وزارة الأوقاف تعلن رسميا عن زاد الأئمة والخطباء (13) .. لـ خطبة الجمعة القادمة : إعلاء قيمة السعي والعمل
بتاريخ 21 صفر 1447هـ ، الموافق 15أغسطس 2025م

زاد الأئمة : وزارة الأوقاف تعلن رسميا عن زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لـ خطبة الجمعة القادمة حول : إعلاء قيمة السعي والعمل ، بتاريخ 21 صفر 1447هـ ، الموافق 15أغسطس 2025م.
ننفرد بنشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : إعلاء قيمة السعي والعمل ، بصيغة WORD
ننشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : إعلاء قيمة السعي والعمل ، بصيغة pdf
ولقراءة زاد الأئمة والخطباء.. لـ خطبة الجمعة القادمة : إعلاء قيمة السعي والعمل ، كما يلي:
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
الخطبة الأولى: إعلاء قيمة السعي والعمل
الهدف المراد توصيله: التوعية بقيمة العمل ووجوب السعي لبناء الذات والأمم
الخطبة الثانية: التكاتف الاجتماعي
إعلاء قيمة السعي والعمل
الحمد لله الذي أمر بالسعي وحث على العمل، ونهى عن التخاذل والكسل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن الإسلام دين كفاح وعمل وإنتاج، يبني الدنيا ويعمل للآخرة، يدعو المسلم للعمل في دنياه كما لو كان يعيش أبداً، ويعمل لآخرته كأنه يموت غداً، وحين أمره بترك البيع والشراء من أجل صلاة الجمعة، عَقَّب صلاتها بالدعوة للعمل: فقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: ١٠]، وفي سبيل بناء الحياة الدنيا وجه إلى العمل والإنتاج، وحذر من الكسل والخذلان.
والسعي والعمل ليسا وسيلتين فقط للرزق، بل هما جوهر تحقيق الذات، وأساس بناء مستقبل مزدهر للأمة وللأجيال، وركيزة أساسية في بناء شخصية الفرد وتطوير ذاته، وتحقيق كرامته وعزته، فالإنسان العامل هو إنسان منتج، يشعر بقيمته ودوره في الحياة، وهذا ينعكس إيجابًا على صحته النفسية والاجتماعية.
وإنَّ أهم ما يحتاج إليه الناس في أسواقهم ونشاطهم الاقتصادي يدور حول أربعة أشياء: (التجارة، والإجارة، والزراعة، والصناعة)، وإن الأمم لا تنهض إلا بهذه الأربعة، فهي التي عليها تقوم الأمم، وبها تتقدم الشعوب، وتتطور الأجيال، وينتهض العمران، وجميعها مما حث عليه الشرع الشريف، فالذي يمهر في عمله ويتقن بعض هذه المجالات مع الصدق والأمانة ونية النفع والانتفاع لنفسه ولغيره يكون من خير الناس وأحبهم إلى الله تعالى.
وسوف نبين قيمة العمل والسعي في الإسلام من خلال عدة أمور مهمة:
- العمل عصب الإيمان والعلم
لا قيمة لإنسان يخالف عمله علمَه، وليس بصادق من يدَّعي محبة الله ورسوله ثم يتجاسر بالمخالفة ليلًا ونهارًا لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمَّ كان العمل ميزانًا صادقًا لفضيلة العلم، ودليلًا حقيقيًّا لصحة الإيمان.
ولا شك أن العمل الذي يتكسب منه المسلم هو عمل صالح يؤجر عليه العبد إن راعى حلاله وحرامه، وأخلص وجهته فيه لله تعالى، فلا تخلو آية من كتاب الله العزيز تخبر عن الإيمان إلا ويَقْرِنُ الحق فيها بين الإيمان والعمل الصالح أو ما يدلل عليه، فإيمان بلا علم مضلة، وعلم بلا عمل مهلكة، وقد ورد لفظ “العمل” ومشتقاته في القرآن الكريم (٣٦٠) مرة؛ وقد تضمنت الآيات الحديث عن أحكام العمل، ومسئولية العامل، وعقوبته ومثوبته في الدنيا والآخرة، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف: ١٠٧]، وقوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧].
ومن لطائف هذا العدد أنه على عدد أيام السنة كلها تقريبًا؛ وكأن القرآن الكريم ينبِّهُ الإنسان إلى ضرورة السعي ومواصلة الكدّ والاجتهاد؛ لدفع حركة الحياة، وعجلة التنمية؛ فالأمم المتقدمة لا تَعرف التوقف أو الانزواء عن العمل، قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٧، ٨] أي: إذا فرغت من الفرائض فانصب إلى النوافل، وإذا فرغت من الصلاة فانصب إلى الدعاء، وإذا فرغت من أمر دنياك فانصب إلى أمر آخرتك.
- العمل سنة الأنبياء والمرسلين عليهم سلام الله وصلواته
عندما تقرأ في سير الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام تجد أنهم باشروا الأعمال المختلفة، والحِرف المتنوعة؛ فعَنْ سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ» [رواه البخاري]، ونحن قد أُمرنا بالتأسي بهم في كل أمر نافع غير خاص بهم، ومنه الحرص على العمل، والأكل من سعي الإنسان دون أن يتكل على غيره، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠].
وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى عند تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: ٨٠]: “وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَصْنَعُ الدُّرُوعَ، وَكَانَ أَيْضًا يَصْنَعُ الْخُوصَ، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَكَانَ آدَمُ حَرَّاثًا، وَنُوحٌ نَجَّارًا، وَلُقْمَانُ خَيَّاطًا، وَطَالُوتُ دَبَّاغًا، وَقِيلَ: سَقَّاءً، فَالصَّنْعَةُ يَكُفُّ بِهَا الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ عَنِ النَّاسِ، وَيَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ الضَّرَرَ وَالْبَأْسَ”. [الجامع لأحكام القرآن].
وعَنِ سيدنا المِقْدَامِ رضي الله عنه، عَنْ سيدنا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» [رواه البخاري].
قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: “والحكمة في تخصيص “داود” بالذكر؛ أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة؛ لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى، وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل؛ ولهذا أورد النبي صلى الله عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد، وهذا بعد تقرير أن “شرع من قبلنا شرع لنا”، ولا سيما إذا ورد في شرعنا مدحه، وتحسينه مع عموم قوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، وفي الحديث: أن التكسب لا يقدح في التوكل”. [فتح الباري].
وقال الله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} [سورة سبأ: ١٣].
وجاء عن سيدنا عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الْعَبْدَ يَتَعَلَّمُ الْمِهْنَةَ يَسْتَغْنِي بِهَا عَنِ النَّاسِ” [إصلاح المال لابن أبي الدنيا].
- الصحابة الكرام أنموذج فريد في عمارة الأرض بالعمل والإنتاج
كان للصحابة رضي الله عنهم أعمال ومهن مختلفة، عمّروا بها الأرض، وبنوا الحضارة، حتى وصلت المهن والحرف في زمنهم إلى حوالي ٢٠٠ حرفة ومهنة، فكان منهم التجار أو بالمصطلح المعاصر (رجال الأعمال): أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان وأبو هريرة وخديجة بنت خويلد والزبير بن العوام وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وقيلة الأنمارية، ومنهم البَـزَّاز (تاجر الأقمشة والثياب): طلحة بن عبيد الله وعثمان بن عفان، والبناء: عمار بن ياسر، ومنهم المشتغل بالزراعة: معاوية بن أبي سفيان وربيعة الأسلمي، ومنهم البارع في القضاء: علي بن أبي طالب، والبواب: رباح بن الأسود، والخباز: مرداس المعلم، والخياط: عيسى بن أبي عيسى وعثمان بن أبي طلحة، والمبعوث العسكري: عروة بن مسعود، والمترجم: زيد بن ثابت، والطبيب: عائشة، والموثق في الشهر العقاري: علاء بن عقبة والمغيرة بن شعبة، والمخطط الاستراتيجي: سلمان الفارسي، ورئيس المخابرات: حذيفة بن اليمان، ومنهم بائع الرماح: نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وبائع العقاقير (الصيدلي) أبو موسى الأشعري، رضي الله عنهم جميعًا [يراجع في ذلك كله: التراتيب الإدارية]
وكانوا ينقمون على رؤية الرجل فارغًا من عمل، فلما رأى سيدنا عمر رضي الله عنه قوما يجلسون في المسجد سألهم عن سبب جلوسهم، فقالوا: ننتظر رزق الله، فضربهم عمر بدرته، وقال: اخرجوا فاطلبوا رزق الله، فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.
وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلىَّ من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري، وكان إذا رأي فتى أعجبه حاله سأل عنه: هل له من حرفة؟ فإن قيل: لا، سقط من عينيه، وكان إذا مدح بحضرته أحد سأل عنه: هل له من عمل؟ فإن قيل: نعم، قال: يستحق المدح، وإن قالوا: لا، قال: ليس بذاك، وكان يوصي الفقراء والأغنياء معًا بأن يتعلموا المهنة ويقول تبريرًا لذلك: فإنه يوشك أن يحتاج أحدكم إلى مهنة، وإن كان من الأغنياء، وكان كلما مر برجل جالس في الشارع أمام بيته لا عمل له أخذه وضربه بالدِّرّة وساقه إلى العمل وهو يقول: إن الله يكره الرجل الفارغ لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة. [إحياء علوم الدين].
وهكذا تتابع الصالحون على طلب الرزق وعدم القعود عنه، وقد احتاج الإمام أحمد للنفقة في بعض رحلاته لطلب العلم فأجر نفسه واكتسب حتى لا يسأل أحدا.
- العمل والسعي من أفضل أنواع الجهاد والتعبد
يقصر كثير من الناس معنى الجهاد على القتال في المعارك والحروب، وهذا غير صحيح فصور الجهاد كثيرة وعظيمة، ومن أعلاها طلب الرزق والقوت الحلال للأهل، فقد عده الله تعالى نعمة تستحق الشكر، قال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: ١٠]. فقد جعل الله تعالى الوظائف والأعمال نعمة وطلب من عباده الشكر عليها.
وعده النبي صلى الله عليه وسلم من صور الجهاد، فعَنْ سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ». [متفق عليه].
وفي لفظ قال: وَأَحسَبُهُ قَالَ: «وَكَالقَائِمِ الَّذِي لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ الَّذِي لاَ يُفْطِرُ».
وعَنْ سيدنا كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيَعِفَّهَا فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَهْلِهِ فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى تَفَاخُرًا وَتَكَاثُرًا فَفِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ» [رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة].
قال أحمد شوقي:
كُن نَشيطاً عامِلاً جَمَّ الأَمَل * إِنَّما الصِحَّةُ وَالرِزقُ العَمَل
تِلكَ آثارُ بَني مِصرَ الأُوَل * أَتقَنوا الصَنعَةَ حَتّى في الجُعَل
- اطلب رزقك مبكرًا
لقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغتنم “ساعة البكور” في العمل والسعي؛ فعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا»، قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، قَالَ: وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، فَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَأَثْرَى، وَكَثُرَ مَالُهُ. [رواه ابن ماجه].
قال ابن بطال: “وإنما خص صلى الله عليه وسلم “البكور” بالدعاء بالبركة فيه من بين سائر الأوقات؛ لأنه وقت يقصده الناس بابتداء أعمالهم، وهو وقت نشاط، وقيام من دعة، فخصه بالدعاء؛ لينال بركة دعوته جميع أمته”. [شرح صحيح البخاري لابن بطال].
وقد قال الشاعر:
أَلا إِنَّ نوماتِ الضُّحَى تُوْرِثُ الفَتَى* خَبالاً وَنَوْماتِ العُصَيْرِ جُنونُ
أَلَا إنَّ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ نَوْمَةً * تُحَاكِي لِأَصْحَابِ الْعُقُولِ فُنُونُ
- كلُّ عملٍ حلال خير من ذل السؤال
الإسلام لا يرضى الدَّنِيَّة لمسلم، فإنه يحب المؤمن العزيز المستغني، لا الذليل الحريص على الدنيا، ويحب المؤمن المنفق، ولا يحب الذي يَـمُد يده إلى الناس بالسؤال، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» [رواه مسلم].
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه، أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ قَالَ: «مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ». [متفق عليه].
وعن عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُحْتَرِفَ» [رواه الطبراني في “المعجم الأوسط”].
وجعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بديل “البطالة” العمل والسعي، وذاك في أشق المهن كالاحتطاب؛ إذا لم يجد غيره من الحرف، مع ما فيه من امتهان المرء نفسه، ولكنَّ المشقة خير له من المسألة؛ وفي الحديث عَنِ سيدنا الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» [رواه البخاري].
قال العلامة القسطلاني: “وغاية ما في هذا الحديث تفضيل الاحتطاب على السؤال، وليس فيه أنه أفضل المكاسب؛ فلعله ذكره لتيسره لا سيما في بلاد الحجاز؛ لكثرة ذلك فيها” [إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري].
وعَنْ سيدنا أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالًا اسْتِعْفَافًا عَنِ الْمَسْأَلَةِ، وَسَعْيًا عَلَى أَهْلِهِ، وَتَعَطُّفًا عَلَى جَارِهِ، لَقِيَ اللهَ تَعَالَى يَوْمَ يَلْقَاهُ وَوَجْهُهُ مِثْلُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالًا مُكَاثِرًا مُفَاخِرًا مُرَائِيًا لَقِيَ اللهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». [حلية الأولياء].
وقَال سيدناَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “مَكْسَبَةٌ فِيهَا بَعْضُ الدَّنَاءَةِ خَيْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ”. [إصلاح المال لابن أبي الدنيا].
وعَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ رحمه الله، قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ: «إِنَّ الَّذِي يَعْمَلُ بِيَدِهِ وَيَأْكُلُ، طُوبَى لِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» [إصلاح المال لابن أبي الدنيا].
وعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: “إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ آكُلَ مِنْ كَدِّ يَدِي” [حِلْية الأولياء]
وعَنْ سَالِمٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَوْلَايَ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي السُّوقِ، فَمَرَّ عَلَيْنَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَقَدِ اشْتَرَى وُسْقًا مِنْ طَعَامٍ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ تَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ النَّفْسَ إِذَا أَحْرَزَتْ رِزْقَهَا اطْمَأَنَّتْ، وتَفَرَّغَتْ لِلْعِبَادَةِ، وَأَيِسَ مِنْهَا الْوَسْوَاسُ» [المعجم الكبير للطبراني].
وعن حَمَّادِ بْن زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَيُّوبُ: “الْزَمْ سَوْقَكَ، فَإِنَّكَ لَا تَزَالُ كَرِيمًا عَلَى إِخْوَانِكَ مَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَيْهِمْ” [حلية الأولياء].
ولله در القائل:
لحملي الصخر من قمَمِ الجبالِ * أحبُّ إليَّ من منن الرِّجَالِ
يقولُ الناسُ لي في الكسبِ عارٌ * فقلتُ العارُ في ذلِّ السُّؤَالِ
- ازرع تعبك اليوم؛ لتحصد مجدك غدًا
صدق من قال: “ازرع تعبك اليوم؛ لتحصد مجدك غدًا، فإن الأمم تُبنى بسواعد أبنائها” وهذه الحكمة تجسد قيمة العمل والاجتهاد كأساس لنهضة الفرد والمجتمع، فهي تشجع على التخطيط طويل الأمد، وتبين أن المثابرة والتعب والسعي المؤقت اليوم يعني مكافأة مستمرة في المستقبل، فالمجد لا يأتي صدفة، بل هو نتيجة لتراكم المعارف مع التعب والجهد والصبر، وتبين أن البناء لا يُنتظر من الخارج، بل من داخل الوطن نفسه، وتوضح أن كل فرد مساهم في نهضة الأمة من خلال عمله، مهما صغر حجمه، وتبرز مفهوم المواطنة الفاعلة؛ حيث يُنتظر من كل مواطن أن يؤدي دوره بإخلاص؛ لأن التنمية مسؤولية جماعية.
قال سيدنا لقمان الحكيم لابنه: “يا بني استغن بالكسب الحلال عن الفقر؛ فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس به”. [إحياء علوم الدين].
وقد قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: “لا يطمعنَّ البطال في منازل الأبطال، إن لذة الراحة لا تُنال بالراحة، من زرع حصد ومن جَدَّ وَجد … المال لا يحصل إلا بالتعب، والعلم لا يدرك إلا بالنصب، واسم الجواد لا يناله بخيل، ولقب الشجاع لا يحصل إلا بعد تعب طويل”. [التبصرة].
بِالْجِدِّ تَبْلُغُ ما يَعَزُّ * وَتَنْجَلِي عَنْكَ الكُرُوبُ
فَاصْبِرْ وَبِاللهِ اسْتَعِنْ * وَلِكُل مُجْتَهِدٍ نَصِيبُ
وَاقْصِدْ إِلَهَكَ فِي الأمُو * رِ فَإنَّ قَصْدَكَ لا يَخِيبُ
- عناصر العمل الذي يبني الأمة
للعمل الناجح عدة أوصاف:
أولها: الإتقان: وهو دليل الجودة التي ترفع من سمعة البلد، وتزيد من إنتاجيته، وفي الحديث عَنْ سيدتنا عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ». [شعب الإيمان].
ثانيها: الاستمرارية وعدم التعجل: فالجهد المستدام يؤسس لنهضة طويلة الأمد، وفي الحديث: عن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التُّؤَدَةُ في كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إِلَّا في عَمَلِ الآخِرَةِ». [رواه البيهقي]
ثالثها: الإبداع: فالابتكار في مختلف القطاعات يخلق حلولًا محلية للتحديات العالمية، وهو السبيل الأمثل لتطوير الذات واكتشاف الطاقات الكامنة، فكل عمل يقوم به الإنسان مهما كان بسيطًا، يضيف إليه خبرة جديدة، ويكسبه مهارة إضافية، ويصقل شخصيته.
رابعها: القيم الأخلاقية: مثل الأمانة والمسئولية؛ فإن ذلك يعزز الثقة في المؤسسات ويرسخ العدالة، وقد ضرب لنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلًا عمليًّا في تدريب النشء على إتقان العمل؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ بِغُلَامٍ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ:«تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ، فَإِنِّي لَا أَرَاكَ تُحْسِنُ تَسْلُخُ»، قَالَ: فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الْإِبْطِ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَكَذَا يَا غُلَامُ فَاسْلُخْ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ ماء». [رواه ابن حبان].
إنها مهمة المعلم وإحساس المربي بمسئولية التقويم الدائم في كل وقت، وفي كل عمل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لَأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: ٨]، وإهمال العامل في عمله يُعَدُّ خيانة للأمانة؛ لأنه مؤتمن على العمل الذي وُكل إليه وكُلِّف به، وحيث لم يؤدِّه على الوجه المطلوب مع تقاضيه أجرًا عليه فإنه خائن للأمانة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: ٢٧].
وأخيرًا: إن الحياة الدنيا ليست دارَ خمول وكسل، بل هي ميدان للعمل والكدح، ومزرعة للآخرة، فمن زرع خيرًا حصد خيرًا، ومن زرع شرًّا حصد شرًّا.
إن بناء الذات والأمم لا يَتمُّ إلا بسواعد أبنائها العاملين، الذين يدركون أن رفعة الأوطان وتقدمَها مرهونٌ بما يقدمونه من جهد وعطاء.
والمسلم الحق هو الذي يجمع بين عبادة ربه والسعي في مناكب الأرض، يبتغي فضل الله، ويعمر الأرض، ويساهم في نهضة أمته.
فلنجعل من حياتنا كلها سعيًا دؤوبًا نحو الخير، وعملًا متقنًا نبتغي به وجه الله، ونخدم به ديننا وأوطاننا.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وقدوةً للمتراحمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإن “الإسلام دين التعاطف والمواساة، دين المودة والمحبة، دين الترابط بين الأغنياء والفقراء، دين التكافل الاجتماعي، دين تقع فيه مسئولية الجائعين على جيرانهم الأغنياء، فلا يدخل الجنة مع السابقين من بات شبعان وجاره جائع، دين فرض للفقراء حقاً في مال الأغنياء” [فتح المنعم]
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ». [رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَإِسْنَادُه حَسَنٌ].
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ بِنَخْلِ ابْنَ الزُّبَيْرِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ». [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ].
إن الإسلام دين التكاتف والترابط، ومثل المؤمنين كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ومثل المؤمنين كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وقد أمر الشرع الشريف بالتعاون والتراحم خصوصا في وقت الأزمات التي يمر بها المجتمع، وكذلك تقديم العون المادي والمعنوي والمساعدة بالمجهود والوقت كلٌّ حسب إمكانياته وقدراته.
اللهم انشر علينا سحب الأمن والاستقرار والحب والوئام، يا الله يا كريم.
مراجع للاستزادة:
– مُعيد النعم ومُبيد النِّقم، لتاج الدين السُّبْكي
– التراتيب الإدارية، والعمالات والصناعات والمتاجر والحالة العلمية، التي كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية في المدينة المنورة العلمية، لعبد الحي الكَتَّاني.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف