِ 27 سِبْتَمْبَر 2025 م
الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ، وَيُكَافِىءُ مَزِيدَهُ، لَكَ الحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ، وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلَانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ ،،،
(١) “الإلْحَادُ” فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ:
وَرَدَ لَفْظُ الإلْحَادِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ فِي “أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ” هِيَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: ١٨٠]، وَقَوْلُهُ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} [النحل: ١٠٣]، وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: ٢٥]، وَقَوْلُهُ {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يُخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت: ٤٠].
قَالَ الرَّاغِبُ الأَصْفَهَانِيُّ: (“الإلْحَادُ” ضَرْبَانِ: إِلْحَادٌ إِلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَإِلْحَادٌ إِلَى الشِّرْكِ بِالأَسْبَابِ، فَالأَوَّلُ: يُنَافِي الإيمَانَ وَيُبْطِلُهُ، وَالثَّانِي: يُوْهِنُ عُرَاهُ وَلَا يُبْطِلُهُ، وَ”الإلْحَادُ فِي أَسْمَائِهِ” عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوصَفَ بِمَا لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِهِ، وَالثَّانِي: أَنْ يُتَأَوَّلَ أَوْصَافُهُ عَلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ). اهـ [المفردات فِي غَرِيبِ القُرْآنِ ص ٧٣٧].
فِي العَصْرِ الحَالِي: “الإلْحَادُ”: “مَذْهَبٌ فَلْسَفِيٌّ يَقُومُ عَلَى فِكْرَةِ إِنْكَارِ وُجُودِ الخَالِقِ، وَأَنَّ المَادَّةَ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَاعْتِبَارُ تَغَيُّرَاتِ الكَوْنِ قَدْ تَمَّتْ بِالمُصَادَفَةِ، أَوْ بِمُقْتَضَى طَبِيعَةِ المَادَّةِ وَقَوَانِينِهَا، وَاعْتِبَارُ ظَاهِرَةِ الحَيَاةِ، وَمَا تَسْتَتْبِعُ مِنْ شُعُورٍ وَفِكْرٍ عِنْدَ الإِنْسَانِ، مِنْ أَثَرِ التَّطَوُّرِ الذَّاتِيِّ فِي المَادَّةِ”. [كَوَاشِفُ زُيُوفٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ المِيدَانِيُّ].
(٢) أَضْرَارُ الإلْحَادِ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ:
اخْتِلَالُ الأَمْنِ وَالسَّلَامِ فِي المُجْتَمَعِ العَالَمِيِّ، وَاصْطِدَامُ مُؤَسَّسَاتِ الدَّوْلَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَهَدْمُ النِّظَامِ الأُسَرِيِّ، وَانْتِشَارُ الانْحِلَالِ الأَخْلَاقِيِّ، وَمِنْ ثَمَّ انْتِشَارُ الجَرَائِمِ فِي المُجْتَمَعَاتِ.
القَلَقُ وَالحَيْرَةُ، وَالاضْطِرَابُ، وَالصِّرَاعُ النَّفْسِيُّ، وَالخَوْفُ مِنَ المُسْتَقْبَلِ، وَتَغْلِيبُ الأَنَانِيَّةِ، وَالنَّزْعَةِ الفَرْدِيَّةِ لَدَى المُلحِدِينَ.
(٣) الأَسْبَابُ النَّفْسِيَّةُ لِلإلْحَادِ:
الشَّائِعَاتُ، وَالمَعْلُومَاتُ المَغْلُوطَةُ وَأَثَرُهَا فِي تَعْزِيزِ رَفْضِ الإيمَانِ: كَالاِدِّعَاءِ بِأَنَّ الدِّينَ يُحَرِّضُ عَلَى العُنْفِ وَالإرْهَابِ، وَإِثْبَاتِ أَنَّ المُجْتَمَعَاتِ المُتَدَيِّنَةَ حَالُهَا أَسْوَأُ مِنَ الشُّعُوبِ العَلْمَانِيَّةِ اللَّادِينِيَّةِ، وَتَحْرِيفِ النُّصُوصِ لِخَلْقِ حَالَةٍ مِنَ التَّعَارُضِ بَيْنَ الدِّينِ، وَالحَقَائِقِ العِلْمِيَّةِ، مِمَّا يُثِيرُ الشَّكَّ تِجَاهَ الدِّينِ وَتَعَالِيمِهِ، وَبِالتَّالِي يَسْهُلُ قَبُولُ الأَفْكَارِ الإلْحَادِيَّةِ.
الأَزَمَاتُ النَّفْسِيَّةُ نَتِيجَةَ الابْتِلَاءَاتِ الَّتِي تَحُلُّ بِالإِنْسَانِ، فَتَجْعَلُهُ عُرْضَةً لِلإلْحَادِ؛ وَذَلِكَ لِفَقْدِهِ طَبِيعَةَ العَلَاقَةِ بَيْنَ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ، وَجَهْلِهِ الحِكْمَةَ مِنْ وُجُودِ الشُّرُورِ فِي الكَوْنِ.
التَّطَرُّفُ، وَالجُمُودُ الدِّينِيُّ: كَثِيرًا مِمَّنْ أَلْحَدُوا كَانَ إلحَادُهُمْ رِدَّةَ فِعْلٍ نَفْسِيَّةٍ مِنَ التَّشَدُّدِ الدِّينِيِّ لَدَى بَعْضِ الجَمَاعَاتِ الإِرْهَابِيَّةِ الَّتِي تَتَّخِذُ الدِّينَ سِتَارًا؛ لِتَبْرِيرِ جَرَائِمِهَا فَأَدَّى بِهِمْ إِلَى النُّفُورِ الكُلِّيِّ مِنَ الدِّينِ وَالتَّدَيُّنِ مَعًا.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: “لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا العِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ وَعَنْ عُلَمَائِهِمْ وَأُمَنَائِهِمْ، فَإِذَا أَخَذُوهُ مِنْ أَصَاغِرِهِمْ، وَشِرَارِهِمْ هَلَكُوا”. [حِلْيَةُ الأَوْلِيَاءِ، وَطَبَقَاتُ الأَصْفِيَاءِ].
ضَعْفُ الإيمَانِ، وَالفَرَاغُ الرُّوحِيُّ: الإلْحَادُ قَدْ يُصَادِفُ قَلْبًا خَاوِيًا فَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ، فَالقَلْبُ يَمْرَضُ كَالجَسَدِ عِنْدَ نَقْصِ المَنَاعَةِ، فَيَكُونُ قَابِلًا لِلإصَابَةِ بِالفَيْرُوسَاتِ، وَالأَمْرَاضِ الفَتَّاكَةِ؛ فَعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُعْرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ عَرْضَ الحَصِيرِ، فَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَصِيرَ القَلْبُ عَلَى قَلْبَيْنِ أَبْيَضَ مِثْلَ الصَّفَا، لَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرِ أَسْوَدَ مُرْبَدٍّ كَالكُوزِ مُجَخِّيًا ـ وَأَمَالَ كَفَّهُ ـ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالبَزَّارُ].
غِيَابُ القُدْوَةِ الصَّالِحَةِ، وَالتَّنْشِئَةُ الخَاطِئَةُ: فَالوَلَدُ يَفْقِدُ مَنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ لِيَجْعَلَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ دِينِهِ، وَانْعِدَامُ القُدْوَةِ سَوَاءٌ فِي الأُسْرَةِ أَوِ المَدْرَسَةِ أَوِ الجَامِعَةِ، فَأَقَلُّ شُبْهَةٍ تُلَامِسُ عَقْلَهُ سَتَنْحَدِرُ بِهِ فِي هَاوِيَةِ الإلْحَادِ، وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ تَرْكُ دِينِهِ لِأَيِّ سَبَبٍ.
الفَقْرُ وَالبَطَالَةُ: تُشِيرُ الإحْصَاءَاتُ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الَّذِينَ سَلَكُوا “الإلْحَادَ” كَانَ نَتِيجَةَ فَقْرِهِمْ، وَعَجْزِهِمْ عَنْ تَحْصِيلِ قُوتِهِمْ؛ وَلِذَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِمَا لَهُ مِنْ أَثَرٍ سَلْبِيٍّ عَلَى النَّفْسِ وَالمُجْتَمَعِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالهَرَمِ، وَالمَغْرَمِ وَالمَأْثَمِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الفَقْرِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
الرَّغْبَةُ الجَامِحَةُ فِي الشَّهَوَاتِ، وَالتَّفَلُّتُ مِنْ قُيُودِ الدِّينِ: فَلَا حَلَالَ وَلَا حَرَامَ، وَلَا رَقِيبَ وَلَا حِسَابَ، وَلَا «تَأْنِيبُ الضَّمِيرِ» وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِ “الإلْحَادِ المَادِّيِّ النَّفْعِيِّ”، فَيَرَى أَنَّ الإلَهَ يَقِفُ عَقَبَةً أَمَامَ غَايَاتِهِ المَادِّيَّةِ البَحْتَةِ.
(٤) الأَسْبَابُ الفِكْرِيَّةُ لِلإلْحَادِ:
ضَعْفُ العِلْمِ، وَالثَّقَافَةِ الدِّينِيَّةِ الصَّحِيحَةِ: فِي ظِلِّ الانْفِتَاحِ الثَّقَافِيِّ، وَتَعَدُّدِ وَسَائِلِ العَوْلَمَةِ، وَثَوْرَةِ التَّقْنِيَّاتِ الحَدِيثَةِ، أَصْبَحَتِ الأُمِّيَّةُ الدِّينِيَّةُ خَطَرًا عَظِيمًا، أَدَّتْ إِلَى سُرْعَةِ انْتِشَارِ المَعْلُومَاتِ، صَحِيحِهَا، وَسَقِيمِهَا، وَقَدْ يُصَادِفُ الإلْحَادُ عَقْلًا فَارِغًا، فَيَفْتِكُ بِهِ، وَيَقَعُ الشَّابُّ نَتِيجَةَ فَقْدَانِ المَنَاعَةِ العِلْمِيَّةِ ضَحِيَّةً لِأَفْكَارِ الإلْحَادِ.
ظُهُورُ الشُّبُهَاتِ العِلْمِيَّةِ المُرْتَبِطَةِ بِنَظَرِيَّاتِ العِلْمِ الحَدِيثِ: وَعِظَمُ المَوَاقِعِ المَشْبُوهَةِ الَّتِي يَدْعَمُهَا كِبَارُ المُلحِدِينَ عَلَى الشَّبَكَةِ العَنْكَبُوتِيَّةِ وَالَّتِي تَدَّعِي نُصْرَةَ المَظْلُومِينَ وَتُبَثُّ ضِمْنَ ذَلِكَ مَا شَاءَتْ مِنْ أَفْكَارٍ إلحَادِيَّةٍ عَلَى الذَّاتِ العَلِيَّةِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ.
تَسَاؤُلَاتٌ تَبْحَثُ عَنْ إِجَابَاتٍ مُقْنِعَةٍ، وَرُدُودُ فِعْلٍ تَكْبِتُ وَتُعَنِّفُ، وَعَدَمُ التَّرْحِيبِ بِالاخْتِلَافِ فِي الرَّأْيِ، وَمَنْعُ الحِوَارِ سَبَبُ رِدَّةِ فِعْلٍ لَدَى الكَثِيرِ أَدَّتْ إِلَى الانْخِلَاعِ عَنِ الدِّينِ.
قُصُورُ الخِطَابِ الدِّينِيِّ: فِي ظِلِّ كَثْرَةِ المَقَاهِي الثَّقَافِيَّةِ الَّتِي تُرَوِّجُ لِلثَّقَافَةِ الإلحَادِيَّةِ، وَعَدَمِ وُجُودِ مُنَافِسٍ لَهَا؛ نَجِدُ أَنَّ مُعْظَمَ المُتَصَدِّرِينَ لِلْخِطَابِ الدِّينِيِّ يَعْتَمِدُونَ عَلَى الوَعْظِ وَالإِرْشَادِ، وَأَدَاءِ الخُطَبِ الرَّنَّانَةِ المُتَكَرِّرَةِ، دُونَ احْتِضَانِ مَا يَشْغَلُ بَالَ الشَّبَابِ مِنْ أَفْكَارٍ، وَشُبُهَاتٍ تَطَرَّأُ عَلَى السَّاحَةِ كُلَّ سَاعَةٍ مَعَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥]، وَ«الحِكْمَةُ»: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ السَّلِيمِ، وَلَعَلَّ مِنَ «الحِكْمَةِ» أَنْ نُحَدِّثَ النَّاسَ بِمَا يُنَاسِبُهُمْ وَوَاقِعَهُمْ وَمُشْكِلَاتِهِمْ وَمُسْتَوَيَاتِهِمْ وَآلَامِهِمْ وَآمَالِهِمْ، فَلَا يَكُونَ الخِطَابُ مُنْفَصِلًا عَنْهُمْ مَعَ الحِفَاظِ عَلَى الثَّوَابِتِ الدِّينِيَّةِ.
(٥) طُرُقُ مُوَاجَهَةِ وَمُعَالَجَةِ الإلْحَادِ:
أَوَّلًا: التَّعْلِيمُ، وَالتَّثْقِيفُ الدِّينِيُّ:
تَقْدِيمُ مَعْرِفَةٍ صَحِيحَةٍ مُقْنِعَةٍ عَنِ الدِّينِ: وَالدَّفْعُ بِقُوَّةٍ عَلَى صَفَحَاتِ “الإِنْتَرْنِتِ” لِنَشْرِ الوَعْيِ، وَإِعَادَةِ تَشْغِيلِ مَصَانِعِ الحَضَارَةِ فِي عَقْلِ الإِنْسَانِ بِحَيْثُ يُحَوِّلُ آيَاتِ القُرْآنِ إِلَى مَرَاصِدَ فَلَكِيَّةٍ، وَمَدَارِسَ تَعْلِيمٍ لِرِعَايَةِ الإِنْسَانِ.
بَيَانُ أَنَّ الدِّينَ يَحْمِي الإِنْسَانَ مِنَ “الانْتِحَارِ”، وَالتَّعَاسَةِ، وَالقَلَقِ وَالاضْطِرَابِ، فَفِي دِرَاسَةٍ حَدِيثَةٍ قَامَ بِهَا د/ جُوسْ مَانُوِيل، وَالبَاحِثَةُ/ “أَلِيسَانْدْرَا فْلِيشْمَان”، وَهِيَ دِرَاسَةٌ عِلْمِيَّةٌ شَامِلَةٌ اسْتَنَدُوا إِلَى مَرَاجِعِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ المُوَثَّقَةِ، بَيَّنَتْ أَنَّ المُلحِدِينَ وَاللَّادِينِيِّينَ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ يَأْسًا وَإِحْبَاطًا، وَتَفَكُّكًا وَتَعَاسَةً!!! وَهُمْ أَعْلَى نِسَبِ الانْتِحَارِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ المُتَدَيِّنِينَ.
الرَّدُّ عَلَى الشُّبُهَاتِ وَالشُّكُوكِ بِأُسْلُوبٍ عِلْمِيٍّ هَادِئٍ: وَتَجْدِيدُ وَسَائِلِ وَأَسَالِيبِ الدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّ الوُقُوفَ مَكْتُوفِي الأَيْدِي دُونَ أَنْ نَتَجَشَّمَ عَنَاءَ مُوَاكَبَةِ التَّحَدِّيَاتِ بَاعِثٌ عَلَى الفُتُورِ وَالمَلَلِ، وَدَلِيلٌ عَلَى انْطِمَاسِ البَصِيرَةِ، وَيُعَدُّ أَكْبَرَ إِفْلَاسٍ لَدَى القَائِمِينَ عَلَيْهَا.
ضَرُورَةُ رَبْطِ الإيمَانِ بِالعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَبَيَانُ أَنَّ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا وَثِيقَةٌ، وَلَيْسَ هُنَاكَ أَيُّ تَعَارُضٍ بَيْنَهُمَا؛ فَالقُرْآنُ عَرَضَ الكَثِيرَ مِنَ الحَقَائِقِ العِلْمِيَّةِ المَبْثُوثَةِ فِي هَذَا الكَوْنِ، وَكَذَا “البَرَاهِينُ العَقْلِيَّةُ”، فَيُمْكِنُ الرَّدُّ بِهَا عَلَى الَّذِينَ يُنْكِرُونَ “وُجُودَ اللَّهِ”: مِنْ ذَلِكَ: “المَاءُ وَاحِدٌ، وَالأَرْضُ وَاحِدَةٌ، وَالنَّبَاتُ مُخْتَلِفُ الأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: ٤].
وَقَدْ أَجَابَ الأَعْرَابِيُّ “الأَصْمَعِيُّ” بِدَلَالَةِ “الأَثَرِ عَلَى المُؤَثِّرِ”: «بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: البَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى البَعِيرِ، وَآثَارُ الأَقْدَامِ تَدُلُّ عَلَى المَسِيرِ، فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ، أَلَا تَدُلُّ عَلَى اللَّطِيفِ الخَبِيرِ».
الدَّلَائِلُ المَبْثُوثَةُ فِي النَّفْسِ وَالكَوْنِ وَالمَخْلُوقَاتِ يَكَادُ لَهَا أَثْبَتُ القُلُوبِ يَهِيمُ فَيَطِيرُ، وَأَبْلَغُ الطُّغَاةِ فِي أَفْنَانِ رُوحِهَا يَتَدَلَّهُ وَيَحِيرُ؛ فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: ٣٥-٣٦]، قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ». [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].
اسْتِثَارَةُ كَوَامِنِ الفِطْرَةِ الدَّاخِلِيَّةِ فِي الإِنْسَانِ: بِحَيْثُ تَتَبَنَّى لِجَانَاتٌ تَوْصِيفَ المُقَرَّرَاتِ فِي المُؤَسَّسَاتِ التَّعْلِيمِيَّةِ تَدْرِيسَ “الدِّينِ” بِصُورَةٍ يَشْعُرُ فِيهَا الإِنْسَانُ بِمَحَبَّةِ الخَالِقِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَفْطُورٌ عَلَى الإيمَانِ بَيْنَمَا البِيئَةُ تُؤَثِّرُ فِيهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: «{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠]». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
قَالَ الإِمَامُ الغَزَالِيُّ: (كُلُّ قَلْبٍ هُوَ بِالفِطْرَةِ صَالِحٌ لِمَعْرِفَةِ الحَقَائِقِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ رَبَّانِيٌّ شَرِيفٌ، فَارَقَ سَائِرَ جَوَاهِرِ العَالَمِ بِهَذِهِ الخَاصِّيَّةِ وَالشَّرَفِ، وَإِلَيْهِ الإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ} [الأحزاب: ٧٢]، وَتِلْكَ الأَمَانَةُ هِيَ المَعْرِفَةُ وَالتَّوْحِيدُ، وَقَلْبُ كُلِّ آدَمِيٍّ مُسْتَعِدٌّ لِحَمْلِ الأَمَانَةِ، وَمُطِيقٌ لَهَا فِي الأَصْلِ، وَلَكِنْ يُثَبِّطُهُ عَنِ النُّهُوضِ بِأَعْبَائِهَا، وَالوُصُولِ إِلَى تَحْقِيقِهَا الأَسْبَابُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا). اهـ [إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ].
ثَانِيًا: الحِوَارُ البَنَّاءُ، وَالتَّوَاصُلُ مَعَ كَافَّةِ أَطْيَافِ المُجْتَمَعِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الآتِي:
إِنْشَاءُ مَرْصَدٍ عَالَمِيٍّ يَعْنِي بِتَعْزِيزِ الحِوَارِ وَالنِّقَاشِ مَعَ المُلحِدِينَ، يُشْرِفُ عَلَيْهِ ثُلَّةٌ مِنْ كَافَّةِ التَّخَصُّصَاتِ حَتَّى الطِّبِّيَّةِ؛ ـ إِذْ مَنْ يَمِيلُ إِلَى الإلْحَادِ قَدْ يَكُونُ مَرِيضًا نَفْسِيًّا ـ مَعَ طَرْحِ مُبَادَرَاتٍ لِلْوُصُولِ إِلَى نِقَاطِ الخِلَافِ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النِّسَاءِ: ٨٣]، بِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ سُنَّةُ التَّدَافُعِ ـ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهِ القُرْآنُ ـ مِنْ أَجْلِ الحِفَاظِ عَلَى مُقَوِّمَاتِ نَهْضَةِ البَشَرِيَّةِ.
يَجِبْ عَلَى العُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ النُّزُولُ إِلَى الشَّارِعِ، وَالتَّوَاصُلُ مَعَ الشَّبَابِ عَلَى “الشَّبَكَةِ العَنْكَبُوتِيَّةِ”، وَإِزَالَةُ الحَوَاجِزِ الَّتِي تَتَرَدَّدُ فِي عُقُولِهِمْ؛ وَذَلِكَ بِالإِجَابَةِ عَلَى الأَسْئِلَةِ الَّتِي تَشْغَلُ فِكْرَهُمْ (سَوَاءٌ تَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ الإِلَهِيَّةِ، المَوْتِ، القَضَاءِ وَالقَدَرِ… إِلْخ)، وَمَدِّ جُسُورِ التَّوَاصُلِ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ ـ غَالِبًا ـ مَا يَلْجَئُونَ إِلَى طَرْحِهَا لَدَى غَيْرِ المُؤَهَّلِينَ عِلْمِيًّا، وَقَدْ يَقُودُهُمْ ذَلِكَ لِلإلْحَادِ.
قَالَ الإِمَامُ الغَزَالِيُّ: (وَمَهْمَا أَشْكَلَ عَلَى العَبْدِ ذَلِكَ، وَأَظْلَمَتِ الوَاقِعَةُ، فَلَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ، فَيَتَفَكَّرْ فِي ذَلِكَ بِنُورِ العِلْمِ، وَيَسْتَعِيذْ بِاللَّهِ مِنْ مَكْرِ الشَّيْطَانِ بِوَاسِطَةِ الهَوَى، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الاجْتِهَادِ، وَالفِكْرِ بِنَفْسِهِ، فَيَسْتَضِيءَ بِنُورِ عُلَمَاءِ الدِّينِ، وَلْيَفِرَّ مِنَ العُلَمَاءِ المُضِلِّينَ المُقْبِلِينَ عَلَى الدُّنْيَا فِرَارَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ بَلْ أَشَدَّ؛ فَالقُلُوبُ المُظْلِمَةُ بِحُبِّ الدُّنْيَا، وَشِدَّةِ الشَّرَهِ، وَالتَّكَالُبِ عَلَيْهَا مَحْجُوبَةٌ عَنْ نُورِ اللَّهِ). أ.ه. [إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ].
اتَّبَعَتِ السُّنَّةُ مَنْهَجًا فَرِيدًا فِي الإِفْسَاحِ لِلأَسْئِلَةِ الَّتِي تَتَرَدَّدُ فِي الصُّدُورِ كَيْ تَخْرُجَ إِلَى حَيِّزِ الوُجُودِ، فَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَرَدَّدُ فِي أَذْهَانِهِمْ أَسْئِلَةٌ حَوْلَ بَعْضِ القَضَايَا العَقَدِيَّةِ أَوِ التَّشْرِيعِيَّةِ لَكِنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَقْمَعْ هَذِهِ الأَسْئِلَةَ؛ كَيْ لَا تَظَلَّ حَبِيسَةَ النُّفُوسِ ثُمَّ يُرْشِدَهُمْ إِلَى الجَوَابِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِمَّا سَيَقَعُ مِنْ أُمَّتِهِ؛ لِيُحَذِّرَهُمْ مِنْهُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ” [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]؛ وَرِوَايَاتُ الحَدِيثِ أَمَرَتْ صَاحِبَ الوَسْوَسَةِ بِالِانْتِهَاءِ، وَالِاسْتِعَاذَةِ، وَلَمْ تَأْمُرِ المَسْئُولَ بِرَفْضِ السُّؤَالِ، أَوِ الإِعْرَاضِ عَنْهُ وَعَدَمِ الإِجَابَةِ عَلَيْهِ.
قَالَ الإِمَامُ ابْنُ بَطَّالٍ: (إِنَّ هَذَا السُّؤَالَ: “مَنْ خَلَقَ اللَّهَ”: لَا يَنْشَأُ إِلَّا عَنْ جَهْلٍ مُفْرِطٍ، فَإِنَّ المُوَسْوِسَ إِنْ قَالَ: مَا المَانِعُ أَنْ يَخْلُقَ الخَالِقُ نَفْسَهُ؟ قِيلَ لَهُ: هَذَا يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ لِأَنَّكَ أَثْبَتَّ خَالِقًا، وَأَوْجَبْتَ وُجُودَهُ، ثُمَّ قُلْتَ: يَخْلُقُ نَفْسَهُ، فَأَوْجَبْتَ عَدَمَهُ، وَالجَمْعُ بَيْنَ كَوْنِهِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا فَاسِدٌ لِتَنَاقُضِهِ؛ لِأَنَّ الفَاعِلَ يَتَقَدَّمُ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِ فِعْلِهِ، فَيَسْتَحِيلُ كَوْنُ نَفْسِهِ فِعْلًا لَهُ). [فَتْحُ البَارِي].
قَالَ الإِمَامُ الخَطَّابِيُّ: (كَلَامٌ مُتَهَافِتٌ يَنْقُضُ آخِرُهُ أَوَّلَهُ؛ لِأَنَّ الخَالِقَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا ثُمَّ لَوْ كَانَ السُّؤَالُ مُتَوَجِّهًا لَاسْتَلْزَمَ التَّسَلْسُلَ وَهُوَ مُحَالٌ، وَقَدْ أَثْبَتَ العَقْلُ أَنَّ المُحْدَثَاتِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى مُحْدِثٍ، فَلَوْ كَانَ هُوَ مُفْتَقِرًا إِلَى مُحْدِثٍ لَكَانَ مِنَ المُحْدَثَاتِ). أ.ه. [فَتْحُ البَارِي].
أَمَّا التَّرَاشُقُ وَالتَّجْرِيحُ؛ فَإِنَّ هَذَا يُغَذِّي ظَاهِرَةَ الإلْحَادِ، وَنَعُودُ مَرَّةً أُخْرَى لِمَنْهَجِ القُرْآنِ الكَرِيمِ قَالَ سُبْحَانَهُ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٥٩].
اسْتِخْدَامُ الأَدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ، وَالنَّقْلِيَّةِ مَعًا: ضَرُورَةُ قِرَاءَةِ الفَلْسَفَةِ المُعَاصِرَةِ، وَفَهْمُ سِيَاقَاتِ الاسْتِدْلَالِ الإلْحَادِيِّ، وَإِعْدَادُ فَرِيقٍ مِنَ الدُّعَاةِ وَالمُفَكِّرِينَ، وَتَدْرِيبُهُمْ، وَصَقْلُهُمْ عِلْمِيًّا وَعَقْلِيًّا عَلَى فُنُونِ الجَدَلِ وَالمُنَاظَرَةِ؛ إِذْ “الفِكْرُ لَا يُحَارَبُ إِلَّا بِالفِكْرِ”، وَإِظْهَارُ جَوَانِبِ الإِعْجَازِ العِلْمِيِّ وَالتَّشْرِيعِيِّ وَالمَقَاصِدِيِّ فِي الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ؛ إِذِ القُرْآنُ الكَرِيمُ يَسَعُ كُلَّ الأَذْوَاقِ البَشَرِيَّةِ، فَمَنْ يَسْتَقْرِئْ آيَاتِهِ يَجِدْ أَنَّهَا تَنَاوَلَتْ مَنَاهِجَ ثَلَاثَةً هِيَ: «المَنْهَجُ العَاطِفِيُّ، وَالعَقْلِيُّ، وَالحِسِّيُّ التَّجْرِيبِيُّ»، وَهَذِهِ المَنَاهِجُ وَسِيلَةٌ مُهِمَّةٌ لاسْتِمَالَةِ قُلُوبِ الشَّبَابِ فِي ظِلِّ عَالَمٍ مَادِّيٍّ تَحْتَاجُ البَشَرِيَّةُ فِيهِ إِلَى عَاصِمٍ يَعْصِمُهَا مِنَ الفَرَاغِ الرُّوحِيِّ، وَالتَّدَنِّي الأَخْلَاقِيِّ، فَتِلْكَ الجَوَانِبُ الإِعْجَازِيَّةُ تُظْهِرُ وَسَطِيَّةَ الإِسْلَامِ الَّذِي يُوَازِنُ بَيْنَ مُتَطَلَّبَاتِ الجَسَدِ وَالرُّوحِ، فَعُقُولُ الشَّبَابِ اليَوْمَ أَصْبَحَتْ لَا يُنَاسِبُهَا المَقَالَاتُ الوَعْظِيَّةُ، وَالرُّدُودُ العَشْوَائِيَّةُ، وَصَدَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ حِينَ مَا قَالَ: «مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
ثَالِثًا: تَقْوِيَةُ اليَقِينِ بِاللَّهِ، وَالقُدْوَةِ الحَسَنَةِ:
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: “قَامَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَامٍ فَقَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامِي عَامَ الأَوَّلِ فَقَالَ: «سَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطَ عَبْدٌ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنَ العَافِيَةِ»” [رَوَاهُ أَحْمَدُ].
قَالَ الإِمَامُ الغَزَالِيُّ: (وَأَشَارَ بِـ”اليَقِينِ”: إِلَى عَافِيَةِ القَلْبِ عَنْ مَرَضِ الجَهْلِ وَالشَّكِّ، فَعَافِيَةُ القَلْبِ أَعْلَى مِنْ عَافِيَةِ البَدَنِ، وَأَوَّلُ مَقَامَاتِ الدِّينِ “اليَقِينُ” الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهَذَا “اليَقِينُ” بِالضَّرُورَةِ يُهِيجُ الخَوْفَ مِنَ النَّارِ، وَالرَّجَاءَ فِي الجَنَّةِ، وَالرَّجَاءُ وَالخَوْفُ يُقَوِّيَانِ عَلَى الصَّبْرِ، فَإِنَّ الجَنَّةَ قَدْ حُفَّتْ بِالمَكَارِهِ، فَلَا يَصْبِرُ عَلَى تَحَمُّلِهَا إِلَّا بِقُوَّةِ الرَّجَاءِ، وَالنَّارُ قَدْ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَلَا يَصْبِرُ عَلَى قَمْعِهَا إِلَّا بِقُوَّةِ الخَوْفِ). أ.ه. [إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ].
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «اليَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ»، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لَا يَبْلُغُ العَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ» [صَحِيحُ البُخَارِيِّ].
إِظْهَارُ القِيَمِ الأَخْلَاقِيَّةِ عَمَلِيًّا دَاخِلَ الأُسْرَةِ وَالمُجْتَمَعِ: وَتَرْبِيَةُ الأَوْلَادِ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ، وَعَلَى الفَضَائِلِ، وَرَبْطُهُمْ بِالْوَاقِعِ المُحِيطِ بِهِمْ حَتَّى يُصْبِحُوا شَخْصِيَّةً قَوِيَّةً لَا تَجْعَلُ مِنَ الإلْحَادِ مُبَرِّرًا لِلِاسْتِسْلَامِ لِلْهَوَى مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ «لَوْ» تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ». [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: (وَالْمُرَادُ بِـ”القُوَّةِ” هُنَا: عَزِيمَةُ النَّفْسِ، وَالقَرِيحَةُ فِي أُمُورِ الآخِرَةِ، فَيَكُونُ صَاحِبُ هَذَا الوَصْفِ أَكْثَرَ إِقْدَامًا عَلَى العَدُوِّ، وَأَسْرَعَ خُرُوجًا إِلَيْهِ، وَذَهَابًا فِي طَلَبِهِ، وَأَشَدَّ عَزِيمَةً فِي الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الأَذَى فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَاحْتِمَالِ المَشَاقِّ فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَأَرْغَبَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالأَذْكَارِ وَسَائِرِ العِبَادَاتِ، وَأَنْشَطَ طَلَبًا لَهَا وَمُحَافَظَةً عَلَيْهَا) أ.ه.
وَهَذَا مَا رَبَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الرَّعِيلَ الأَوَّلَ؛ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ].
غَرْسُ هَذِهِ القِيَمِ يَجْعَلُ الشَّابَّ مُتَمَسِّكًا بِعَقِيدَتِهِ، فَلَا تُزَلْزِلُهُ أَبْوَاقُ الإلْحَادِ، وَيُوْلِدُ لَدَيْهِ حِصَانَةً تَجْعَلُهُ قَادِرًا عَلَى صَدِّ الشُّبُهَاتِ.
بَيْنَ “اليَقِينِ” وَ”الإلْحَادِ”: المُؤْمِنُ يُوقِنُ بِآيَاتِ اللهِ الكَوْنِيَّةِ، وَالتَّشْرِيعِيَّةِ، وَيُصَدِّقُ الغَيْبَ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البَقَرَةُ: ٣].
قَالَ ابْنُ عَاشُورٍ: (وَخُصَّ بِالذِّكْرِ الإِيمَانُ بِالغَيْبِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الإِيمَانَ بِالغَيْبِ هُوَ الأَصْلُ فِي اعْتِقَادِ إِمْكَانِ مَا تُخْبِرُ بِهِ الرُّسُلُ عَنْ وُجُودِ اللهِ، وَالعَالَمِ العُلْوِيِّ، فَإِذَا آمَنَ بِهِ المَرْءُ تَصَدَّى لِسَمَاعِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ، وَلِلنَّظَرِ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللهِ ـ تَعَالَى ـ فَسَهُلَ عَلَيْهِ إِدْرَاكُ الأَدِلَّةِ، وَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ وَرَاءِ عَالَمِ المَادِّيَّاتِ عَالَمٌ آخَرُ، فَقَدْ رَاضَ نَفْسَهُ عَلَى الإِعْرَاضِ عَنِ الدَّعْوَةِ، كَمَا هُوَ حَالُ المَادِّيِّينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: {مَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجَاثِيَةُ: ٢٤]). أ.هْ [التَّحْرِيرُ وَالتَّنْوِيرُ].
رَابِعًا: المَسْؤُولِيَّةُ الجَمَاعِيَّةُ:
دَوْرُ العُلَمَاءِ، وَالمُرَبِّينَ، وَأَهْلِ الإِعْلَامِ فِي تَوْعِيَةِ المُجْتَمَعِ: مِنْ خِلَالِ تَقْدِيمِ دِرَاسَاتٍ وَبُحُوثٍ أَكَادِيمِيَّةٍ تَتَكَاتَفُ فِيهَا جَمِيعُ المُؤَسَّسَاتِ بِحَيْثُ تَتَنَاوَلُ رُدُودَ العُلَمَاءِ عَلَى الشُّبُهَاتِ المُثَارَةِ حَوْلَ الإِسْلَامِ، وَالتَّرْكِيزِ عَلَى إِظْهَارِ القِيَمِ الجَمَالِيَّةِ فِي القُرْآنِ، وَرَبْطِهَا بِالعَقِيدَةِ، وَالتَّعَاوُنِ مَعَ المُنْصِفِينَ فِي المُجْتَمَعَاتِ الغَرْبِيَّةِ بِحَيْثُ نُوَاجِهَ الإلْحَادَ بِكُلِّ وَسَائِلِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْتَمِدَ تِلْكَ الأَعْمَالُ عَلَى الحُجَّةِ العَقْلِيَّةِ لَا النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَطْ؛ لِتَنْفُذَ إِلَى عَقْلِ المُخَاطَبِ وَوِجْدَانِهِ مَعًا.
ضَرُورَةُ تَنَاوُلِ القَضَايَا الشَّائِكَةِ، وَالمُثَارَةِ عَلَى السَّاحَةِ بِنَوْعٍ مِنَ الجِدِّ وَالمُثَابَرَةِ، وَإِيجَادِ أَجْوِبَةٍ شَافِيَةٍ، وَفَعَّالَةٍ حَتَّى لَا يُتْرَكَ الإِنْسَانُ يَسِيرُ وَفْقَ هَوَاهُ، وَشَهْوَتِهِ الَّتِي قَدْ تُشْعِرُهُ بِفَوْضَى قَانُونِ الغَابِ.
قَالَ الإِمَامُ الغَزَالِيُّ: (وَإِنَّمَا حَقُّ العَوَامِّ أَنْ يُؤْمِنُوا، وَيُسَلِّمُوا، وَيَشْتَغِلُوا بِعِبَادَتِهِمْ، وَمَعَايِشِهِمْ، وَيَتْرُكُوا العِلْمَ لِلْعُلَمَاءِ، فَالعَامِّيُّ لَوْ يَزْنِي وَيَسْرِقْ كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي العِلْمِ، فَإِنَّهُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي اللهِ، وَفِي دِينِهِ مِنْ غَيْرِ إِتْقَانِ العِلْمِ وَقَعَ فِي الكُفْرِ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي، كَمَنْ يَرْكَبُ لُجَّةَ البَحْرِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ السِّبَاحَةَ). أ.هْ [إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ].
تَجَنُّبُ التَّعَصُّبِ، وَالجُمُودِ الَّذِي يُبْعِدُ النَّاسَ عَنِ الدِّينِ، وَمُجَادَلَتُهُمْ بِالحِكْمَةِ وَالرِّفْقِ: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النَّحْلُ: ١٢٥]، وَمُنَاقَشَةُ أَفْكَارِهِمْ وَلَوْ بَدَتْ هَشَّةً ضَعِيفَةً، وَعَدَمُ الِاسْتِخْفَافِ بِهَا، أَوِ ازْدِرَاءِ مُتَبَنِّيهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى فِئَةٍ غَيْرِ قَلِيلَةٍ مِنَ الشَّبَابِ.
جَمَالُ الأَدَاءِ فِي عَرْضِ الأَفْكَارِ لَهُ تَأْثِيرٌ قَوِيٌّ عَلَى النَّفْسِ، وَلَوْ شُعُورِيًّا؛ وَلِذَا أَمَرَ اللهُ سَيِّدَنَا مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ أَنْ يَنْهَجَ هَذَا النَّهْجَ مَعَ أَعْتَى طَاغِيَةٍ عَرَفَهُ تَارِيخُ البَشَرِيَّةِ فَقَالَ: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طَهْ: ٤٤].
انْتِقَاءُ عَدَدٍ مِنَ الكُتُبِ الفِقْهِيةِ، وَالعِلْمِيَّةِ: لِتَرْجَمَتِهَا إِلَى لُغَاتِ العَالَمِ وِفْقَ مَعَايِيرَ عَالِيَةِ الجَوْدَةِ، يُمْكِنُ مِنْ خِلَالِهَا تَقْدِيمُ صُورَةٍ صَحِيحَةٍ عَنِ الإِسْلَامِ، وَصَلَاحِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى حَلِّ مُشْكِلَاتِ البَشَرِيَّةِ، وَيُمْكِنُ أَيْضًا إِضَافَةُ مُقَرَّرٍ دِرَاسِيٍّ يُعْنَى بِـ”القِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ وَالجَمَالِيَّةِ فِي الأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ”.
خَامِسًا: تَسْلِيطُ الضَّوْءِ إِعْلَامِيًّا عَلَى القَوَاسِمِ المُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ السَّابِقَةِ، وَالإِعْلَاءِ مِنْ شَأْنِ الأَنْسَاقِ المُتَّفِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَاقِي الحَضَارَاتِ؛ إِذْ هُنَاكَ قَوَاسِمُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الجَمِيعِ كَالعَدْلِ وَالمُسَاوَاةِ وَالحُرِّيَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالِاحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ، وَمَدِّ يَدِ العَوْنِ لِلْمُحْتَاجِينَ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].
قَالَ الإِمَامُ القَسْطَلَّانِيُّ: (مَعْنَى الحَدِيثِ أَنَّ حَاصِلَ أَمْرِ النُّبُوَّةِ، وَالغَايَةَ القُصْوَى مِنَ البَعْثَةِ الَّتِي بُعِثُوا جَمِيعًا لِأَجْلِهَا، دَعْوَةُ الخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَةِ الحَقِّ، وَإِرْشَادُهُمْ إِلَى مَا بِهِ يَنْتَظِمُ مَعَاشُهُمْ، وَيَحْسُنُ مَعَادُهُمْ، فَهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي هَذَا الأَصْلِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفَارِيعِ الشَّرْعِ الَّتِي هِيَ كَالْمُوصِّلَةِ المُؤَدِّيَةِ، وَالأَوْعِيَةِ الحَافِظَةِ لَهُ؛ فَعَبَّرَ عَمَّا هُوَ الأَصْلُ المُشْتَرَكُ بَيْنَ الكُلِّ بِالأَبِ، وَنَسَبَهُمْ إِلَيْهِمْ، وَعَبَّرَ عَمَّا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنَ الأَحْكَامِ، وَالشَّرَائِعِ المُتَفَاوِتَةِ بِالصُّوَرِ المُتَقَارِبَةِ فِي الغَرَضِ بِالأُمَّهَاتِ). أ.هْ [إِرْشَادُ السَّارِي].
سَادِسًا: العِنَايَةُ بِالصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ لِلَّذِينَ يُعَانُونَ مِنْ أَمْرَاضٍ تَدْفَعُهُمْ لِلإلْحَادِ، وَمُسَاعَدَتُهُمْ عَلَى تَجَاوُزِهَا، لَا أَنْ نُعَنِّفَهُمْ أَوْ نُنَبِّذَهُمْ، مَعَ المُحَافَظَةِ عَلَى الأَذْكَارِ، وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} [الرَّعْدُ: ٢٨].
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ القُلُوبَ تَصْدَأُ، كَمَا يَصْدَأُ الحَدِيدُ إِذَا أَصَابَهُ المَاءُ»، «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا جِلَاؤُهَا؟ قَالَ: كَثْرَةُ ذِكْرِ المَوْتِ، وَتِلَاوَةُ القُرْآنِ». [رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِي “شُعَبِ الإِيمَانِ”].
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ العَمَلِ، وَفَضْلَ القَبُولِ، إِنَّهُ أَكْرَمُ مَسْؤُولٍ، وَأَعْظَمُ مَأْمُولٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ بَلَدَنَا مِصْرَ سَخَاءً رَخَاءً، أَمْنًا أَمَانًا، سِلْمًا سَلَامًا وَسَائِرَ بِلَادِ العَالَمِينَ، وَأَنْ يُوَفِّقَ وُلَاةَ أُمُورِنَا لِمَا فِيهِ نَفْعُ البِلَادِ وَالعِبَادِ.
كُتِبَهُ: الفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ الحَنَّانِ المَنَّانِ د/ مَحْرُوسٌ رَمَضَانُ حِفْظِي عَبْدُ العَالِ
مُدَرِّسُ التَّفْسِيرِ وَعُلُومِ القُرْآنِ كُلِّيَّةُ أُصُولِ الدِّينِ وَالدَّعْوَةِ – أَسْيُوطُ
_____________________________________
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف