خطبة الجمعة بعنوان : إنَّ من الشجر شجرةً لا يَسقطُ ورقُها، للدكتور خالد بدير
إنَّ من الشجرةِ شجرةً لا يَسقطُ ورقُها، بتاريخ 28 صفر 1447 هـ ، الموافق 22 أغسطس 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : إنَّ من الشجر شجرةً لا يَسقطُ ورقُها، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 28 صفر 1447 هـ ، الموافق 22 أغسطس 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 22 أغسطس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إنَّ من الشجر شجرةً لا يَسقطُ ورقُها:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 أغسطس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إنَّ من الشجر شجرةً لا يَسقطُ ورقُها ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 أغسطس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إنَّ من الشجر شجرةً لا يَسقطُ ورقُها، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 22 أغسطس 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : إنَّ من الشجر شجرةً لا يَسقطُ ورقُها : كما يلي:
أولًا: تنميةُ الفكرِ بالسؤالِ في السنةِ النبويةِ.
ثانيًا: أوجُهُ الشبهِ والنفعِ بينَ المؤمنِ والنخلةِ.
ثالثًا: وسائلُ تنميةِ الفكرِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 22 أغسطس 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : إنَّ من الشجر شجرةً لا يَسقطُ ورقُها: كما يلي:
خطبةٌ بعنوان: إِنَّ مِن الشَّجرِ شجَرةً لا يسقُطُ ورقُهَا.
28 صفر 1447هـ – 22 أغسطس 2025م
المـــوضــــــــــوعُ
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أولًا: تنميةُ الفكرِ بالسؤالِ في السنةِ النبويةِ.
للعقلِ منزلةٌ كبيرةٌ في الإسلامِ، فهو مِن أعظمِ الفروقِ بينَ الإنسانِ والحيوانِ، ويكفِي الإشارةُ إلى أهميةِ “العقلِ” في كتابِ اللهِ أنّ مادةَ (عَقَلَ) تكررتْ بجميعِ مُشتقاتِهَا حوالِي سبعينَ مرةً، ناهيكَ عن الآياتِ التي تتصلُ بالعملياتِ العقليةِ كالتفكرِ والتأملِ والتدبرِ والنظرِ بتمعنٍ في آياتِ اللهِ في الأنفسِ والآفاقِ، والتي لا يمكنُ حصرَهَا مِن كثرَتِهَا في كتابِ اللهِ تعالَى.
ولأهميةِ العقلِ والتفكرِ، كانَ الرسولُ ﷺ في دعوتِه يوجهُ الرسالةَ الدعويةَ في كثيرٍ مِن أحاديثِهِ عن طريقِ السؤالِ لتنميةِ الفكرِ البنَّاءِ، وتغذيةِ العقلِ، مِن ذلكَ ما رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟» فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هِيَ النَّخْلَةُ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ: «لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا» (متفق عليه). «قَالَ الْعُلَمَاءُ وَشَبَّهَ النَّخْلَةَ بِالْمُسْلِمِ فِي كَثْرَةِ خَيْرِهَا وَدَوَامِ ظِلِّهَا وَطِيبِ ثَمَرِهَا وَوُجُودِهِ عَلَى الدَّوَامِ، فَإِنَّهُ مِنْ حِينِ يَطْلُعُ ثَمَرُهَا لايزال يُؤْكَلُ مِنْهُ حَتَّى يَيْبَسَ، وَبَعْدَ أَنْ يَيْبَسَ يُتَّخَذُ مِنْهُ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْ خَشَبِهَا وَوَرَقِهَا وَأَغْصَانِهَا، فَيُسْتَعْمَلُ جُذُوعًا وَحَطَبًا وَعِصِيًّا وَمَخَاصِرَ وَحُصْرًا وَحِبَالًا وَأَوَانِيَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ آخِرُ شَيْءٍ مِنْهَا نَوَاهَا وَيُنْتَفَعُ بِهِ عَلَفًا لِلْإِبِلِ، ثُمَّ جَمَالُ نَبَاتِهَا وَحُسْنُ هَيْئَةِ ثَمَرِهَا، فَهِي مَنَافِعُ كُلُّهَا وَخَيْرٌ وَجَمَالٌ، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ خَيْرٌ كُلُّهُ مِنْ كَثْرَةِ طَاعَاتِهِ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ، وَيُوَاظِبُ عَلَى صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَذِكْرِهِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ، وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ » (شرح النووي على مسلم).
فالرسولُ ﷺ كثيرًا ما كانَ يستخدمُ هذا الأسلوبَ في دعوتِهِ، نحو: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» (متفق عليه)، «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» (البخاري)، «أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟» (مسلم)، «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟»، (مسلم). «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» (مسلم)، «أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟» (مسلم). وغيرُ ذلكَ كثيرٌ.
فالدعوةُ عن طريقِ السؤالِ هي أسلوبٌ دعويٌّ يعتمدُ على طرحِ الأسئلةِ لإثارةِ التفكيرِ وتشجيعِ الآخرينَ على الاستكشافِ والتعلمِ، وتهدفُ هذه الطريقةُ إلى تحفيزِ المشاركةِ الفعالةِ وتوليدِ الحوارِ بدلاً مِن التلقينِ المباشرِ.
” قالَ المهلبُ: معنَى طرحِ المسائلِ على التلاميذِ لترسخَ في القلوبِ وتثبتَ؛ لأنَّ ما جرَى منهُ في المذاكرةِ لا يكادُ يُنسَى” (شرح ابن بطال على البخاري).
ثانيًا: أوجُهُ الشبهِ والنفعِ بينَ المؤمنِ والنخلةِ.
هناكَ أوجهٌ للشبهِ والنفعِ متعددةٌ وكثيرةٌ بينَ المؤمنِ والنخلةِ:
منهَا: كثرةُ الخيراتِ في كلِّ حينٍ: قالَ تعالَى عن النخلةِ:{ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا }. (إبراهيم: 24 ، 25)، يقولُ ابنُ كثيرٍ: ” إِنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُؤْمِنِ، وَقَوْلِهِ الطَّيِّبِ، وَعَمَلِهِ الصَّالِحِ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ كَالشَّجَرَةِ مِنَ النَّخْلِ، لَا يَزَالُ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ فِي كُلِّ حِينٍ وَوَقْتٍ، وَصَبَاحٍ وَمَسَاءٍ” (تفسير ابن كثير)، وفي وصفِ النخلةِ يقولُ ﷺ: « تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلَا تَحُتُّ وَرَقَهَا » (البخاري). وقالَ ابنُ القيِّمِ عن النخلةِ: «طِيبُ ثمرتِهَا وحلاوتِهَا وعمومُ المنفعةِ بهَا، كذلكَ المؤمنُ طيِّبُ الكلامِ طيِّبُ العملِ، فيهِ المنفعةُ لنفسِهِ ولغيرِهِ.» (مفتاح دار السعادة)
ومنهَا: عمومُ النفعِ في الحياةِ وبعدَ المماتِ: يقولُ ابنُ حجرٍ في شرحِ حديثِ النخلةِ: « وَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَصْلَ دِينِ الْمُسْلِمِ ثَابِتٌ وَأَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنَ الْعُلُومِ وَالْخَيْرِ قُوتٌ لِلْأَرْوَاحِ مُسْتَطَابٌ، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ مَسْتُورًا بِدِينِهِ وَأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِكُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ حَيًّا وَمَيِّتًا» (فتح الباري لابن حجر). وعندَ الطبرانِيِّ بسندٍ حسنٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ، مَا أَخَذْتَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ نَفَعَكَ».
فالنخلةُ يُنتفَعُ بجميعِ أجزائِهَا (كالثمرِ، الجذعِ، السعفِ، الليفِ)، وكذلكَ المؤمنُ نافعٌ للناسِ بعلمِهِ، وخُلقِهِ، ودعوتِهِ، كمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” أحَبُّ النَّاسِ إِلَى الله أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ” (الطبراني بسند حسن).
فالنخلةُ نافعةٌ في حياتِهَا وبعدَ قطعِهَا ومماتِهَا وكذلكَ المؤمنُ، وهذا معنَى قولِ الرسولِ ﷺ: ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ” (الترمذي وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ). ويحضرُنِي قولُ الإمامِ الشافعِيِّ رحمَهُ اللهُ: قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهُم…وعاشَ قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ.
ومنها: قوةُ التحملِ والصبرِ الشديدِ: فعَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» (مسلم)، وعن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ : «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ، تُفِيئُهَا الرِّيحُ، تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى، حَتَّى تَهِيجَ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَى أَصْلِهَا، لَا يُفِيئُهَا شَيْءٌ، حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً» (متفق عليه). ” قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ كَثِيرُ الْآلَامِ فِي بَدَنِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ وَذَلِكَ مُكَفِّرٌ لِسَيِّئَاتِهِ وَرَافِعٌ لِدَرَجَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَقَلِيلُهَا وَإِنْ وَقَعَ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يُكَفِّرْ شَيْئًا مِنْ سَيِّئَاتِهِ، بَلْ يَأْتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كاملة» (شرح النووي على مسلم). ويقولُ ابنُ القيِّمِ: ” إنَّ النَّخلةَ أصبرُ الشجرِ على الرياحِ والجَهْدِ، وغيرُهَا مِن الدَّوْحِ العِظامِ تمُيلُهَا الرِّيحُ تارةً، وتَقْلَعُهَا تارةً، وتَقْصِفُ أفنانَهَا، ولا صبرَ لكثيرٍ منهَا على العطشِ كصبرِ النَّخلةِ، فكذلكَ المؤمنُ صبورٌ على البلاءِ لا تُزَعْزِعُهُ الرياحُ” (مفتاح دار السعادة).
ومنها: طولُ العمرِ وزيادُةُ الخيرِ: فقد سُئِلَ ﷺ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: ” مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ “، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: ” مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَسَاءَ عَمَلُهُ “(الترمذي وقال: حسن صحيح). يقولُ ابنُ القيِّمِ: «النخلةُ كلَّمَا طالَ عمرُهَا ازْدَادَ خَيرُهَا وجادَ ثَمَرُهَا، وَكَذَلِكَ الْمُؤمنُ إِذا طَالَ عمرُهُ ازْدَادَ خَيرُهُ وَحَسُنَ عملُهُ» (مفتاح دار السعادة)
ومنها: طهارةُ القلبِ: فطهارةُ قلبِ المؤمنِ طريقٌ إلى الجنةِ، قالَ تعالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} (الحجر: 47). وفي قلبِ المؤمنِ يقولُ الرسولُ ﷺ: ” هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ , لَا إِثْمَ فِيهِ , وَلَا بَغْيَ , وَلَا غِلَّ , وَلَا حَسَدَ ” ( ابن ماجة بإسناد صحيح). ويقولُ ابنُ القيِّمِ: « إنَّ قَلبَ النخلةِ مِن أطيبِ الْقُلُوبِ وأحلاهُ، وَهَذَا أمْرٌ خُصّتْ بِهِ دونَ سَائِرِ الشّجرِ، وَكَذَلِكَ قلبُ الْمُؤمنِ مِن أطيبِ الْقُلُوبِ » «مفتاح دار السعادة).
ثالثًا: وسائلُ تنميةِ الفكرِ.
هناكَ عدةُ وسائلَ لتنميةِ الفكرِ وتغذيةِ العقلِ بالعلمِ والفكرِ النقدِي الصحيحِ البنَّاءِ:
منها: الْقِرَاءَةُ الْمُنْتَقَاةُ وَصُحْبَةُ الْعُلَمَاءِ: ولا سيَّمَا أنَّ أوّلَ ما نزلَ مِن القرآنِ هو قولُهُ تعالَى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العَلَق: ١]. كمَا أنَّ صحبةَ أهلِ العلمِ شرفٌ ومنفعةٌ، قَالَ ﷺ: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ» (متفق عليه). ورويَ أنَّ ابنَ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهمَا كَانَ يُلَازِمُ كِبَارَ الصَّحَابَةِ يَتَعَلَّمُ مِنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: «كَيْفَ بَلَغْتَ هَذَا الْعِلْمَ وَأَنْتَ شَابٌّ؟» فَقَالَ: «بِلِسَانٍ سَؤُولٍ، وَقَلْبٍ عَقُولٍ» (مقدمة تفسير الطبري).
وهذَا أبُو هريرةَ كَانَ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ مُلَازَمَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَقَالَ: «كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَلْءَ بَطْنِي» (البخاري).
إِنَّ الْقِرَاءَةَ الْمُنْتَقَاةَ تُغَذِّي الْفِكْرَ، وَصُحْبَةَ الْعُلَمَاءِ تُصْقِلُ الْعُقُولَ، فَمَنْ جَلَسَ فِي رِيَاضِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَهَلَ مِنْ مَعِينِ الْعُلَمَاءِ، حَيِيَ قَلْبُهُ، وَقَوِيَ فِكْرُهُ، وَتَرَبَّى عَلَى النُّورِ الَّذِي بِهِ تُبْنَى الْحَضَارَاتُ وَتُصَانُ الْأُمَّةُ.
ومنها: التَّدَبُّرُ فِي الْقُرْآنِ وَآيَاتِ الْكَوْنِ: قالَ تعالَى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يُونُس: ١٠١]. وقالَ جلَّ شأنُهُ: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذَّارِيَات: ٢٠-٢١].
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَقْرَأُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حَتَّى بَكَى، وَقَالَ: “وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا» (ابن حبان بسند صحيح).
ويقولُ ابْنُ الْقَيِّمِ: «التَّفَكُّرُ فِي خَلْقِ اللَّهِ يُورِثُ الْعِلْمَ، وَيُحْيِي الْإِيمَانَ، وَيُعَمِّقُ الْفِكْرَ» (مِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ).
إِنَّ التَّفَكُّرَ فِي الْقُرْآنِ وَآيَاتِ الْكَوْنِ مِفْتَاحٌ لِتَجْدِيدِ الْفِكْرِ، فَمَنْ جَعَلَ الْكَوْنَ كِتَابًا مَفْتُوحًا، وَالْقُرْآنَ دَسْتُورًا لِلتَّأَمُّلِ، ارْتَقَى قَلْبُهُ، وَنَمَا عَقْلُهُ، وَصَارَ فِكْرُهُ حَيًّا نَابِضًا بِالْإِيمَانِ.
ومنها: إِثَارَةُ الْعُقُولِ بِالسُّؤَالِ وَالْحِوَارِ: فالسؤالُ وسيلةٌ عظيمةٌ مِن وسائلِ إثارةِ الانتباهِ وترسيخِ الفهِم في الذاكرةِ، وهذا ما سلكَهُ سيدُنَا جبريلُ عليهِ السلامُ في حديثِ السؤالِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي آخِرِهِ: «هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» (مسلم). وفي ذلكَ يقولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا: «بِسُؤَالِكَ يَنْمُو عِلْمُكَ» (المستطرف للأبشيهي). ويقولُ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ: «الْعِلْمُ خزائن، وَمِفْتَاحُهُ السُّؤَالُ» (الفردوس للديلمي).
فَبِالسُّؤَالِ تُفْتَحُ الْعُقُولُ، وَبِالْحِوَارِ تَنْضُجُ الْأَفْكَارُ، وَمَنْهَجُ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ قَائِمًا عَلَى إِثَارَةِ التَّفْكِيرِ، لَا عَلَى التَّلْقِينِ الْأَجْوَفِ. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُوقِظَ فِكْرَهُ، فَلْيَجْعَلِ السُّؤَالَ مِفْتَاحًا، وَالْحِوَارَ وَسِيلَةً، وَالْعِلْمَ غَايَةً.
ومنها: التَّقْوَى وَالْبُعْدُ عَنِ الْمَعَاصِي: قالَ تعالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282]، فالعلمُ والتفكرُ رزقٌ، ويحرمُ منهُ العبدُ بالمعصيةِ، قالَ ﷺ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» (ابن ماجة بسند حَسَن).
وما أجملَ قولَ الإمامِ الشافعِيِّ رضيَ اللهُ عنهُ: شَكَوتُ إِلى وَكِيعٍ سوءَ حِفظِي ……….. فَأرشَدنِي إِلى تَركِ المَعاصِي
وأخبرنِي بِأنَّ العلمَ نورٌ ……………… ونورُ اللّهِ لا يُهدَى لِعاصِي
ويقولُ ابنُ القيِّمِ: “المَعَاصِي تُضْعِفُ فِي الْقَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ، فَإِذَا ضَعُفَ التَّعْظِيمُ ضَعُفَ الْعِلْمُ وَالْفِكْرُ”(الجواب الكافي).
إِنَّ التَّقْوَى لَيْسَتْ زِينَةً فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ، بَلْ هِيَ النُّورُ الَّذِي يُضِيءُ الْعَقْلَ، وَالصَّفَاءُ الَّذِي يَحْفَظُ الْفِكْرَ، فَالْمَعَاصِي حِجَابٌ غَلِيظٌ عَلَى الذِّهْنِ، وَالتَّقْوَى مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ، وَبِهَا يُفْتَحُ بَابُ الْفَهْمِ، وَتَسْتَنِيرُ مَسَالِكُ التَّفْكِيرِ.
ومنها : تَنْمِيَةُ الْفِكْرِ بِالتَّدْوِينِ وَالْبَحْثِ: فالتَّدْوِينُ وَالْبَحْثُ هُمَا جَنَاحَا الْفِكْرِ، فَمَنْ اكْتَفَى بِالْحِفْظِ ضَاعَ عِلْمُهُ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحِفْظِ وَالتَّدْوِينِ بَقِيَ عِلْمُهُ لِلْأُمَّةِ، قالَ تعالَى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1].
وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 4-5]. وقَالَ ﷺ: «قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ» (الطبراني في الكبير، بسند صحيح). وَقَالَ أيضا ﷺ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا» (الترمذي بسند صحيح). وقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: «مَا كَتَبْتُ شَيْئًا إِلَّا حَفِظْتُهُ، وَمَا حَفِظْتُهُ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ . وقال أيضا: «مَعَ الْمِحْبَرَةِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ» (مناقب أحمد).
وَقَالَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ: «الْكِتَابَةُ مَعَ قِلَّةِ الْحِفْظِ أَبْلَغُ فِي الْعِلْمِ، مِنْ كَثْرَةِ الْحِفْظِ مَعَ تَرْكِ الْكِتَابَةِ». (تقييد العلم).
فَبِالْقَلَمِ حُفِظَ الْوَحْيُ، وَبِالتَّدْوِينِ بُنِيَتِ الْحَضَارَةُ الإِسْلَامِيَّةُ، وَبِالْكِتَابَةِ صَارَتْ عُقُولُ الْعُلَمَاءِ تَنْبِضُ عَبْرَ الْقُرُونِ.
نسألُ اللهَ أنْ يعلمَنَا ما ينفعُنَا، وأنْ يزيدَنَا علمًا ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ .
الدعاءُ،،،، وأقم الصلاةَ،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف