web analytics
أخبار عاجلة
خطبة الجمعة القادمة 14 يوليو 2023م بعنوان : فضائل الاستغفار  للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ  26 ذو الحجة 1444هـ ، الموافق 14 يوليو 2023م
خطبة الجمعة القادمة 14 يوليو 2023م بعنوان : فضائل الاستغفار  للدكتور مسعود عرابي

خطبة الجمعة 14 يوليو 2023م بعنوان : فضائل الاستغفار  للدكتور مسعود عرابي

خطبة الجمعة القادمة 14 يوليو 2023م بعنوان : فضائل الاستغفار  للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ  26 ذو الحجة 1444هـ ، الموافق 14 يوليو 2023م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 يوليو 2023م بصيغة word بعنوان : فضائل الاستغفار ، للدكتور مسعود عرابي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 يوليو 2023م بصيغة pdf بعنوان : فضائل الاستغفار ، للدكتور مسعود عرابي

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 14 يوليو 2023م ، بعنوان : فضائل الاستغفار ، للدكتور مسعود عرابي.

 

أولاً: مفهوم الاستغفار ومكانته في القرآن والسنة.

ثانيًا: صيغ الاستغفار.

ثالثًا: ثمرات الاستغفار العاجلة والآجلة.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 14 يوليو 2023م ، بعنوان : فضائل الاستغفار ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:

فضائل الاستغفار

الحمد لله الذي تتحير دون إدراك جلاله القلوب والخواطر، وتدهش من إشراق أنواره الأحداقِ والنواظر، المطلع على خفيات السرائر، العالم بمكنونات الضمائر، المستغني في تدبير مملكته عن المشاور والمؤازر، مقلب القلوب وغفار الذنوب وستار العيوب ومفرج الكروب، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبد الله ورسوله، نبي الهدى والرحمة، والهادي بإذن ربه إلى الصراط المستقيم.

وبعــد … فإن خطبتنا هذه بعون الله ومدده وتوفيقه ورعايته تدور حول هذه العناصــر:

أولاً: مفهوم الاستغفار ومكانته في القرآن والسنة.

ثانيًا: صيغ الاستغفار.

ثالثًا: ثمرات الاستغفار العاجلة والآجلة.

العنصر الأول من خطبة الجمعة 14 يوليو 2023م بعنوان : فضائل الاستغفار :

مفهوم الاستغفار ومكانته في القرآن والسنة.

الاستغفارُ، هو طلبُ المَغْفرةِ، والمغفرةُ هي وِقَايةُ الإنسان شَرِّ الذنوبِ معَ سَترِهَا، ومن فضائل الحق على الخلق، أّنّه سبحانه وتعالى فتح لهم باب التوبة، وقبل منهم الأوبة، ولو كانت ذنوبهم عدد حبات الرمال، وعدد ورق الأشجار، ودعاهم بأن يعودوا إليه، ويقبلوا عليه، فإنَّه يغفر الذنوب جميعًا، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. [ســورة الزمر].

التسمية ب «يا عِبادِيَ» مدح، والوصف بأنهم «أَسْرَفُوا» ذم. فلمّا قال الله تعالى: «يا عِبادِيَ» طمع المطيعون في أنْ يكونوا هم المقصودين بالآية، فرفعوا رءوسهم، ونكّس العصاة رءوسهم، وقالوا: من نحن.. حتى يخاطبنا ربنا بهذا؟! فقال تعالى: «الَّذِينَ أَسْرَفُــوا». فانقلب الحال فهؤلاء الذين نكّسوا رءوسهم انتعشوا وزالت ذلّتهم، والذين رفعوا رءوسهم أطرقوا وزالت صولتهم، ثُمَّ أزال الأعجوبة عن القسمة بما قوّى رجاءهم بقوله: «عَلى أَنْفُسِهِمْ» يعنى: إن أسرفت فعلى نفسك أسرفت، «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ»: بعد ما قطعت اختلافك إلى بابنا فلا ترفع قلبك عنّا، «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا» الألف واللام في «الذُّنُوبَ» للاستغراق والعموم، وجاءت «جَمِيعًا» للتأكيد فكأنه قال: أغفر ولا أترك، وأعفو ولا أبقى. [تفسير القشيري].

وفي فتح باب التوبة والترغيب في الاستغفار من الحكم الربانية والمنن والعطايا مالا يخفى على أحد، ففيه فتح باب الأمل أمام العبد، وتجديد الرجاء، وفتح صفحات إيمانية بيضاء نقيه، يُزال بها ما سودته الذنوب، وبه يقلع العصاة عن المعاصي، وهو ما ينعكس بالمزيد من الأمن والأمان على الأفراد والمجتمعات، فالعصاة هم وقود الفتن المجتمعية والانحرافات الأخلاقية، ومتى علم العبد أنّه إن استغفر ربه وتاب عليه، تاب واستغفر وأقلع عن الذنوب، فأفاد نفسه، واستفاد من توبته مجتمعه.

وقد بشر الله تعالى من عصاه ثم عاد إليه أنَّ توبته مقبولة، متى عاد من قريب، ولم يصر على الحنث العظيم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾. [ســورة النساء، 17].

يقول سبحانه وتعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ التَّوْبَةَ مِمَّنْ عَمِلَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ، ثُمَّ يَتُوبُ وَلَوْ قَبْلَ مُعَايَنَةِ مَلَكِ المَوْتِ، وقَبْلَ الْغَرْغَرَةِ. قال قَتَادَةُ: اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r فَرَأَوْا أَنَّ كل شيء عصي الله بِهِ، فَهُوَ جَهَالَةٌ عَمْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.

وكان عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ t يقول: مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ تِيبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ تِيبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِجُمُعَةٍ تِيبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ تِيبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَاعَةٍ تِيبَ عَلَيْهِ، فقيل لَهُ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾. فَقَالَ: إِنَّمَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r. [تفسير ابن كثير].

فلتكن رغبتك في الاستغفار على الدوام، وتحيط بكل جنبات حياتك، ولا يغرنك طول الأمل، فإنْ باب التوبة مفتوح، لكن موعد غلقه لا تملكه، ولا تعرف موعده، فلا تدري نفس في أي موعد ولا في أي مكان تموت، وأمر الساعة كلمح البصر أو هو أقرب، والاستغفار هدية الله للعصاة، فاقبلوا هديته، ولا تردوها على الله إلا بأحسن منها، فمن مكارم الأخلاق، وحسن المروءة أنْ المرء يحسن إلى من أحسن إليه، وخير الله كثير ونعمه على العبد لا تحصى وهو أغنى الأغنياء عن خلقه، وهم أحوج شيء إليه، فاغتنم لحظات حياتك كي تسعد بعد مماتك. 

العنصر الثاني من خطبة الجمعة 14 يوليو 2023م بعنوان : فضائل الاستغفار:

صيغة الاستغفار.

ولما كانت العبادة توقيفية، ولا يقبل الله منها إلا ما كان خالصًا صوابًا، كان لابد من اتباع نهج سيد المرسلين في التقرب إلى رب العالمين، وقبول الأعمال يستلزم الإخلاص، وهو ابتغاء الأجر على العمل من الله دون غيره، وأن يقصد به وجهه الكريم دون سواه، وأن يكون العمل صوابًا، وهو الإتيان به على الوجه الذي جاء به الشرع الحنيف، ولما أمر الله عز وجل ورسوله الكريم العباد أن يستغفروه ويتوبوا إليه، كان لزامًا عليهم الامتثال بهدي رسول الله ، وقد أثر عن رسول الله r صيغ عديدة للاستغفار، ولعل كثرتها دليل على التيسير على المستغفرين، فعند النسائي من حديث خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ r قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَسْتَغْفُرُ؟ قَالَ: « قُولُوا: اللهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ».

وعند مسلم في حديث طويل جاء فيه دعاء النبي في مواطن الصلاة، كان رسول الله r يقول بين التشهد والتسليم: « اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ».

وعند البخاري، من حديث شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ t، عَنِ رسول الله r : « سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، قَالَ: « وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ».

والصواب أنَّ الاستغفار يحصل بكل صيغة تدل على طلب المغفرة من الله U والأفضل هو الصيغ المأثورة عن رسول الله r وأفضلها، هو حديث البخاري، وذلك لأنّ فيه من التذلل والانكسار، واستحضار العظمة للواحد القهار، وهذه السمات من أسباب إجابة الدعاء، فهو دعاء جامع لأبواب الخير، ومعنى العهد: العهد الذي أخذه الله على عباده في أصل خلقهم حين أخرجهم من أصلاب آبائهم أمثال الذر، وأشهدهم على أنفسهم: ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾. [الأعراف]. فأقروا له في أصل خلقهم بالربوبية، وأذعنوا له بالوحدانية، والوعد: هو ما وعدهم تعالى أنَّه من مات لا يشرك منهم بالله شيئًا وأدّى ما افترض الله عليه أنْ يدخل الجنة، فينبغي لكل مؤمن أنْ يدعو الله تعالى أن يميته على ذلك العهد، وأن يتوفاه على الإيمان؛ لينال ما وعد الله به، مقتديًا بالنبي r في دعائه، وسائر الأنبياء عليهم السلام، فقال الخليل إبراهيم: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾. [إبراهيـم]. وقال الكريم يوسف: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾. [يوسف] وقال نبينا r: «وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون».

فإن قيل: أين لفظ الاستغفار في هذا الدعاء، وقد سماه النبي r سيد الاستغفار؟ قيل: الاستغفار في لسان العرب، هو طلب المغفرة من الله تعالى، وسؤاله غفران الذنوب السالفة، والاعتراف بها، وكل دعاء كان في هذا المعنى فهو استغفار. [شرح ابن بطال للبخاري].

العنصر الثالث من خطبة الجمعة 14 يوليو 2023م بعنوان: فضائل الاستغفار:

ثمرات الاستغفار في العاجل ولآجل.

للاستغفار العديد من الثمرات، وهي ثمرات منصوص عليها في هذه الشريعة الغراء، وليست محض اجتهاد للعلماء، بل نص عليها ربنا الكريم في كتابه العظيم، وكذا رسوله r في سنته المطهرة، فقد جاء حديث الوحيين عن ثمرات الاستغفار، أحاديث تطرب الأسماع، وتريح النفوس، وتشرح الصدور، وتجعل المرء في موضع الدهشة من الفخر والعزة بهذا الدين، فمجرد كلمات تجرى على اللسان، تنبع من القلب، مع كمال الاستسلام بموعود الله تعالى يحدث العجب العجاب، ومن أجمل ثمرات الاستغفار أنَّه يستجلب عفو الله تعالى، ويمحو به الذنوب والأوزار.

فالاستغفار هو طلب الغفران من الله باللسان والقلب، وهو من الأذكار التي يعظم ثوابها لما يترتب عليه من محو الذنوب وغفرانها، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً﴾. [سورة النساء].

 قال عبد الله بن عباس: أخبر الله عباده فِي هَذِهِ الْآيَةِ بعفوه وحلمه وَكَرَمِهِ، وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَمَغْفِرَتِهِ فَمَنْ أَذْنَبَ ذَنَبًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً. [تفسير ابن كثير].

وعند أبي داود والترمذي وغيرهما، قال رسول الله r: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ». أي: من موطن الحرب.

وعند أحمد في مسنده، قال رسول الله r: «مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ رَمْلِ عَالِجٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ عَدَدِ وَرَقِ الشَّجَرِ».

وزبد البحر: وَهُوَ مَا يَعْلُو عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ وَتَمَوُّجِهِ. ورمل عالج: مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ فِيهِ رَمْلٌ كَثِيرَةٌ، وَفِي النِّهَايَةِ: الْعَالَجُ مَا تَرَاكَمَ مِنَ الرَّمْلِ وَدَخَلَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. [مرقاة المفاتيح].

الثمرة الثانية: تحقق الأمنيات، واستجلاب الأرزاق.

ولا تتوقف ثمرات الاستغفار على محو الذنوب والأوزار، وحسن المقيل على الواحد القهار، والنجاة من تقلبات الليل والنهار، بل يحقق العبد بالاستغفار كل الأمنيات، ويستجلب به الأرزاق متى تباطأت عليه، قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً﴾. [سورة نوح].

قال قتادة: والنفس مولعة بحب العاجل، وكان قوم نوح عليه السلام أهل حب للدنيا فاستدعاهم إلى الآخرة من الطريق التي يحبونها، وقيل: لما كذبوه عليه الصلاة والسلام بعد تكرير الدعوة، حبس الله تعالى عنهم القطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، وقيل: سبعين سنة، فوعدهم أنهم إنْ آمنوا يرزقهم الله تعالى الخصب، ويدفع عنهم ما هم فيه.

فقال لهم نوح ـــ عليه السلام ـــ: سلوا الله تعالى غفران ذنوبكم، وتوبوا إليه من كفركم، وعبادة ما سواه من الآلهة، ووحدوه، وأخلصوا له العبادة، يغفر لكم ذنوبكم، ويرسل عليكم القطر من السماء متتابعا، ويعطكم الأموال والبنين، فيكثرها عندكم، ويزيد فيما عندكم منها، فيرزقكم البساتين، ويجعل لكم الأنهار التي تسقون منها جناتكم ومزارعكم؛ وقال ذلك لهم نوح، لأنهم كانوا فيما ذُكر قوم يحبون الأموال والأولاد. [ تفسير الطبري ].

وعند أحمد وغيره، قال رسول الله r: « مَنِ أكْثَرَ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ».

      جاء في الحلية لأبي نُعيم، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: « لَمَّا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا أَقُومُ حَتَّى تُحَدِّثَنِي، قَالَ لَهُ: أَنَا أُحَدِّثُكَ، وَمَا كَثْرَةُ الْحَدِيثِ لَكَ بِخَيْرٍ يَا سُفْيَانُ إِذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ بِنِعْمَةٍ, فَأَحْبَبْتَ بَقَاءَهَا وَدَوَامَهَا، فَأَكْثِرْ مِنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ اللهَ تعالى قَالَ: { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}. [إبراهيم]، وَإِذَا اسْتَبْطَأْتَ الرِّزْقَ، فَأَكْثِرْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا }. [سورة نوح]، يَا سُفْيَانُ، إِذَا حَزَبَكَ أَمْرٌ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَكْثِرْ مِنْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ؛ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ الْفَرَجِ، وَكَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، فَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، وَقَالَ: ثَلَاثٌ وَأَيُّ ثَلَاثٍ، قَالَ جَعْفَرٌ: عَقِلَهَا وَاللهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَلَيَنْفَعَنَّهُ اللهُ بِهَا».

تابع / خطبة الجمعة 14 يوليو 2023م بعنوان : فضائل الاستغفار:

الثمرة الثالثة: جلاء سواد القلوب والران الذي يحدثه الذنب.  

فعند أحمد وابن ماجة وغيرهما، منْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُهُ، أي: عاد صافيًا بالتوبة والاستغفار. وَإِنْ زَادَ زَادَتْ، حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ـــ عَزَّ وَجَلَّ ـــ فِي الْقُرْآنِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [ المطففين: 14] ». والرَّان، الذنب على الذنب حتى يسود القلب، فالمعصية تسود القلوب، والاستغفار يجليها. أَيْ: ينَظُفَ ويصَفِيَ مِرْآةُ قَلْبِهِ لِتَجَلِّيَاتِ رَبِّهِ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْقَلَةِ، تَمْحُو وَسَخَ الْقَلْبِ، وَسَوَادَهُ حَقِيقِيًّا أَوْ تَمْثِيلِيًّا. [ مرقاة المفاتيح ].

الثمرة الرابعة: ثناء الله على أهل الاستغفار:

فقد مدح ربنا أهل الاستغفار، في غير موضع في كتابة العزيز، فقال تعالى: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. [آل عمران]. وقد ساقهم في موضع مدح وثناء، وهم المستغفرون.

وغيرها من الثمرات التي يصعب معها العد، وتستعصي على الحد، فلا تغفلوا عباد الله عن هذه الفضيلة، التي هي حروف تجرى على اللسان تفوق عمل الجوارح والأركان.

 قال ابن رجب الحنبلي: ومجرَّدُ قولِ القائل: اللَّهُمَّ اغفر لي، طلبٌ منه للمغفرةِ ودعاءٌ بها، فيكونُ حكمُهُ حكمَ سائرِ الدعاءِ، فإنْ شاءَ اللَّهُ أجابه وغفرَ لصاحبِهِ، لا سيما إذا خرجَ عن قلبِ منكسرٍ بالذنبِ أو صادفَ ساعةً من ساعاتِ الإجابةِ كالأسحارِ وأدبارِ الصلواتِ.

ويُروَى عن لُقمانَ ــ عليه السلامُ ــــ أنّه قالَ لابنِه: يا بنيَّ عَوِّدْ لسانكَ، اللَّهمَّ اغفرْ لي، فإنَّ للَّهِ ساعاتٍ لا يَرُدُّ فيها سائلاً.

وقال الحسنُ: أكثِروا من الاستغفارِ في بيوتِكم، وعلى موائِدكم، وفي طُرقِكُم، وفي أسواقِكُم، وفي مجالسِكُم أينما كُنتُم، فإنَّكم ما تدرونَ متى تنزلُ المغفرةُ. [ تفسير ابن رجب الحنبلي ].

  اللهم أنطق ألسنتنا بذكرك، وقلوبنا بشكرك، واقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتنا لك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا .. واحفظ اللهم بلادنا من كل مكروه وسوء، واجعلها بفضلك ومنتك سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين .. اللهم آمين!

بقلم: مسعود عرابي … عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر.

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

عن كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

شاهد أيضاً

خطبة الجمعة القادمة 10 مايو 2024 م بعنوان : التنمر وأثره المدمر للفرد والمجتمع ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 2 ذو القعدة 1445هـ ، الموافق 10 مايو 2024م

خطبة الجمعة القادمة 10 مايو : التنمر وأثره المدمر للفرد والمجتمع ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة القادمة 10 مايو 2024 م بعنوان : التنمر وأثره المدمر …

خطبة الجمعة القادمة 10 مايو 2024م من الأرشيف : التنمر وأثره المدمر للفرد والمجتمع ، بتاريخ 2 ذو القعدة 1445هـ – الموافق 10 مايو 2024م

خطبة الجمعة القادمة من الأرشيف : التنمر والسخرية وأثرهما المدمر علي الفرد والمجتمع

خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة القادمة 10 مايو 2024م من الأرشيف : التنمر والسخرية وأثرهما …

خطبة الجمعة القادمة : التنمر وأثره المدمر للفرد والمجتمع ، بتاريخ 2 ذو القعدة 1445هـ ، الموافق 10 مايو 2024م

التنمر والسخرية وأثرهما المدمر علي الفرد والمجتمع ، خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة : التنمر والسخرية وأثرهما المدمر علي الفرد والمجتمع ، بتاريخ 2 ذو …

خطبة الجمعة اليوم 3 مايو 2024م لوزارة الأوقاف - د. خالد بدير - الدكتور محمد حرز ، الدكتور محروس حفظي ، الشيخ خالد القط ، الدكتور عمر مصطفي ، word- pdf : أمانة العامل والصانع وجزاؤها ، بتاريخ 24 شوال 1445هـ ، الموافق 3 مايو 2024م

خطبة الجمعة اليوم : أمانة العامل والصانع وجزاؤها

خطبة الجمعة اليوم خطبة الجمعة اليوم 3 مايو 2024م لوزارة الأوقاف – د. خالد بدير …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Translate »