خطبة الجمعة بعنوان : لله دَرُّكَ يا ابن عباس ، للدكتور خالد بدير
للدكتور خالد بدير، بتاريخ 16 محرم 1447 هـ ، الموافق 11 يوليو 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : لله دَرُّكَ يا ابن عباس ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 16 محرم 1447 هـ ، الموافق 11 يوليو 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 11 يوليو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : لله دَرُّكَ يا ابن عباس :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 يوليو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : لله دَرُّكَ يا ابن عباس، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 يوليو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : لله دَرُّكَ يا ابن عباس، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 11 يوليو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : لله دَرُّكَ يا ابن عباس : كما يلي:
أولًا: منزلةُ عبدِاللهِ بنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهمَا.
ثانيًا: عبدُاللهٍ بنُ عباسٍ ومناظرتُهُ للخوارجِ.
ثالثًا: يقظةُ الضميرِ الإنسانِي.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 11 يوليو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : لله دَرُّكَ يا ابن عباس : كما يلي:
خطبةٌ بعنوان: للهِ دَرُّكَ يا ابنَ عباسٍ.
16 محرم 1447هـ – 11 يوليو 2025م
المـــوضــــــــــوعُ
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : لله دَرُّكَ يا ابن عباس ، للدكتور خالد بدير
أولًا: منزلةُ عبدِاللهِ بنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهمَا.
عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ صحابِيٌّ محدثٌ وفقيهٌ وحافظٌ ومُفسِّرٌ، وابنُ عمِّ النبيِّ ﷺ، وأحدُ المكثرينَ لروايةِ الحديثِ، حيثُ روىَ 1660 حديثًا عن النبيِّ ﷺ، ولدَ في مكةَ عامَ الحصارِ في شعبِ أبي طالبٍ قبلَ الهجرةِ النبويةِ بثلاثِ سنواتٍ، وهاجرَ مع أبيهِ العباسِ بنِ عبدِ المطلبِ قبيلَ فتحِ مكةَ فلقُوا النبيَّ ﷺ بالجحفةِ، ولازمَ النبيَّ ﷺ وروىَ عنهُ، دعَا لهُ النبيُّ ﷺ بأنْ يفقهَهُ اللهُ في الدينِ ويعلمَهُ التفسيرَ، فقالَ: “اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ”.(متفق عليه). ولا شكَّ أنَّ دعاءَ النبيِّ ﷺ لابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهمَا بأنْ يعلمَهُ الحكمةَ ويفقهَهُ في الدينِ ويعلمَهُ التفسيرَ، كان لهُ الأثرُ الأكبرُ في حياةِ عبدِاللهِ بنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهمَا، وفي تكوينِ شخصيتِهِ الإيمانيةِ والعلميةِ والأخلاقيةِ، وفي حرصِهِ على طلبِ العلمِ وفهمِهِ فهمًا صحيحًا، تُوفِيَ النبيُّ ﷺ وعمرهُ ثلاثَ عشرةَ سنةً، فكان يفسّرُ القرآنَ بعدَ موتِ النبيِّ ﷺ، حتى لُقِّبَ بـ حَبْرِ الأمةِ وترجمانِ القرآنِ، والحَبْرِ والبحرِ.
كان ابنُ عباسٍ مستشارًا لعمرَ بنِ الخطابِ في خلافتِهِ على صغرِ سنِّهِ، وكان يُلقبُهُ بـ فتَى الكهولِ، وكثرتْ فيهِ مقولةٌ: “للهِ درُّكَ يا ابنَ عباسٍ” ، وهي مِن أساليبِ المديحِ والثناءِ في اللغةِ العربيةِ، وهي تعبيرٌ قديمٌ يُستخدمُ لإظهارِ الإعجابِ بشخصٍ ما، والثناءِ عليهِ لِمَا أظهرَهُ مِن فضلٍ أو شجاعةٍ أو فصاحةٍ أو علمٍ أو غيرِ ذلكَ مِن الصفاتِ الحميدةِ.
ويذكرُ ابنُ عباسٍ أنّهُ رأىَ جبريلَ مرتينِ في بيتِ النبيِّ ﷺ ، فيقولُ: «رأيتُ جبريلَ مرتينِ، ودعَا لِي بالحكمةِ مرتينِ».
يروي ابنُ عباسٍ بنفسِهِ قصةَ رؤيتهِ لجبريلَ فيقولُ: ” كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ – قَالَ عَفَّانُ: وَهُوَ كَالْمُعْرِضِ عَنِ الْعَبَّاسِ – فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى ابْنِ عَمِّكَ كَالْمُعْرِضِ عَنِّي؟ فَقُلْتُ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ – قَالَ عَفَّانُ: فَقَالَ: أَوَ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ – قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ كَانَ عِنْدَكَ أَحَدٌ؟ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَنِي أَنَّ عِنْدَكَ رَجُلًا تُنَاجِيهِ. قَالَ: «هَلْ رَأَيْتَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ، وَهُوَ الَّذِي شَغَلَنِي عَنْكَ». (أحمد وصححه شعيب الأرنؤوط).
ولمكانةِ ابنِ عباسٍ العلميةِ والعمليةِ، كَانَ عُمَرُ يَسْتَشِيرُه فِي الأَمْرِ إِذَا أَهَمَّهُ، وَيَقُولُ لَهُ: غُصْ يَا غَوَّاصُ.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ» قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نَدْرِي، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. قَالَ عُمَرُ: «مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ». (البخاري).
ولمَّا رأىَ العباسُ قربَ ابنهِ مِن الخليفةِ عمرَ أوصاهُ وصيةً قالَ فيها: «إنَّ عمرَ يدنيكَ ويجلسكَ مع أكابرِ الصحابةِ فاحفظْ عنِّي ثلاثًا: لا تفشينَّ لهُ سرًا، ولا تغتابنَّ عندَهُ أحدًا، ولا يجربنَّ عليكَ كذبًا.»، قال الشعبيُّ لابنِ عباسٍ: «كلُّ واحدةٍ خيرٌ مِن ألفٍ». فقالَ ابنُ عباسٍ: «بل كلُّ واحدةٍ خيرٌ مِن عشرةِ آلافٍ». (البداية والنهاية).
وهكذا كانت منزلةُ ومكانةُ الصحابِي الجليلِ عبدِاللهِ بنِ عباسٍ، وهناكَ مواقفُ مشهودةٌ كثيرةٌ له لا يتسعُ المقامُ لذكرِهَا.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : لله دَرُّكَ يا ابن عباس ، للدكتور خالد بدير
ثانيًا: عبدُاللهِ بنُ عباسٍ ومناظرتُهُ للخوارجِ.
لقد كان لعبدِاللهِ بنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهمَا، دورٌ بالغٌ وفهمٌ عميقٌ ونظرةٌ ثاقبةٌ، في مواجهةِ الخوارجِ وفكرِهِم المتطرفِ.
يروي هذه المناظرةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ نفسُهُ فيقولُ:” دَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ قَوْمًا قَطُّ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ، أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا ثَفِنُ الإِبِلِ، وَوُجُوهُهُمْ مُعَلَّبَةٌ مِنْ آثَارِ السُّجُودِ، قَالَ: فَدَخَلْتُ، فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، نَزَلَ الْوَحْيُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تُحَدِّثُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنُحَدِّثَنَّهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَخْبِرُونِي مَا تَنْقِمُونَ عَلَى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَخَتَنِهِ، وَأَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَعَهُ؟ قَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْهِ ثَلاَثًا، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالُوا: أَوَّلُهُنَّ أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} قَالَ : قُلْتُ: وَمَاذَا؟ قَالُوا: وَقَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، لَئِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَقَدْ حَلَّتْ لَهُ أَمْوَالُهُمْ، وَلَئِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَاذَا؟ قَالُوا: وَمَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ، قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللهِ الْمُحْكَمِ، وَحَدَّثْتُكُمْ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ ﷺ مَا لاَ تُنْكِرُونَ، أَتَرْجِعُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللهِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنَهُمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَصَلاَحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ أَحَقُّ أَمْ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبْعُ دِرْهَمٍ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَصَلاَحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ، أَمْ تَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا؟ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأُمِّكُمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ وَخَرَجْتُمْ مِنَ الإِسْلاَمِ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فَأَنْتُمْ تَتَرَدَّدُونَ بَيْنَ ضَلاَلَتَيْنِ، فَاخْتَارُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا، فَقَالَ: اكْتُبْ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَلاَ قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لِرَسُولُ اللهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ يَا عَلِيُّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، فَرَسُولُ اللهِ ﷺ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَرَجَعَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَبَقِيَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ، فَقُتِلُوا.” ( الطبراني في الكبير، وقال الهيثميُّ في المجمع: رواه الطبراني، وأحمد ببعضه، ورجالهما رجال الصحيح). وفي رواية البيهقي والحاكم (فرجعَ منهُم ألفانِ، وبقيَ منهُم أربعةُ آلافٍ فقتلُوا على ضلالةٍ).
فقد ردَّ عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ- رضي اللهُ عنهمَا- عليهِم رداً مقنعاً حيثُ فكّكَ هذه الأفكارَ الهدامةَ، فلم يملكُوا سوى التسليمِ والخضوعِ لمَا قالَهُ، وكيفَ أنّهُ وجّهَ النصوصَ توجيهاً سليماً، وجمعَ بينهَا، وأزالَ عنهَا ما يوهمُ ظاهرهَا التعارض، فترتبَ على هذا رجوعُ الكثيرِ منهُم، وفي هذا برهانٌ ساطعٌ على أنَّ الفكرَ المنضبطَ القائمَ على المنهجيةِ العلميةِ السليمةِ لا يصطدمُ مع هؤلاءِ المتطرفين، فإنّهُم سرعانَ ما ينهزمونَ، ويظهرُ عوارُهُم، ويختلُّ ميزانُ القوىَ لديهِم.
وأنتَ ترَى في هذهِ القصةِ والمناظرةِ تشددَ الخوارجِ وفهمَهُم الخاطئَ لنصوصِ القرآنِ والسنةِ، وأنَّ للتشدّدِ في الدينِ والفهمِ الخاطئِ للنصوصِ الشريعةِ الغراءِ آثارًا وخيمةً وأضرارًا جسيمةً على الفردِ والمجتمعِ: فهُم بجهلِهِم المركبِ بمسائلِ الشريعةِ- ولا سيّمَا المسائلُ الدقيقةُ التي لا يحسنُهَا إلَّا العلماء – يكفِّرونَ مَن شاءُوا ولا يفرقونَ بينَ كفرٍ أصغر أو أكبر، أو كبيرةٍ وصغيرةٍ، ولعلَّ الجهلَ بأحكامِ الشريعةِ مِن أهمِّ صفاتِ الخوارجِ الذينَ كانُوا أولَ مَن تولَّى وزرَ التكفيرِ في هذهِ الأمةِ، حينَ كفَّرُوا أصحابَ النبيِّ ﷺ، فقد وصفَهُم ﷺ بقولِهِ: ” يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ؛ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ؛ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ؛ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ”. (متفق عليه).
يقولُ الإمامُ القرطبيُّ منددًا بضلالةِ الخوارجِ وتكفيرِهِم الناس: “ويكفيكَ مِن جهلِهِم وغلوهِم في بدعتِهِم حكمهُم بتكفيرِ مَن شهدَ لهُ رسولُ اللهِ ﷺ بصحةِ إيمانِهِ وبأنَّهُ مِن أهلِ الجنةِ”. وهل هناكَ جهلٌ مركبٌ بعدَ هذا الجهلِ؟!!!
ويقول وَهْبُ بنُ مُنَبِّه: “وَلَوْ مَكَّنَ اللهُ لَهُم مِنْ رَأْيِهِم، لَفَسَدَتِ الأَرْضُ، وَقُطِعَتِ السُّبُلُ وَالحَجُّ، وَلَعَادَ أَمْرُ الإِسْلاَمِ جَاهِلِيَّةً، وَإِذاً لَقَامَ جَمَاعَةٌ كُلٌّ مِنْهُم يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ الخِلاَفَةَ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم أَكْثَرُ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفٍ، يُقَاتِلُ بَعْضُهُم بَعْضاً، وَيَشْهَدُ بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ بِالكُفْرِ، حَتَّى يُصْبِحَ المُؤْمِنُ خَائِفاً عَلَى نَفْسِهِ وَدِيْنِهِ وَدَمِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، لاَ يَدْرِي مَعَ مَنْ يَكُوْنُ”. (سير أعلام النبلاء).
وهكذا يجبُ علينَا أنْ نطهرَ المجتمعَ مِن هذه الأفكارِ الخاطئةِ المتطرفةِ، التي تعملُ على هدمِ المجتمعِ وتفككِ أوصالِهِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : لله دَرُّكَ يا ابن عباس ، للدكتور خالد بدير
ثالثًا: يقظةُ الضميرِ الإنسانِي.
ينبغِي على الإنسانِ أنْ يكونَ ضميرُهُ يقظًا حيًّا في كلِّ أقوالِهِ وأفعالِهِ وحركاتِهِ وسكناتِهِ، وليعلم أنَّ اللهَ عليهِ رقيبٌ، قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبًا} [النساء: ١]؛ أي: راقبُوا اللهَ في أعمالِكُم، فهو مُطّلعٌ على الضمائرِ والسرائرِ، وقالَ سبحانَهُ: {مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨]. وقالَ ﷺ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».(متفق عليه)، وقال: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ»، [رواه الترمذي وحسّنه]، وقالَ: «إنّ اللهَ يحبُّ إذا عَمِل أحدُكُمْ عَمَلًا أن يُتْقِنَهُ» [رواه البيهقي]. فالضميرُ الحيُّ هو أساسُ الأمانةِ، وإذا ماتَ الضميرُ، هلكت القلوبُ، وضاعت الحقوقُ، وانتشرَ الفسادُ، وتفككَ المجتمعُ.
فيجبُ علينَا أنْ نتأسَّى بسلفِنَا الصالحِ في فضيلةِ الضميرِ الحيِّ في السرِّ والعلانيةِ، في الخلواتِ والجلواتِ، انظروا إلى الفتياتِ اللائِي تربينَ على الفضيلةِ والخوفِ مِن اللهِ ومراقبتِهِ وإلى فتياتِ عصرِنَا ؟!! “فعن أسلمَ قالَ :كنتُ مع عمرَ بنِ الخطابِ وهو يعسُّ المدينةَ إذ أعيَا فاتكأَ على جانبِ جدارٍ في جوفِ الليلِ، فإذا امرأةٌ تقولُ لابنتِهَا: يا ابنتَاه، قومِي إلى ذلكَ اللبنِ، فامذقيهِ بالماءِ، فقالت: يا أَمتاهُ، وما علمتِ ما كانَ مِن عزمةِ أميرِ المؤمنين؟ فقالت: وما كان مِن عزمتهِ يا بنية؟ قالت: لقد أمرَ منادياً، فنادَى ألَّا يشابَ اللبنُ بالماءِ، فقالت لها :يا ابنتَاه، قومِي إلى اللبنِ فامذقِيهِ بالماءِ، فإنَّكِ في موضعٍ لا يراكِ عمرُ ولا منادِي عمرَ، فقالت الصبيةُ لأُمّهَا: يا أمتَاهُ واللهِ ما كنتُ لأطيعَهُ في الملأِ واعصيهُ في الخلاءِ، وعمرُ يسمعُ كلَّ ذلكَ، فقالَ: يا أسلمُ، عَلِّم البابَ، واعرف الموضعَ، ثم مضَى في عسسهِ، فلمَّا أصبحَ قال: يا أسلمُ، امضِ إلى الموضعِ، فانظرْ مَن القائلةُ، ومَن المقولُ لهَا؟ وهل لهُم مِن بعلٍ؟ فأتيتُ الموضعَ، فنظرتُ، فإذا الجاريةُ أيّمٌ لا بعلَ لهَا، وإذا تيكَ المرأةُ ليسَ لهَا بعلٌ، فأتيتُ عمرَ وأخبرتُهُ، فدعَا عمرُ ولدَهُ فجمعَهُم، فقالَ: هل فيكُم مَن يحتاجُ إلى زوجةٍ؟ فقالَ عبدُ اللهِ: لي زوجةٌ، وقال عبدُ الرحمنِ: لي زوجةٌ، وقال عاصمٌ: يا أبتاهُ، لا زوجةَ لِي، زوجنِي. فبعثَ إلى الجاريةِ، فزوجَهَا مِن عاصمٍ، فولدتْ لعاصمٍ بنتاً، وولدتْ الابنةُ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ، رحمةُ اللهِ عليهِم أجمعين.”(صفة الصفوة لابن الجوزي). هذه رسالةٌ لكلِّ التجارِ والبائعينَ والغشاشينَ والمحتكرينَ الذينَ ماتتْ ضمائرُهُم، ولا يعملونَ للقاءِ اللهِ حسابًا!!
وهذه صورةٌ أخرَى مشرقةٌ حدثتْ مع ابنِ عمرَ حينمَا وضعَ اختباراً للرعيةِ في حياةِ ضمائرِهِم!! فقد ” مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِرَاعِي غَنَمٍ، فَقَالَ: يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ هَلْ مِنْ جَزْرَةٍ؟ (الشاة التي تُذبح كالجزور من الإبل)، قَالَ الرَّاعِي: لَيْسَ هَا هُنَا رَبُّهَا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَقُولُ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ، فَرَفَعُ الرَّاعِي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَنَا وَاللَّهِ أَحَقُّ أَنْ أَقُولَ: فَأَيْنَ اللَّهُ؟ فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ الرَّاعِي وَاشْتَرَى الْغَنَمَ, فَأَعْتَقَهُ وَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ “.(مجمع الزوائد). وزيدَ في روايةٍ: أعتقتكَ هذه الكلمةُ في الدنيا، وأرجو اللهَ أنْ يعتقكَ بهَا يومَ القيامةِ.
فهذا الراعِي لو في زمانِنَا هذا لقالَ: هات ثمنَ عشرِ شياةٍ وأقولُ لسيدِي إنَّ الذئبَ أكلَهَا! أو أتصرفُ بمعرفتِي فهذه مهنتِي!
إنّنَا يجبُ أنْ نغرسَ في نفوسِ أبنائِنَا خُلقَ مراقبةِ اللهِ ويقظةِ الضميرِ الإنسانِي في جميعِ أحوالِنَا وأعمالِنَا وحركتِنَا وسكونِنَا.
نسألُ اللهَ أنْ يصلحَ أحوالَنَا، وأنْ ينقيَ ضمائرَنا وقلوبَنَا،
وأنْ يحفظَ مصرَنَا وشعبَهَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ ؛؛؛؛؛
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف