خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 15 جمادي الأولي 1444هـ ، الموافق 9 ديسمبر 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 ديسمبر 2022م بصيغة word بعنوان : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 ديسمبر 2022م بصيغة pdf بعنوان : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 9 ديسمبر 2022م بعنوان : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي.
أولًا: الأمانةُ صفةٌ مِن صفاتِ أهلِ الإيمانِ.
ثانيــــًا: الأمانةُ ليستْ مقتصرةً على حفظِ المالِ فحسب .
ثالثــــًا: تضيعُ الأمانةِ مِن علاماتِ الساعةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 9 ديسمبر 2022م بعنوان : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: الأمانةُ صورُهُا وأثرُهُا في تحقيقِ الأمنِ المجتمعِي. د/ محمد حرز بتاريخ: 15جماد الأولى 1444هــ – 9 ديسمبر 2022م
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ، وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ جَزِيلَ الْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ، وَنَهَى سُبْحَانَهُ عَنِ الْمَكْرِ وَالْغَدْرِ وَسَائِرِ الْخِيَانَاتِ، وَأَوْعَدَ عَلَى ذَلِكَ أَلِيمَ الْعَذَابِ وَأَشَدَّ الْعُقُوبَاتِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأُثْنِي عَلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، القائل كما في حديث فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: [أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ [رَوَاهُ أحمد، فاللهمَّ صلِّ وسلم وزِد وبارِك عليه وعلى آلهِ وصحبِه وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلي يومِ الدينِ .
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (أل عمران :102
عِبَادَ اللهِ:(( الأمانةُ صورُهَا وأثرُهَا في تحقيقِ الأمنِ المجتمعِي ((عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولًا: الأمانةُ صفةٌ مِن صفاتِ أهلِ الإيمانِ.
ثانيــــًا: الأمانةُ ليستْ مقتصرةً على حفظِ المالِ فحسب .
ثالثــــًا: تضيعُ الأمانةِ مِن علاماتِ الساعةِ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي
أولًا: الأمانةُ صفةٌ مِن صفاتِ أهلِ الإيمانِ.
أيُّها السادةُ:إِنَّ مِنْ مَقَايِيسِ حَضَارَةِ الْأُمَمِ، وَمِنْ مَعَايِيرِ تَقَدُّمِهَا وَرُقِيِّهَا: نَزَاهَةُ أَفْرَادِهَا، وَأَمَانَةُ أَبْنَائِهَا، فَإِذَا اضْطَرَبَ فِيهَا هَذَا الْأَمْرُ تَصَدَّعَ بُنْيَانُهَا، وَاخْتَلَّ نِظَامُهَا، وَاسْتَشْرَى فَسَادُهَا، فَلَا خَيْرَ فِي أُمَّةٍ سَادَهَا الْمَكْرُ وَالْخِيَانَةُ، وَتَشَعَّبَ فِيهَا الْخِدَاعُ وَالْإِضَاعَةُ، فَالْأَمَانَةُ عُنْوَانُ الصَّلَاحِ، وَيَنْبُوعُ الْخَيْرِ وَالْفَلَاحِ؛ والأمانةُ فضيلةٌ مِن أشرفِ الفضائلِ، والعملُ بها شرفٌ وكرامةٌ وتقوى وصلاحٌ، وإيمانٌ خالصٌ لربِّ العالمين ،فَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ: حَدَّثَنَا: «أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ»، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا! وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
والأمانةُ ضدُّ الخيانةِ، والأمانةُ هي الفرائضُ التي ائتَمنَ الله العبادَ عليهَا، والأمانةُ تعمُّ جميعَ وظائفِ الدينِ، والأمانةُ صفةٌ اتصفَ بها ملائكةُ اللهِ المقربونَ واتصفَ بها أنبياءُ اللهِ الصالحونَ ،واتصفَ بها أولياءُ اللهٍ الطائعونَ .فهذا هو جبريلُ عليه السلامُ قال اللهُ في حقهِ (( نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ )) سورةُ الشعراءِ وها هو سيدُ الأمناءِ في حياتِه الأولي ،وقبل بعثَتِه كان يلقبُ بالصادقِ الأمينِ والأدلةُ على ذلكَ كثيرةٌ منها: عندمَا هدمَتْ قريشٌ الكعبةَ ليعيدُوا بناءَها, وجمعُوا الحجارَةَ وقامُوا بالبناءِ ،وعندما وصلُوا إلى وضعِ الحجرِ الأسودِ، اختصمُوا وتنازعُوا، كلُّ قبيلةٍ تريدُ أنْ تضعَ الحجرَ الأسودَ تبركًا به،حتى كادَت الحربُ أنْ تشتعلَ وظلَّ ذلكَ أربعةَ أو خمسةَ أيامٍ ،حتى أشارَ أحدُهُم وقالَ نحكِّمُ بينَنَا أولَ مَن يدخلُ مِن بابِ الكعبةِ ؟ فكانَ أولُ مَن دخلَ مِن بابِ الكعبةِ هو المصطفَي فقالُوا لما رأُوه هذا هو الأمينُ رضينَا بحكمهِ هذا محمدٌ ﷺ، وكان النبيُّ ﷺ مشهورًا بهذا اللقبِ قبلَ هجرتِه ﷺ، فكانت قريشٌ تضعُ أماناتِهم عندَهُ ﷺ، وعندما أرادَ النبيُّ ﷺ الهجرةَ إلى المدينةِ المنورةِ يقعُ النبيُّ المختارُ ﷺ في محنةٍ وفي مأزقٍ خطيرٍ ،ألَا وهو كيفيةُ ردّ الأماناتِ إلى أهلهَا ،لماذا؟ لأنَّ النبيَّ ﷺ يعلمُ أنَّ الحقَّ أحقُّ أنْ يُتبعَ. لماذا؟ لأنَّ النبيَّ ﷺ يعلمُ أنَّ الخيانةَ ثلثُ النفاقِ. لماذا؟ لأنَّ النبيَّ ﷺ يريدُ أنْ يُعلمَ الأمةَ كيفيةَ ردِّ الأماناتِ إلى أهلِهَا، وهنا يتركُ النبيُّ ﷺ عليًّا بنَ أبِي طالبٍ وابنَ عمِّه وصهرِه في فراشِه ،وكان مِن الأولَي أنْ يأخذَه معَه ولم يكن نومُ علىٍّ في فراشِ النبيِّ ﷺ يُغيرُ المقاديرَ، ولم يكن نومُ علىٍّ يُفدِي النبيَّ ﷺ مِن القتلِ إنْ كتبَ اللهُ عليه القتلَ؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ مقدرٌ بإذنِ الملكِ الوهاب، ولكن نامَ علىٌّ رضي اللهُ عنه ليردَّ الأماناتِ إلى أهلِهَا ليردَّ الأماناتِ إلى الذين تآمرُوا على قتلهِ ﷺ وليعطِي كلَّ ذِي حقٍّ حقَّهُ ومستحقه، ثم يلحقُ بالنبيِّ في المدينةِ المنورةِ. انظروا كيف كانت أمانةُ المصطفي ﷺ؟
وهذا هو موسَي عليه السلامُ كان يتصفُ بالأمانةِ فلقد أعلنتْهَا بنتُ شعيبٍ بصراحةٍ أمامَ أبيِهَا عندما خرجَ مُوسَي هاربًا مِن فرعونَ وقومهِ وتوجَّهَ إلى مدين، ووجدَ عليه أمةً مِن الناسِ يقومون بسقي الأغنامِ، ثم يطرحون صخرةً على البئرِ لا يستطيعُ عشرةٌ مِن الرجالِ حملها { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } سورة القصص(23)، عندئذٍ توجَّهَ مُوسَي إلى الصخرةِ ،ورفعهَا بيدهِ ثم سقَي لهما الأغنامَ، وكان معهما عفيفًا شريفًا، فلما انصرفتَا إلى أبيهما شعيبٍ على أرجحِ الأقوالِ تعجبَ شعيبٌ مِن سرعةِ سقي الأغنامِ ومِن سرعةِ عودةِ البناتِ، فقال لهما ماذا حدث؟ فقصَّتا عليه القصةَ وأخبرتاهُ بما حدثَ من موسَي، فطلبَ مِن واحدةٍ منهن أنْ تذهبَ إلى موسَي لتستدعيه له ليقدمَ له الشكرَ والاحترامَ، فذهبتْ أحداهُمَا تقولُ له كما قالَ ربُّنَا: { فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) ثم سارتْ أمامَهُ، ولكن موسي كان أمينًا طلبَ منها أنْ تمشي هي خلفَهُ ويمشِي أمامَهَا، وتدلُّهُ على الطريقِ بالحصاةِ لماذا ؟حتى لا يعبثَ الهواءُ بثيابِهَا فيكشف عن ساقيهَا فينظرَ إليهما موسي. لماذا ؟ لأنَّ موسي يعرفُ أنَّ النظرَ أمانةٌ عندئذٍ فهمتْ البنتُ أمانةَ موسي، فشهدتْ شهادةَ الحقِّ عندَ أبيِهَا { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، القويُّ لأنَّهُ رفعَ الصخرةَ وحدَهُ، والأمينُ لأنَّه رفضَ أنْ يمشي خلفَهَا وطلبَ منها أنْ تمشِي هي خلفَهُ. انظروا إلى هذه البنتِ بمَا وصفتْ موسَي بالقوةِ والأمانةِ لو كانتْ في عصرِنَا لوصفتْ البنتُ الرجلَ بالشعرِ الجميلِ والعينِ الجميلةِ والملابسِ الحسنةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا بالله.
ولقد عرضَ اللهُ الأمانةَ على السماواتِ والأرضِ والجبالِ فأبينَ أنْ يحملنَهَا لثقلِهَا ومشقتِهَا وعظمتِهَا ،وحملَهَا الإنسانُ بعقلهِ الذي أعطاهُ اللهُ إياهُ وفضلَهُ على كثيرٍ مِمَّن خلقَ تفضيلَا, وبالرسلِ الذي أرسلَهُم اللهُ إلى عبادهِ ليخرجوهُم مِن الظلماتِ إلى النورِ، ومِن عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ ربِّ العبادِ، وذكرَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ هذه الآيةِ عن ابنِ عباسٍ: يعني بالأمانةِ: الطاعة، وعرضَهَا عليهم قبلَ أنْ يعرضَهَا على آدم، فلم يطقنَهَا (3) ، فقالَ لآدم: إني قد عرضتُ الأمانةَ على السمواتِ والأرضِ والجبالِ فلم يطقنَهَا (4)، فهل أنتَ آخذٌ بِمَا فيها؟ قال: يا رب، وما فيها؟ قال: إنْ أحسنتَ جزيتَ، وإنْ أسأتَ عوقبت. فأخذَهَا آدمُ فتحمَّلَها، فذلك قولُهُ: { وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا } .
بل لقد ربطَ المصطفَي ﷺ بينَ قضيةِ الإيمانِ وبينَ قضيةِ الأمانة، فلا إيمانَ لمَن لا أمانةَ له. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَّا قَالَ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ ) بل حفظُ الأمانةِ سببٌ مِن أسبابِ دخولِ الجنةِ، أسألُ اللهَ أنْ يجعلنِي وإياكُم مِن أهلِ الجنةِ، ففي الحديثِ الذي رواه أحمدُ في مسندهِ مِن حديثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) بل لقد طلبَ منك النبيُّ المختارُ ﷺ بأداءِ الأمانةِ ولو خانكَ هذا الإنسان، فقال ﷺ ( أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) فما أحوجنَا إلى الأمانةِ في كلِّ شيءٍ وخاصةً في هذا الزمانِ الذي ضُيعتْ فيه الأمانةُ وكثرتْ فيه الخيانةُ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا بالله.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي
ثانيــــًا: الأمانةُ ليستْ مقتصرةً على حفظِ المالِ فحسب .
أيُّها السادةُ: الكثيرُ مِن الناسِ يعتقدُ أنَّ المقصودَ بالأمانةِ هو حفظُ المالِ فقط، أو حفظُ الودائعِ كأنْ يدفعَ إنسانٌ مالًا لآخر ليحفظَهُ له ،ثم يقومُ بردِّهِ في الوقتِ المناسبِ الذي طلبَهٌ فيه، كلا فلو كان الأمرُ هو حفظُ المالِ فقط لكان الأمرُ سهلًا،ولكنْ كلمةُ أمانةِ كلمةٌ عامةٌ تشملُ جميعَ الأمانات. لذا أمرنَا اللهُ بأداءِ الأماناتِ كلّهَا فقال ربُّنَا (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) [سورة النساء: 58]
والأمانةُ أنواعٌ: أمانةٌ مع اللهِ، وأمانةٌ مع الناسِ، وأمانةٌ مع النفسِ.
الأمانةُ مع اللهِ: وهي أنْ تأتي ما أمرَك اللهُ به، وأنْ تجتنبَ ما نهاكَ اللهُ عنه، فاللهُ أمرَك فأتمرْ نهاكَ فانتهي، أمركَ بالتوحيدِ وحّدْ يا مَن قلتَ لا إلهَ إلّا الله، أمرَك بالصلاةِ صلِّى يا مَن قلت لا إلهَ إلّا الله، والأمانةُ مع اللهِ تكونُ بفعلِ المأمورات، وتركِ المنهيات. فتكاليفُ الشريعةِ كلُّهَا أمانةٌ، الصلاةُ أمانةٌ، إذا حافظتَ عليها فقد صنتَ الأمانةَ، وتقولُ له الصلاةُ بلسانِ الحالِ حفظتنِي حفظَكَ اللهُ، وإذا ضيعَ الإنسانُ الصلاةَ فقد خانَ الأمانةَ، وتقولُ له الصلاةُ بلسانِ الحالِ ضيعتنِي ضيعكَ اللهُ ،والوضوءُ أمانةٌ ,والزكاةُ أمانةٌ ،والحجُّ أمانةٌ، والغسلُ مِن الجنابةِ أمانةٌ :فعن أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ وَصَامَ رَمَضَانَ وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ قَالُوا يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ قَالَ الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ)والحلفُ باللهِ أمانةٌ فمَن حلفَ باللهِ فقد صانَ الأمانةَ ،ومَن حلفَ بغيرِ اللهِ فقد ضيعَ الأمانةَ لقولِ النبيِّ المختارِ كما في حديث ابْنِ عُمَرَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ )إنْ سألتَ اللهَ فقد صنتَ الأمانةَ وإنْ سألتَ أحدًا غيرَ اللهِ فقد خنتَ الأمانةَ، وإنْ توكلتَ على اللهِ فقد صنتَ الأمانةَ وإنْ توكلتَ على أحدٍ غيرَ اللهِ فقد خنتَ الأمانةَ، فالتكاليفُ الشريعةِ كلُّهَا أمانةٌ.
الأمانةُ مع الناسِ: وهي الاعترافُ لأصحابِ الحقوقِ بحقوقهِن. فالودائعُ أمانةٌ والشيكاتُ أمانةٌ ،فإذا أخذتَ شيكًا مِن إنسانٍ وغيرتَ فيه وبدلتَ وسلمتَ الشيكَ بغيرِ حقٍّ فقد خنتَ الأمانةَ، وستسألُ عن ذلك أمامَ اللهِ تبارك وتعالي. والديونُ أمانةٌ فمَن أخذَ أموالَ الناسِ يريدُ أداءَهَا أدَّي اللهُ عنه، ومَن أخذَهَا يريدُ اتلافَهَا أتلفَهُ اللهُ، فقد خانَ الأمانةَ، وصدقَ نبيُّنَا ﷺ إذ يقولُ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بل مِن صورِ الظلمِ الْمُمَاطَلَةُ في سدادٍ الديونِ مع قُدْرَتِهِ عَلَى الوَفَاءِ والسدادِ فهذا ظالمٌ لماذا؟
لأنَّه ماطلَ في سدادِ الحقوقِ ففي الصَّحِيحَيْنِ مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه قال، قال النبيُّ المختارُ ﷺ {مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ }.وَفِي رِوَايَةٍ : { لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ }
الأعراضُ أمانةٌ: فلا تتحدثْ في أعراضِ الناسِ بالغيبةِ والنميمةِ، لأنَّ الغيبةَ والنميمةَ تعتبرُ خيانة والعياذُ بالله. لقولِ صاحبِ الشفاعةِ ﷺ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَالُهُ وَعِرْضُهُ وَدَمُهُ حَسْبُ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ) وأعظمُ خيانة في الأعراضِ هي الزنا والعياذُ باللهِ، و قذفِ المحصناتِ الطاهراتِ العفيفاتِ، والأسرارُ أمانةٌ، فإذا حدَّثَك إنسانٌ بحديثٍ يجبُ عليك أنْ تحفظَ هذا السرَّ، وهذا الحديثُ لقولِ النبيِّ المختارِ ﷺ كما في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ)
ومِن الأمانةِ حفظُ أسرارِ المجلسِ الذي جلستَ فيهِ فلا تتركْ لسانَكَ يفشِي أسرارَهَا ،ويسردُ أخبارَهَا فكم مِن حبالٍ تقطعتْ، ومشاكلَ دارتْ بينَ الناسِ بسببِ خيانةِ المجلسِ، وكم مِن مصالحَ تعطلتْ بسببِ استهانةِ الكثيرِ مِن الناسِ بحقوقِ المجالسِ.
فالمجالسُ كلُّهَا أمانةٌ لقولِ النبيِّ المختارِ ﷺ كما في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ إِلَّا ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ سَفْكُ دَمٍ حَرَامٍ أَوْ فَرْجٌ حَرَامٌ أَوْ اقْتِطَاعُ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ) فاتقوا اللهَ في أمانةِ المجلسِ، ومِن أعظمِ الأماناتِ السرُّ بينَ الرجلِ وزوجتهِ، فإذا أفشَي كلٌّ منهم أمرَ الآخرِ فقد خانَ الأمانةَ لقولِ النبيِّ المختارِ ﷺ كما في حديث أبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا )أي ينامُ الرجلُ بجوارِ زوجتهِ وتنامُ بجوارهِ ثم ينشرُ سرَّهَا ،وللأسفِ الشديدِ مِن الظواهرِ السيئةِ التي انتشرتْ في مجتمعاتِ المسلين هذه الظاهرةُ ينامُ الرجلُ بجوارِ زوجتهِ بالليلِ ثم في الصباحِ يقولُ لصاحبِه فعلتُ كذا وكذا مع زوجتِي بالليل ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، وكذلك المرأةُ هي الأخرى تخبرُ أخري بما دارَ بينها وبينَ زوجِهَا بالليلِ, ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، ونسي هذا وذاك أنَّ مِن أشرِّ الناسِ منزلةً عند اللهِ يومَ القيامةِ مَن فعلَ مثلَ هذا الأمر .
ومِن الأمانةِ التي يجبُ مراعاتُهَا والقيامُ بحقِّها؛ بذلُ النصيحةِ لِمَن استنصحَ، وإبداءُ الرأي السديدِ لمَن استشارَ؛ لقول النبي ﷺ: «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» صحيح – رواه أبو داود والترمذي. وقوله ﷺ: «مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ؛ فَقَدْ خَانَهُ» حسن – رواه أبو داود.
والعملُ الذي كُلّفتَ بهِ أمانةٌ فهذا ابنُ مسعودٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ غُلَامًا يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ وَقَدْ فَرَّا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَا يَا غُلَامُ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ لَبَنٍ تَسْقِينَا قُلْتُ إِنِّي مُؤْتَمَنٌ وَلَسْتُ سَاقِيَكُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ قُلْتُ نَعَمْ فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا فَاعْتَقَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ الضَّرْعَ وَدَعَا فَحَفَلَ الضَّرْعُ ثُمَّ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ فَاحْتَلَبَ فِيهَا فَشَرِبَ وَشَرِبَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ شَرِبْتُ ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ اقْلِصْ فَقَلَصَ فَأَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ قَالَ فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ [سورة لَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ ) كان ابنُ مسعودٍ لا يزالُ كافرًا، لكنَّه عرفَ أنَّ العملَ الذي كُلفَ به أمانةٌ.
والحكمُ والمنصبُ أمانةٌ مَن حافظَ عليهمَا فقد حفظَ الأمانةَ، ومَن ضيعهُمَا فقد ضيعَ الأمانةَ. فلا يستغل الإنسانُ منصبَهُ في جلبِ نفعٍ له أو لأحدٍ مِن أقاربهِ لقولِ النبيِّ المختارِ ﷺ فعَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمْنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ …..) وهذا هو الصحابي الجليل أبو ذر كما في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا )
والشهادةُ أمانةٌ، وأكبرُ الكبائرِ شهادةُ الزورِ، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ )، والنساءُ أمانةٌ كما قالَ سيدُ الأمناءِ ﷺ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ) وأولادُكَ أمانةٌ في عُنقِكَ، مِن حيثُ التربيةِ والرعايةِ والنفقةِ، وحفظِ إيمانِهم وأخلاقِهم، قال اللهُ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]؛ فمَنْ أهملَ الأولادَ وضيَّعَهُم فقد خانَ الأمانةَ، ففي صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ معقلِ بنِ يسارٍ قال سمعتُ النبيَّ ﷺ يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) سلمْ ياربِّ سلمْ، و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) فالإسلامُ كلُّهُ أمانةٌ فمَا يحدثُ الآن في غزةَ والعراق ,وكلِّ مكانٍ أمانةٌ في رقبتِكَ ستسألُ عن هذا كلِّهِ يومَ أنْ تقفَ بين قاضِي القضاةِ وجبارِ السماواتِ والأرضِ.
النوعُ الثالثُ: أمانةٌ مع النفسِ، فالإنسانُ لابدَّ أنْ يكونَ أمينًا مع نفسهِ…. فالخلوةُ أمانةٌ
إذا ما خلوتَ الدهرَ يومًا فــلا…. تقلْ خلوتُ ولكن قُل علىَّ رقيب
ولا تحسبنَّ اللهَ يغفلُ ســـاعةً …. ولا أنَّ ما يخفَى عليـــه يغيب
نفسُكَ وديعةٌ وأمانةٌ استودعَكَ اللهُ إيَّاهَا فلا يجوزُ لك أنْ تفرطَ فيها قال تعالى (وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكمْ رَحِيمًا). قال ربُّنَا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } سورة البقرة آية رقم(195)
الجوارحُ أمانةٌ: فالعينُ أمانةٌ ستسألُ عنها أمامَ ملكِ الملوكِ وجبارِ السماواتِ والأرضِ فلا تنظر بها إلى الحرامِ، الرِجلُ أمانةٌ فلا تمشِي بها إلى الحرامِ، واليدُ أمانةٌ، والفرجُ أمانةٌ، فكلُّ الجوارحِ أمانةٌ ستشهدُ عليكَ يومَ القيامةِ يومَ الحسرةِ والندامةِ { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) } ويتعجبُ الإنسانُ مِن نطقِ الجوارحِ لِمَا شهدتُم علينا فتقولُ كما قال ربُّنَا وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وعن زيدِ بنِ أسلم : الأشهادُ أربعةٌ : الملائكةُ الذين يحصون علينا أعمالَنَا ، وقرأَ : “وجاءتْ كلُّ نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ” ، والنبيون ، شهداءٌ على أممِهِم ، وقرأَ : “فكيفَ إذَا جئنَا مِن كلِّ أمةٍ بشهيدٍ” ، وأمةُ مُحمدِ ﷺ، شهداءُ على الأممِ ، وقرأَ: “لتكونُوا شهداءَ على الناس” ، والأجسادُ والجلودُ ، وقرأَ: “وقالوا لجلودِهِم لِمَ شهدتُم علينا قالوا أنطقَنَا اللهُ الذي أنطقَ كلَّ شيءٍ”فالجوارحُ كلُّهَا أمانةٌ فاتقوا اللهَ في أمانةِ ربِّكُم!!!! لكن تضييعُ الأمانةِ مِن علاماتِ الساعةِ هذا ما أتحدثُ عنه بعدَ جلسةِ الاستراحةِ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي
ثالثــــًا: تضيعُ الأمانةِ مِن علاماتِ الساعةِ.
أيُّها السادةُ: ضياعُ الأمانةِ خطرٌ عظيمٌ على الفردِ والمجتمعِ بل هو مِن أسبابِ الهلاكِ في الدنيا والآخرةِ ،فضياعُ الأمانةِ مرضٌ سرطانيٌّ خطيرٌ مدمرٌ قَلَّمَا يعافَي منه إنسانٌ إلَّا ما رحمَ ربُّ الأرضِ والسماوات ، إنَّه داءٌ عضالٌ حذّرَ منهُ سيدُ النبيين ﷺ، بل ضياعُ الأمانةِ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ ووباءٌ خلقيٌّ كبيرٌ، ما دبَّ في أسرةٍ إلّا كان سببًا لفنائِهَا وما فشَا في أمةٍ إلّا كان نذيرًا لهلاكِهَا فهي مصدرُ كلِّ عداءٍ وينبوعُ كلِّ شرٍّ وتعاسةٍ. لذا نهانَا اللهُ جلَّ وعلا عن الخيانةِ فقال ربُّنَا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) }سورة الأنفال بل كفي بضياعِ الأمانةِ خطرًا وذمًّا أنَّها سببٌ مِن أسبابِ بغضِ اللهِ للعبدِ سلمْ ياربِّ سلمْ { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ }سورة يوسف بل الخيانةُ ثلثُ النفاقِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)ليس هذا فحسب بل بيَّنَ النبيُّ المختارُ ﷺ أنَّ ضياعَ الأمانةِ مِن علاماتِ الساعةِ، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاص أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخَوَّنَ الْأَمِينُ وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَ التَّفَحُّشُ وَقَطِيعَةُ الْأَرْحَامِ وَسُوءُ الْجِوَارِ) ألم يقعْ ما أخبرَ بهِ الصادقُ المصدوقُ ﷺ، بل قال ﷺ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ).
ألم يقعْ ما أخبرَ به الصادقُ الأمينُ ﷺ أصبحَ الخائنُ يُأمنُ والمؤتمنُ يُخوّنُ ويُصدقُ الكاذبُ ويُكذبُ الصادقُ ويتكلمُ التافهُ في أمرِ الناسِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
بل ضياعُ الأمانةِ مِن علاماتِ الساعةِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ ﷺ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ )
ألم يقعْ ما أخبرَ بهِ الصادقُ الأمينُ ﷺ فضياعُ الأمانةِ مِن علاماتِ الساعةِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ مسعودٍ “أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأَمَانَةُ، وَآخَرُ مَا يَبْقَى الصَّلاةُ، وَلَيُصلى نَّ قَوْمٌ لا إِيمَانَ لَهُمْ”.
فانتبهْ واحذرْ مِن ضياعِ الأمانةِ؛ لأنَّه مِن الهلاكِ والدمارِ في الدنيا والآخرةِ،
فالأمانةُ سببٌ لتقدمِ الأممِ والشعوبِ ودليلٌ على الرقىِّ والتقدمِ والحضارةِ.
والخيانةُ دليلٌ على التخلفِ والرجعيةِ، فالأمانةَ الأمانةَ قبلَ فواتِ الأوانِ، الأمانةَ الأمانةَ لننعمَ ولنسعدَ في الدنيا والأخرةِ ،الأمانةَ الأمانةَ للمحافظةِ على أمنِ واستقرارِ مجتمعِنَا.
مصرُنَا الغاليةُ أمانةٌ في أعناقِ الجميعِ، المحافظةُ عليها دينٌ وايمانٌ وإحسانْ وخيانتُهَا نفاقٌ وطغيانٌ .
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف